لذلك أردنا أن نتكلّم عن سبب ظهور بعض البدع يوم عاشوراء، حتّى فشت وعمّت، وذاع صيتها وطمّت ..
فاعلموا - أيّها القرّاء الأعزّاء - أنّ بدع عاشوراء ما ظهرت في بلاد المسلمين إلاّ لسببين اثنين:
-السّبب الأوّل: هو ظهور الدّجّالين في هذه الأمّة.
ففي الحديث الذي رواه التّرمذي وأبو داود عَنْ ثَوْبَانَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم: (( إِنَّهُ سَيَكُونُ فِي أُمَّتِي ثَلَاثُونَ كَذَّابُونَ، كُلُّهُمْ يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ، وَأَنَا خَاتَمُ النَّبِيِّينَ لَا نَبِيَّ بَعْدِي )).
وكما أخبر الصّادق المصدوق صلّى الله عليه وسلّم فقد ظهر كثير منهم، ومن هؤلاء:
صالح بن طريف البربري، من عرش المصامدة، وتعرف قبيلتهم بـ ( برغواطة ).
كان هو وقبيلته في المغرب الأقصى بنواحٍ منه كـ:" أمسنا "، و" ريف البحر " من سلاّ وأزمّور و" أنفا " (الدار البيضاء حاليا)، وذلك في القرن الثّاني الهجري، الموافق للقرن الثّامن من الميلاد.
صالح بن طريف قال عنه صاحب " العبر " وابن خلدون:" كان رجلا من أهل العلم والخير فيهم، ثمّ انسلخ من آيات الله، وانتحل دعوى النبوّة، وشرع لهم الدّيانة التي كانوا عليها بعده .." نسأل الله الثّبات.
ادّعى النبوّة، و" سمّى نفسه ( صالح المؤمنين )، وعهد إلى ابنه إلياس بديانته، وأمره ألا يُظهِر ذلك إلاّ إذا قَوِيَ أمرُه، وحينئذ يدعو إلى مذهبه، ويقتل من خالفه فيه من قومه ".[" البيان المغرب في أخبار الأندلس و المغرب"].
والسّبب في ادّعائه النبوّة هو أنّه أراد دينا خاصّا بالبربر، فقلّد دين الإسلام في كثير من شعائره ثمّ زاد عليها ونقص:
- فادّعى أنّه أُنزل عليه قرآن بالبربريّة في ثمانين سورة.
- وكانوا لا يقرؤون الفاتحة في صلاتهم، إنّما وضع لهم سورة أخرى.
- وألزمهم بخمس صلوات في النّهار وخمسٍ باللّيل.
- وغيّر صلاة الجمعة فجعلها يوم الخميس.
- وألغى الأذان والإقامة.
- وجعل شهر الصّيام هو شهر رجب.
- وجعل عيد الأضحى في اليوم الحادي عشر من عاشوراء .. وهنا بيت القصيد، ومربط الفرس .. إذ هنالك صار النّاس يقومون بعادات سحريّة غريبة وتقاليد بعيدة كلّ البعد عن السنّة .. منها:
أ) أنّ بعض المناطق صارت تعتقد حُرمة الخِياطة في هذا اليوم !! حتّى اعتقدوا حُرمة العمل فيه !! وهذا ظلّ مُعشّشا في أذهان المسلمين قرونا وقرونا.
ب) ومنها: من عجز عن الذّبح لزمه ذبح الدّجاج، ومن لم يذبح فقد استهان بيوم عاشوراء، كما يذكر ذلك ابن الحاجّ المالكي في "المدخل". ولا يزال النّاس على هذه العادة إلى اليوم.
ت) ومنها: اعتقادهم وجوب تطهير أموالهم بالزّكاة يوم عاشوراء.
لذلك ترى كثيرا من المسلمين لا يخرجون زكواتهم باعتبار اليوم الّذي بلغ فيه النّصاب، ولكنّهم مشوا على عادة إخراج الزّكاة يوم عاشوراء !!
