1- فصنف من النّاس اهتزّ واضطرب .. وملأ الجوّ بالصّخب .. وقام وما قعد .. وأرعد وأزبد .. فأتى البيوت من غير أبوابها .. وأوجب أشياء قبل بلوغ نصابها .. فازدادت الأمّة بهم تمزيقا وتفريقا ..{ ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا إِحْسَاناً وَتَوْفِيقاً }..
وهؤلاء ما عليهم إلاّ أن يطهّروا قلوبهم من أفكارهم، ويرجعوا على آثارهم: { وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّاباً رَحِيماً }..
إنّهم يريدون الإصلاح، ولكنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم يقول مشترطا للفلاح: (( وَجُعِلَ الذِلَّةُ وَالصَّغَارُ عَلَى مَنْ خَالَفَ أَمْرِي )) !!..
أَوْرَدَهَا سَعْدٌ وَسَعْدٌ مُشْتَمِل ما هكَذَا يَا سَعْدُ تُورَدُ الإِبِل
2- وصنف آخر: يريدون - كالصّنف الأوّل - خيرا، ولكنّه امتلأ تيها وحيرة .. أين الطّريق ؟.. كيف أميّز بين الخوّان والصّديق ؟.. فتراهم كالسّكارى الثّمالى، ويبكون بكاء الثّكالى .. يرى أحدهم النّار أمامه تهيج وللبشر تلوح، ولا يحسنون إلاّ العويل والنّوح .. كلامهم شكوى .. وحالهم بلوى .. ونسوا قول أحكم الحاكمين { وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ }..{ وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ (127) إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ (128)}..
3- وصنف آخر: يرى ما آلت إليه الأمور .. جبالا من الانحراف حوله تمور .. وعَلِم خطأ من ثار وصاح .. وضلال من بكى واشتكى وناح .. فراح يستر فتوره بنقد هدّام .. ويغطّي قصوره بلسان شتّام .. يزهدون في الذرّة، ليحصلوا على الدرّة .. فجعلوا الرّوث مفضّضا، والكنيف مبيّضا ..
هل عاد المرجفون من جديد ؟!.. ألا يقوم لهم رجل رشيد ؟!..
فيا أيّها الإخوة الكرام ! هاكم ما قاله الأوزاعيّ الإمام: " إنّ الله إذا أراد بقوم سوءً أورثهم الجدل .. وبطّأهم عن العمل "..
فلا الإسلام نصروا .. ولا السنّة نشروا .. ولا الكفر والبدعة كسروا ..
4- وصنف آخر: غفلوا عن الغاية العُليا .. وأسرتهم الحياة الدّنيا .. فكيف يعملون لإزالة الكربة، وهم لماّ يشعروا بالغربة ؟!.. استأنسوا بالذلّ والهُون..{ رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ وَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَفْقَهُون }..
من يهن يسهل الهوان عليه مـا لـجـرح بميّت إيـلام
إلى كلّ هؤلاء الأصناف .. اجتنبوا الغلوّ والإجحاف .. وعليكم بالتوسّط والإنصاف .. فإن كنتم تريدون الله حقّا .. وترغبون في سنّة رسوله صلى الله عليه وسلم صدقا .. لتيقّنتم تمام اليقين، أنّكم لستم أكرم على الله من المرسلين .. وما أقرّ الله أعينهم، ولا أثلج صدورهم، حتّى فقدوا أكثر ممّا نالوا ، وعملوا أكثر ممّا قالوا، فلا الثّورة والصّياح كان أمرهم، ولا البكاء والنّواح كان دأبهم، ولا التّثبيط أضحى شأنهم، ولا الرّكون إلى الدّنيا بات همّهم.
فإن أردتم الخير فسيحوا ولا تصيحوا ..
واعملوا ولا تأملوا ..
وقفوا ولا تُرجفوا ..
وحاسبوا أنفسكم .. هل نحن ممّن:{ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ } [التوبة: من الآية46].
أخي القارئ .. أختي القارئة .. علينا الآن، من قبل أن يثبّط الشّيطان، أن نقف وقفة محاسبة ولوم ومعاتبة ..
وليسأل كلّ منّا في الحين: ماذا قدّمت لهذا الدّين ؟..
{ وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ } [التوبة:105].
أتحبّ أن يتآلـف الأقـوام ويزول من دنياهم الإجـرام
فاجْهد إذن كي يحكم الإسلام
أتريـد أن تفـوز بالتّأييـد من ربّنا المخصوص بالتّمجيد
فاعمـل لتعلُوَ رايـة التّوحيـد
أتحبّ قهر الظّلم والطّغيـان وعبـادة الإنسان للإنسـان
فاجـهد لنشـر رايـة القـرآن
أتحبّ حقّا عودة الإسـلام ليعُمّـنا بسنـائه البسّــام
فاعمـل بجـدّ دونما استسـلام
واطلُب من الله العليّ الشّانِ نصرا لهذا الدّين في الأكوان
كي يسعد القاصـي به والدّانـي