فالاستحالة هي: تحوّل الشّيء إلى غير صفاته وخصائصه، كتحوّل الخمر إلى خلّ، ونحو ذلك.
ويعبّر عنها المعاصرون بقولهم: هي كلّ تفاعل كيميائيّ يحوّل المادّة المحرّمة أو النّجسة إلى مركّب آخر حلال طاهر؛ لأنه أصبح مادة جديدة مختلفة في الاسم، والخصائص، والصّفات.
فمن العلماء من خصّ إباحة الشّيء إذا استحال بالمنصوص عليه، كالخمر والعذرة، ومنهم من عدَّى ذلك إلى سائر المحرّمات.
قال ابن القيّم رحمه الله في " أعلام الموقّعين " (2/14):
" فطهارة الخمر بالاستحالة على وفق القياس، فإنّها نجسة لوصف الخبث، فإذا زال الموجِب زال الموجَب، وهذا أصل الشريعة في مصادرها ومواردها بل وأصل الثواب والعقاب، وعلى هذا فالقياس الصحيح تعدية ذلك إلى سائر النّجاسات إذا استحالت، وقد نَبَشَ النّبيُّ صلّى الله عليه وسلم قُبُورَ المشركين من موضع مسجده، ولم ينقل التراب.
وقد أخبر الله - سبحانه - عن اللّبن أنّه يخرج من بين فرث ودم، وقد أجمع المسلمون على أنّ الدابة إذا عُلِفَت بالنجاسة ثم حُبست وعُلفت بالطّاهرات حلّ لبنُها ولحمُها، وكذلك الزّرع والثّمار إذا سُقِيت بالماء النّجس، ثمّ سُقِيت بالطّاهر حلَّت لاستحالة وصف الخبث وتبدله بالطيب.
... والله تعالى يُخرج الطيّب من الخبيث والخبيث من الطيب، ولا عبرة بالأصل، بل بوصف الشيء في نفسه، ومن الممتنع بقاء حكم الخبث وقد زال اسمه ووصفه، والحكم تابع للاسم والوصف دائر معه وجودا وعدما ..."اهـ.
وقد ذكر أهل الاختصاص أنّ الجيلاتين المستخلص من الخنزير والميتة ويُستعمل في الكابسولات والأدوية قد تحوّل تحوُّلاً كاملا، فصارت له خصائص كيميائيّة غير خصائص الأصل الّذي أُخِذت منه.
وعلى ضوء كلام ابن القيّم وغيره من الفقهاء، واعتمادا على تقرير أهل الاختصاص صدرت توصيات الباحثين بما يلي:
- الإنسولين الخنزيري الأصل يُباح لمرضى السكري التداوي به للضّرورة، بضوابطها الشّرعية.
- الجيلاتين المتكون من استحالة عظم الحيوان النجس وجلده وأوتاره طاهر، وأكله حلال.
- الصّابون الّذي ينتج من استحالة شحم الخنزير، أو الميتة، يصير طاهرا بتلك الاستحالة ويجوز استعماله.
- المراهم والكريمات ومواد التجميل التي يدخل في تركيبها شحم الخنزير نجسة، ولا يجوز استعمالها شرعا، إلا إذا تحققت فيها استحالة الشحم وانقلاب عينه.
[انظر: توصيات النّدوة العلميّة الثامنة المنعقدة في ذي الحجة من عام (1415 هـ) الموافق لشهر ماي (1995م) وكان موضوعها: (رؤية إسلامية لبعض المشاكل الصحّية)، بمشاركة " الأزهر " الشّريف و" مجمع الفقه الإسلاميّ " بجدّة، و" المكتب الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية " بالإسكندرية، و" وزارة الصحّة " بدولة الكويت].
ويبقى على المؤسّسات الحكوميّة المسئولة عن قطاع الصحّة التثبّت من تركيب تلك الأدوية المُستوردة، ومراعاة الشّروط والمواصفات في تحضير تلك الأدوية.
والله تعالى أعلم، وأعزّ وأكرم.