- ومنهم من يقول: طريقة ذلك: أن يعقد الأصبع كلّه ثلاث مرّات.
- ومنهم من يقول – وهي الشّائعة عندنا –: طريقة ذلك: أن يجعل رأس الإبهام على مفاصل كلّ أصبع.
والجواب عن ذلك كما يلي:
- دليل عقد التّسبيح بالأنامل هو ما رواه أبو داود والتّرمذي وأحمد عَنْ يُسَيْرَةَ رضي الله عنها أَنَّ النَّبِيَّ صلّى الله عليه وسلّم:
( أَمَرَهُنَّ أَنْ يُرَاعِينَ بِالتَّكْبِيرِ وَالتَّقْدِيسِ وَالتَّهْلِيلِ، وَأَنْ يَعْقِدْنَ بِالْأَنَامِلِ، فَإِنَّهُنَّ مَسْئُولَاتٌ مُسْتَنْطَقَاتٌ ).
وفي رواية قال صلّى الله عليه وسلّم: (( وَاعْقِدْنَ بالأَنَامِلِ، فَإِنَّهُنَّ مَسْئُولَاتٌ مُسْتَنْطَقَاتٌ )).
فيُستفاد من هذا الحديث:
1- الأمر بالعقد بالأنامل، وعلّل أمره صلّى الله عليه وسلّم بأنّهن مستنطقات مسئولات، فلا يقوم مقام الأنامل شيء، كالسّبحة ونحوها.
2- أنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم لم يبيّن طريقة العقد بالأنامل، فترك ذلك مطلقا، وحينها فإنّ تقييد النّصوص المطلقة بهيئة من الهيئات، أو صفة من الصّفات يحتاج إلى دليل، وإلاّ كان قد فتح بابا من أبواب الابتداع في الدّين.
فما هي الأنامل حتّى يكون المسلم على بيّنة من أمره في عبادته ؟
- ( الأنامل ): جمع أنملة - بتثليث الميم والهمز، فهي تسع لغات -.
- والأصل فيها أنّها: الّتي فيها الظّفر، كذا في " القاموس ".
وقال في "لسان العرب" وهو يشرح معنى كلمة ( التفّ ):" وسخ بين الظفر والأنملة "، ففهمنا أنّ الأنملة هي اللاصقة بالظّفر.
- ولكن قد تطلق الأنامل، ويراد بها أحيانا:
أ) الأصابع كلّها.
فقد قال في "تحفة الأحوذي":
" والظّاهر أن يراد بها الأصابع، من باب إطلاق البعض وإرادة الكلّ، عكس ما ورد في قوله تعالى:{يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ}، للمبالغة ".
وقد جاء استعمال الأنامل مرادا بها الأصابع في قوله تعالى:{وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظ} [آل عمران من: 119].
ب) مفاصل الأصابع.
فقد جرى العلماء على استعمال لفظ ( الأنامل ) بمعنى مفاصل الأصابع، كالقاري في "مرقاة المفاتيح"، والمباركفوري في "تحفة الأحوذي"، أو ابن قدامة في " الكافي في فقه الأمام أحمد ".
فتراهم عندما شرحوا قول النبيّ صلّى الله عليه وسلّم في دية الأصابع: (( هَذِهِ وَهَذِهِ سَوَاءٌ - يعني الخنصر والإبهام -)) [رواه البخاري وغيره].
قالوا: يريد النبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنّهما متساويان في الدّية، وإن كان الإبهام أقلّ مفصلا من الخنصر، إذ في كلّ إصبع عشر الدّية، وهي عشر من الإبل، وإذا قطع أنملة من أنامله ففيها ثلث دية إصبع، إلاّ أنملة الإبهام، فإنّ فيها نصفَ دية إصبع، لأنّه ليس فيها إلاّ أنملتان، ولا فرق فيه بين أنامل اليد والرّجل.
["الكافي في فقه الإمام أحمد" لابن قدامة رحمه الله (4/110)].
فمن هذا البيان يمكن أن يقال:
إنّ الأمر واسع، ولا حرج عند عقد التّسبيح أن يعقد الأصبع كلّه، أو يضع إبهامه على طرف الأصبع الّذي هو الأنملة، أو يضع رأس الإبهام على مفاصل الأصابع.
والله تعالى أعلم وأعزّ وأكرم.