* أمّا البيت المعمور: فهو الّذي أقسم الله به في سورة الطّور قائلا:{ وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ }.
ومنه ما رواه البخاري عن مالكٍ بنِ صعصَعَةَ رضي الله عنه في حديث المعراج الطّويل عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال:
(( فَرُفِعَ لِي الْبَيْتُ الْمَعْمُورُ، فَسَأَلْتُ جِبْرِيلَ، فَقَالَ: هَذَا الْبَيْتُ الْمَعْمُورُ يُصَلِّي فِيهِ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ إِذَا خَرَجُوا لَمْ يَعُودُوا إِلَيْهِ )) الحديث.
وروى أحمد والحاكم وغيرهما عن أَنَسٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلّى الله عليه وسلّم قَالَ:
(( الْبَيْتُ المَعْمُورُ فِي السَّمَاءِ السَّابِعَةِ يَدْخُلُهُ كُلَّ يَوْمٍ أَلْفُ مَلَكٍ، ثُمَّ لاَ يَعُودُونَ إِلَيْهِ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ )).[صحّحه الشّيخ الألبانيّ في " السّلسلة الصّحيحة " (1/778)].
فهو كعبة أهل السّماء السّابعة؛ ولهذا وجد النبيّ صلّى الله عليه وسلّم إبراهيم الخليل عليه السلام، مسنِدا ظهره إلى البيت المعمور؛ لأنّه باني الكعبة الأرضية، والجزاء من جنس العمل [انظر: " تفسير ابن كثير "].
* أمّا بيت العزّة: فهو البيت الّذي في السّماء الدّنيا.
وقد روى الطّبريّ عن بعض السّلف أنّ في كلّ سماء بيتا حيال الكعبة، فالّذي في السّماء السّابعة يقال له البيت المعمور – كما سبق -، والّذي في السّماء الدّنيا يقال له بيت العزّة.
والدّليل على إثباته وأنّه في السّماء الدّنيا آثار كثيرة تراها في مبحث " الفرق بين الإنزال والتّنزيل " في كتب علوم القرآن، منها:
- ما أخرجه الحاكم في "المستدرك" (2/223)، وصحّحه، ووافقه الذّهبي، وابن أبي شيبة في "المصنّف" (10/533) بسند صحيح عن ابن عبّاس رضي الله عنه أنّه قال:
" فُصِلَ القُرْآنُ مِنَ الذِّكْرِ [أي: اللّوح المحفوظ]، فَوُضِعَ فِي بَيْتِ العِزَّةِ مِنَ السَّمَاءِ الدُّنْيَا، فَجَعَلَ جِبْرِيلُ عليه السّلام يَنْزِلُ بِهِ عَلَى النَّبِيِّ صلّى الله عليه وسلّم".
قال الزّرقاني رحمه الله: " هذه أحاديث كلّها صحيحة ".
وقد صحّحها الحاكم كما رأينا ووافقه الذّهبي، وبمثل ذلك قال ابن تيمية في "المجموع" (12/126)و(15/223)و(16/307)، والحافظ ابن حجر في "الفتح" (9/4) والسّيوطي في "الإتقان" (ص117)، والزّركشي في " البرهان " (ص228).
قال الزّرقاني رحمه الله:
" وهي أحاديث موقوفة على ابن عبّاس غير أن لها حكم المرفوع إلى النبيّ صلّى الله عليه وسلّم لما هو مقرّر من أنّ قول الصّحابيّ فيما لا مجال للرّأي فيه، ولم يعرف بالأخذ عن الإسرائيليّات حكمه حكم المرفوع، ولا ريب أنّ نزول القرآن إلى بيت العزّة من أنباء الغيب الّتي لا تعرف إلاّ من المعصوم، وابن عبّاس رضي الله عنه لم يعرف بالأخذ عن الإسرائيليّات، فثبت الاحتجاج بها "اهـ.
فقول ابن عبّاس رضي الله عنه:" فُصل القرآن من الذّكر فوضع في بيت العزّة من السماء الدنيا..."، نفهم منه أنّ بيت العزّة إنّما هو في هو في السماء الدنيا، والأحاديث الأخرى تتحدّث عن البيت المعمور الّذي هو في السّماء السّابعة.
والله أعلم وأعزّ وأكرم.