نصّ الجواب:
الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، أمّا بعد: وعليكم السّلام ورحمة الله وبركاته
فللإجابة عن سؤالك فلا بدّ من أن تعلم أمرين مهمّين:
- * الأمر الأوّل:
اعلم – أخي الكريم – أنّ قضاء الصّلاة إنّما شُرع في حقّ النّاسي والنّائم رحمةً من الله بهما، فإنّهما كانا غير متعمّدين حينها، وليس العامد كالنّائم والنّاسي أبدا ؟
روى البخاري ومسلم عن أنس رضي الله عنه عن النَّبِيِّ صلّى الله عليه وسلّم قَالَ: (( مَنْ نَسِيَ صَلاَةً أَوْ نَامَ عَنْهَا فَلْيُصَلِّ إِذَا ذَكَرَهَا، لاَ كَفَّارَةَ لَهَا إِلَّا ذَلِكَ { وَأَقِمِ الصَّلاَةَ لِذِكْرِي } )).
وإنّ قياس المتعمّد على النّائم والنّاسي قياس مع الفارق، لأنّ الله حين أمرهما بقضاء الصّلاة، إنّما أمرهما بذلك إكراما لهما، وتفضّلا عليهما، لئلا يُحْرَما من خيرها وأجرها، والعامد ليس أهلا للإكرام.
قال العزّ بن عبد السّلام رحمه الله في كتابه الفذّ " قواعد الأحكام في مصالح الأنام " (2/6):
" وقال أهل الظّاهر وبعض العلماء: من ترك الصّلاة أو الصّيام لا يلزمه القضاء، لأنّ القضاء ورد في النّاسي والنّائم، وهما المعذوران، وليس المتعمد في معنى المعذور، ولما قالوه وجه حسن؛ وذلك لأنّ الصّلاة ليست عقوبةً من العقوبات حتىّ يقال: إذا وجبت على المعذور فوجوبها على غيره أولى، لأنّ الصّلاة إكرام من الله تعالى للعبد، وقد سماّه جليسا له، وأقرب ما يكون العبد من ربّه إذا كان ساجدا، ولا يستقيم مع هذا أن يقال: إذا أكرم المعذور بالمجالسة والتقرب، كان العاصي الذي لا عذر له أولى بالإكرام والتقريب، وما هذا إلاّ بمثابة من يرتب الكرامة على أسباب الإهانة … " اهـ.
وهذا الكلام الدقيق غاية في التحقيق، وهو اختيار ابن حبيب من المالكيّة، وابن حزم، وابن تيمية، وابن القيّم رحمهم الله جميعا.
- * الأمر الثّاني:
ثمّ اعلم – أخي الكريم – أنّ العمل ليس حجّة في ترك الصّلاة حتّى يخرج وقتها، فإذا لم تسقط الصّلاة عن المجاهد في سبيل الله ! حال احتدام القتال ! يصلّي كيفما اتّفق ! وحيثما اتّجه ! فكيف بغيره ؟! وكيف بمن هو في ورشة عمل، أو مكتب محاسبة أو غير ذلك ؟!
وتذكّر أنّ الله تعالى رزقك هذا العمل لتُقِيم الصّلاة وتعبُده وتخشاه، لا لتضيع الصّلاة وتنساه، قال الله تعالى في الحديث القدسيّ: (( إِنَّا أَنْزَلْنَا الْمَالَ لِإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَلَوْ كَانَ لِابْنِ آدَمَ وَادٍ لَأَحَبَّ أَنْ يَكُونَ إِلَيْهِ ثَانٍ وَلَوْ كَانَ لَهُ وَادِيَانِ لَأَحَبَّ أَنْ يَكُونَ إِلَيْهِمَا ثَالِثٌ وَلَا يَمْلَأُ جَوْفَ ابْنِ آدَمَ إِلَّا التُّرَابُ ثُمَّ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ تَابَ )) [رواه الإمام أحمد بسند صحيح].
ومن أعظم الأحاديث في هذا المعنى ما رواه الترمذي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صلّى الله عليه وسلّم قَالَ: (( إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: يَا ابْنَ آدَمَ تَفَرَّغْ لِعِبَادَتِي أَمْلَأْ صَدْرَكَ غِنًى وَأَسُدَّ فَقْرَكَ، وَإِلَّا تَفْعَلْ مَلَأْتُ يَدَيْكَ شُغْلًا وَلَمْ أَسُدَّ فَقْرَكَ )).
فعليك بالتّوبة والإنابة إلى الله، والعزم على عدم الرّجوع لمثل ذلك، فقد عرفتَ فالزم.
والله الموفّق لا ربّ سواه.