والحقّ أنّ الرُّجلة من ذلك أوسع، وعن هذه المظاهر أرفع، والتقعّر في الكلام مذمّة عند أولي الألباب، والتبختر في المشي مجلبةٌ للخسف والعذاب.
الثّاني: أنّهم أفسدوا من مبناها.
ذلك لأنّهم يقولون: فلان رَجلة - بفتح الرّاء -، وكأنّهم اغترّوا بعصر الانفتاح، الّذي يُنادَى به في كلّ نادٍ وساح !
والصّواب هو الضمّ، فتقول: فلانٌ رُجلة.
قال أهل اللّغة - كما في "لسان العرب"-:" والرُّجْلة - بالضمّ - مصدر الرَّجُل ... يقال: رَجُل جَيِّد الرُّجلة، ورَجُلٌ بيِّن الرُّجولة والرُّجْلة".
قال ابن الأَعرابيّ رحمه الله:" وهي من المصادر الّتي لا أَفعال لها "، والرُّجلة تعني: الشدّةَ والكمال.
نعم، نطقت العرب بـ ( رَجلة ) - بفتح الرّاء -، ولكنّه جمعٌ لرجل وراجِل، كما قال ابن سيده رحمه الله. ولا يحسُن وصف المفرد بالجمع.
الفوائد:
الفائدة الأولى: الوصف بالمصدر:
إنّ العرب قد تصف بالمصدر تريد المبالغة والتّعظيم، والإطراء والتّفخيم، فقالوا: فلانٌ عدل، وثقةٌ، أي: عادل وموثوق.
ومنه قوله تعالى:{وَجَاءُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ} أي: مكذوب بيّن الكذب.
فإذا قلت: فلان رُجلة فقد أصبت كبد المبالغة.
الفائدة الثّانية: أصل الكلمة هو: الشدّة والصّلابة مع الاستقامة والكمال.
فإنّ العرب تقول: هذه أرض رجلاء: أي صلبة كثيرة الحجارة.
وتطلق اللّفظ أيضا على ما فيه استواء وتمام، ومنه سمّي المُشط مِرْجَلا؛ لأنّه يُسوّي الشّعر ويقِيمه، ومنه الحديث الّذي رواه التّرمذي وأبو داود والنّسائي وأحمد عن عبدِ اللهِ بنِ مُغَفَّلٍ رضي الله عنه قَالَ: (( نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم عَنْ التَّرَجُّلِ إِلَّا غِبًّا )).
وكذلك أطلقوا على القدر مِرْجَل، لأنّه يستوي فيه الطّعام.
فتأمّل - رحمني الله وإيّاك - إلى أصل الكلمة ثمّ اعْجَب لصنفين من الذّكور !
1- صنف لاَنَ حتَّى تخنّث، لا هو مذكّر ولا مؤنّث، فتراه نسي أصل تسميته، وعلّة تكرمته.
فالحذر الحذر أيّها الآباء والأمّهات من أن ينشأ الولد مع الإناث، ويتنعّم بالفاخر من اللّباس والأثاث، فإنّها أوّل خطوات الابتعاد عن الرّجولة، وبداية الانحلال عن عُرى المروءة والفحولة.
أمّا الأنثى فالشّيء من معدِنه لا يُستغرب، فما سمّيت الأنثى بذلك إلاّ لأنّ اللّفظ يدلّ على ذلك، تقول العرب: سيف أنيث، أي: ليّن.
وعليه، فأيّما امرأة ترجّلت فقد خالفت الشّرع والأدب، ونقضت معنى الكلمة عند العرب.
2- صنفٌ نسي أنّ أصل معنى الرّجل: الاستواء والاستقامة، فتراه صبيّا يتقمّط في حجر اللّعب واللّهو، والطّيش والزّهو، متشبّثا بسفاسف الأمور غافلا عن معاليها، بعيدا عن خلال المروءة جاهلا بمعانيها، فاللهمّ سلّم سلّم.
الفائدة الثّالثة: ما القول في " الرجّالة " ؟
يُطلقون كلمة ( الرجّالة ) جمعاً للرّجل البيّن الرّجولة، وهو خطأ.
فرجّالة جمع "رَجْلانَ" إذا كان حافيا أو ماشياً على رجليه، فإنّه له ثلاثة جموع: رَجْلَة، ورجّالة، ورجال، ومنه قوله تعالى:{فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أََْو رُكْباناً}، وقوله سبحانه:{وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا}.
والله تعالى أعلم.