ث) منها: استعمال النّساء للحِنّاء في هذا اليوم، وغيرها من المظاهر التي ما أنزل الله بها من سُلطان.
السّبب الثّاني في انتشار البدع: الأحاديث الضّعيفة والموضوعة.
فإنّه قد علقت بأذهان المسلمين أحاديث كثيرة تخصّ يوم عاشوراء، فإليك بعضها:
1- ( من وسّع على أهله في يوم عاشوراء وسّع الله عليه سائر سنته ).
[رواه البيهقي في "الشُّعب"] وهو حديث لا يصحّ [انظر:" أحاديث القصاص " لابن تيمية، و" الفوائد المجموعة "، و" السّلسلة الضّعيفة "].
ولذلك ترى الكثيرين يجعلون هذا اليوم يوم توسِعة على العيال بذبح الدّجاج وشراء المأكولات المختلفة !
2-( من صلّى يوم عاشوراء ما بين الظّهر والعصر أربع ركعات، يقرأ في كلّ ركعة بفاتحة الكتاب مرّة، وآية الكرسيّ عشر مرّات، وقل هو الله أحد إحدى عشرة مرّة، والمعوّذتين خمس مرات، فإذا سلّم استغفر الله سبعين مرّة، أعطاه الله في الفردوس قبّة بيضاء...إلخ).
وهو حديث موضوع [" الفوائد المجموعة " و" الضّعيفة "].
3-( من اكتحل بالإثمد يوم عاشوراء لم يرمد أبدا )
وهو حديث موضوع أيضا.
4-( ما من عبد يبكي يوم قتل الحسين، يعني:يوم عاشوراء إلاّ كان يوم القيامة مع أولي العزم من الرّسل ).
وهو من وضع الشّيعة قبّحهم الله. ["الفوائد المجموعة"]. ومثله:
5-( البكاء يوم عاشوراء نور تام يوم القيامة ).
6- وممّا زادوه على النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قولهم: ( من صام يوم عاشوراء كتب الله له عبادة ستين سنة ).
وهو موضوع [" المنار المنيف " لابن القيّم (ص44)].
7-( إن الله خلق السماوات والأرض يوم عاشوراء ).
موضوع ["المنار المنيف"ص58 و"أسنى المطالب" 307].
8- ومن أقبح ما وضعوه قولهم:
( إنّ الله عزّ وجل افترض على بني إسرائيل صوم يوم في السّنة .. فصوموه فإنّه اليوم الذي تاب الله فيه على آدم، وهو اليوم الذي رفع الله فيه إدريس مكانا عليّا، وهو اليوم الذي نجّى فيه إبراهيم من النّار، وهو اليوم الذي أخرج فيه نوحا من السّفينة، وهو اليوم الذي أنزل الله فيه التّوراة على موسى، وفيه فدى الله إسماعيل من الذّبح، وهو اليوم الذي أخرج الله يوسف من السّجن، وهو اليوم الذي رد الله على يعقوب بصره، وهو اليوم الذي كشف الله فيه عن أيّوب البلاء، وهو اليوم الذي أخرج الله فيه يونس من بطن الحوت، وهو اليوم الذي فلق الله فيه البحر لبني إسرائيل، وهو اليوم الذي غفر الله لمحمّد ذنبه ما تقدّم وما تأخّر، وفي هذا اليوم عبر موسى البحر..!!!).
وهذا من أكذب الأحاديث ["الموضوعات" لابن الجوزي 2/200].
هذا ما أمكننا جمعه ممّا يتعلّق ببعض البدع المتعلّقة بيوم عاشوراء، وما نسجه الكذّابون من الأحاديث زورا وإفكا.
نسأل الله العلم النّافع، والعمل الصّالح، إنّه وليّ ذلك والقادر عليه.