القول الأوّل: هي فُعْلِيّة من (الذرّ) أي: صغار النّمل.
لأنّ الله تعالى أخرج الخلق من صلب آدم عليه السّلام كالذرّ حين أشهدهم على أنفسهم.
قال ابن منظور رحمه الله:" وكان قياسه (ذَرِّيَّةٌ) - بفتح الذّال -، لكنّه نسبٌ شاذّ، لم يجئ إلاّ مضمومَ الأَوّل ".
فعلى هذا القول، فإنّ كلّ الخلق ذراري؛ إلاّ أنّه خُصّ به صغار بني آدم، تشبيها لهم بصغار النّمل.
القول الثّاني: هي مأخوذة من (ذرو، وذري)، من قولك: ذروت الحبّ وذريته. أي: نشرته وفرّقته، ومنه قوله تعالى: {فَأَصْبَحَ هَشِيماً تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ}.
وعلى هذا القول، فالخلق جميعهم ذراريّ أيضا؛ لتفرّقهم في الأرض، إلاّ أنّه خُصّ به الصّغار للطفهم وخفّتهم.
القول الثّالث: هي مأخوذة من (ذرأ)، أي: خلق، فإذا قلت: ذرأ الله الخلق يذرؤهم ذرءا، أي: خلقهم. إلاّ أنّ العرب تركت همزها.
ومنه قول الله تعالى:{ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَمِنَ الْأَنْعَامِ أَزْوَاجًا يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ} [الشّورى من: 11]، ومنه الدّعاء الثّابت عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: (( أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللهِ التَامَّاتِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ، وَذَرَأَ وَبَرَأَ )) [رواه أحمد وهو صحيح].
فالذرّية معناها: المذروءة، أي: المخلوقة، والجمع: الذراريّ. وخصّ به الصّغار لأنّهم على صورة أوّل الخلق.
وهذا أقرب الأقوال إن شاء الله تعالى.
فائـدة:
ذكر ابن منظور رحمه الله في "لسان العرب" وغيره أنّ (الذُّرِّيَّة) لفظ يقع على الآباءِ والأبناء، والأولاد والنّساء.
أمّا إطلاقه على الآباء فكقول الله تعالى:{وَآيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الفُلْكِ المَشْحُونِ}، أَراد آباءهم الذين حُمِلُوا مع نوح في السّفينة.
وأمّا إطلاقه على النّساء، فكقوله صلى الله عليه وسلم وقد رأَى في بعض غَزَواته امرأةً مقتولةً، فقال: (( مَا كَانَتْ هَذِه لِتُقاتِلَ ))، ثمّ قال للرّجل: (( اِلْحَقْ خَالِداً، فَقُلْ لَهُ: لاَ تَقْتُلْ ذُرِّيَّةً وَلاَ عَسِيفاً )) ["السّلسلة الصّحيحة" (2/200)].
الشّاهد: أنّه سمّى النّساءَ ذُرّيةً.
والله تعالى أعلم.