الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، أمّا بعد:
فإنّ قيام اللّيل من أشرف مقامات العباد بين يدي ربّ العالمين، وفي الحديث الّذي رواه الطّبراني بسند حسن كما في " صحيح التّرغيب والتّرهيب " عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رضي الله عنه قَالَ:
جَاءَ جِبْرِيلُ إِلَى النَّبِيِّ صلّى الله عليه وسلّم فَقَالَ: ( يَا مُحَمَّدُ عِشْ مَا شِئْتَ فَإِنَّكَ مَيِّتٌ، وَاعْمَلْ مَا شِئْتَ فَإِنَّكَ مَجْزِيٌّ بِهِ، وَأَحْبِبْ مَنْ شِئْتَ فَإِنَّكَ مُفَارِقُهُ، وَاعْلَمْ أَنَّ شَرَفَ المُؤْمِنِ قِيَامُ اللَّيْلِ، وَعِزَّهُ اسْتِغْنَاؤُهُ عَنِ النَّاسِ ).
ومبدأ قيام اللّيل من صلاة العشاء ومنتهاه إلى طلوع الفجر، وأحسنه الثّلث الأخير منه، فإذا كان بين العشاء والفجر ستّ ساعات، فالسّاعتان الأخيرتان هما أفضل الوقت، لما رواه مسلم عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم قَالَ: (( يَنْزِلُ رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِرُ فَيَقُولُ: مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ ؟ وَمَنْ يَسْأَلُنِى فَأُعْطِيَهُ ؟ وَمَنْ يَسْتَغْفِرُنِى فَأَغْفِرَ لَهُ ؟)).
وعدد ركعاتها إحدى عشرة ركعة أو ثلاث عشرة إذا عددنا راتبة العشاء، بدليل ما رواه البخاري عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها سُئِلت: كَيْفَ كَانَتْ صَلاَةُ رَسُولِ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم فِي رَمَضَانَ ؟ فَقَالَتْ: مَا كَانَ يَزِيدُ فِي رَمَضَانَ وَلاَ فِي غَيْرِهِ عَلَى إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً، يُصَلِّي أَرْبَعاً فَلاَ تَسَلْ عَنْ حُسْنِهِنَّ وَطُولِهِنَّ، ثُمَّ يُصَلِّي أَرْبَعاً فَلاَ تَسَلْ عَنْ حُسْنِهِنَّ وَطُولِهِنَّ، ثُمَّ يُصَلِّي ثَلاَثاً )).
وتصلّى مثنى مثنى لحديث البخاري عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنه قَالَ: سَأَلَ رَجُلٌ النَّبِيَّ صلّى الله عليه وسلّم وَهُوَ عَلَى المِنْبَرِ: مَا تَرَى فِي صَلاَةِ اللَّيْلِ ؟ قَالَ: (( مَثْنَى مَثْنَى، فَإِذَا خَشِيَ الصُّبْحَ صَلَّى وَاحِدَةً فَأَوْتَرَتْ لَهُ مَا صَلَّى )). أو تصلّى أربعا أربعا فثلاثا، لحديث عائشة السّابق، أو غير ذلك، لأنّ النّفل أمره واسع.
أمّا مقدار القراءة فيه: فذاك ممّا تُرِك واجتهاد المتعبّد، بحسب قوّته وهمّته، وكان أكثر السّلف يقرؤون القرآن في قيام اللّيل كلّ أسبوع مرّة، ومنهم من كان يقرأه في ثلاث، ولا يحلّ قراءته دون ذلك للنّهي الصّحيح عنه.
وعادة أكثر النّاس أنّهم يقرؤون جزءا –يعني حزبين- من القرآن، ومن كان يعجز عن ذلك فما تيسّر قال تعالى:{ عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَأُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَاقْرَأُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ } [المزمل: من الآية20]
والله الموفّق لا ربّ سواه.