ولمّا أحدثوا هذا اللُّبان العصريّ وصاروا يمضغونه كالعلك، سُمّي علكا أيضا، لأنّه يُعلك، أي: يُمضغ. [انظر " لسان العرب "(10/470)، و"المصباح المنير" (ص162)].
* أمّا الحديث المذكور في نصّ السّؤال:
فقد رواه ابن أبي الدّنيا في " ذمّ الملاهي "، وهو حديث موضوع مكذوب على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.
[انظر " الموضوعات " لابن الجوزيّ، و" المقاصدالحسنة " للسّخاوي، و" اللآلئ المصنوعة " للسّيوطي، و" كشف الخفاء " للعجلوني، و"اللّؤلؤ المرصوع " للقاوقجي].
ومثله ما رواه الطّبرانيّ عن ابن عبّاس: ( ما هلك سدوم – وهم قوم لوط عليه السّلام – وما حولها من القرى حتّى استاكوا بالمساويك ومضغوا العلك في المجالس )!! وهذا كلّه من وضع الزّنادقة.
كما وضعوا أحاديث زعموا فيها أنّ مضغ العلك يورث النّسيان.
* أمّا حكم أكله:
فإنّ الفقهاء تناولوا العلك بالبحث في عدد من المسائل، منها:
- هل إذا مضغه الصّائم يفطر أو لا ؟ [" المدوّنة " (1/270)، و" الأمّ " (2/101)،" المغني "(3/36)، و" بدائع الصّنائع " (2/106)]
- وهل إذا علق بفمه شيء منه فمضغه في الصّلاة تبطل صلاته أو لا ؟ [" بدائع الصّنائع " (1/242)].
- وهل من الأدب قراءة القرآن وهو يمضغ علكا [" لقاء الباب المفتوح " (اللّقاء 148) مع الشّيخ ابن عثيمين رحمه الله].
* فأكله جائز بدليل بحثهم له في الأحكام السّابقة، ولكنّه يُكره أمام النّاس لأنّ طريقة مضغه تنافي الوقار والسّمت الحسن، والأدب والخلق، ويزداد الأمر كراهة إذا صحب ذلك فرقعته وغير ذلك.
قال ابن مفلح رحمه الله في " الفروع " (11/347) وهو يعدّد خوارم المروءة:" ومضغ العلك لأنه دناءة، وإزالة درنه بحضرة ناس ".
- وبعضهم أجازه للنّساء وكرهه للرّجال، فجاء في " الفتاوى الهنديّة " (5/355) في باب التّداوي والمعالجات:
" ومضغ العلك للنّساء لا بأس به بلا خلاف، واختلف في مضغه للرّجال، قال شمس الأئمّة الحلواني: لا بأس به في حقّ الرّجال والنساء جميعا إذا كان لغرض صحيح، كذا في جواهر الأخلاطي " اهـ.
ويقصد بالغرض الصّحيح تطييب الفم، فقد كانوا يستعملونه بدلا من السّواك، أو مضغه لمن كان مصابا بمرض الفكّ، وبخاصّة المرّ منه فإنّ له فوائد للصّدر والجوف.
- وسئل الشّيخ عبد الله الفقيه حفظه الله: مضغ العلكة خارج البيت هل هو حرام أو مكروه أو من باب الأدب ؟
فقال:" مضع العلك مباح ولا حرج فيه ولا إثم، سواء كان في البيت أو خارجه، لكن قد يكون من خوارم المروءة.
وهذا يختلف من بلد إلى آخر، ومن شخص إلى آخر. والمطلوب من المسلم أن يحافظ على مروءته لأنّها شرط في عدالته، ومروءته تتحقق باجتناب الأمور الدنيئة المزرية به. ومضغ العلك في الأسواق وأمام الناس في عرف كثير من البلدان معدود من خوارم المروءة والله أعلم ". اهـ [نقلا من " فتاوى الشّبكة الإسلاميّة " رقم الفتوى (15782) بتاريخ: 12 صفر 1423.]
- ومن " شرح زاد المستقنع " للشّيخ محمّد مختار الشّنقيطي حقظه الله ورعاه (الدّرس 417) ذكر أنّه:
" من خوارم المروءة، يعني: إن الحياء والمروءة أن لا يستعمله من له مكانة، كالوالد أمام أولاده، وهكذا الأم أمام بناتها وصغارها، وهكذا طالب العلم والعالم ومن له مكانة بين الناس، فمضغ اللبان يسقط مروءته ويدل على قلة حيائه .. وضابط ذلك أن يفعله أمام الناس .. فكونه يمضغ اللّبان أمام النّاس، فهذا يوجب سقوط عدالته والجرح في شهادته، ويدلّ على نقص عقله؛ لأنّ العقل يمنع من فعل هذه الأمور أمام النّاس.
والأصل الجواز، ولا حرج في مضغه، وكون الإنسان يمضغ اللبان لا حرج؛ لكن لا يفعل ذلك أمام الناس، وأما لو كان صغير السن كالأحداث ونحوهم فهذا مما جرت العادة باغتفاره .. وأمّا اللّبان الّذي يُتداوى به كمرضى السّكر ونحوهم لكونهم يحتاجون إلى وجود اللّعاب في أفواههم، وهكذا بالنسبة للّبان المرّ الّذي يتداوى به الإنسان فهذا لا إشكال فيه " اهـ.
والله أعلم وأعزّ وأكرم.