الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أمّا بعد:
وعليكم السّلام ورحمة الله وبركاته.
1- أمّا فضل الاستخارة، فذلك يظهر قبل كلّ شيء من تسميتها؛ فإنّ معنى الاستخارة: أن يطلب العبدُ من ربّه سبحانه أن يختار له خيرَ الأمرين، ولا أحدَ أعلمُ من الله بما يصلح للعبد {أَلاَ يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الخَبِيرُ}؟
وفي الاستخارة توكّل على الله تعالى، وافتقار وتضرّع إليه، وتوسّل إليه بصفات الكمال ونعوت الجلال، فما خاب من استخار.
2- أمّا الأمور الّتي تُشرع لها الاستخارة، فإنّما تُشرع الاستخارة في المباحات، لا الواجبات ولا المستحبّات؛ لأنّ الواجب والمستحبّ قد اختاره الله يوم أمر به.
وإذا استخار العبدُ في المستحبّات والواجبات، فإنّما ذلك لملابساتها، وما يتعلّق بها من وسائل، ووقت، وغير ذلك. فالحجّ فرضٌ لا يُستخار الله تعالى فيه، ولكن تشرع الاستخارة من أجل أمور أخرى كاختيار وسيلة السّفر، وانتقاء الرّفيق، وغير ذلك.
3- أمّا وقتها فليس لها وقت معيّن، وإنّما علّقها الشّرع بالهمّ والعزم على الشّيء يريده العبد، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (( إِذَا هَمَّ أَحَدُكُمْ بِالأَمْرِ، فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ مِنْ غَيْرِ الفَرِيضَةِ، ثُمَّ لِيَقُلْ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْتَخِيرُكَ بِعِلْمِكَ وَأَسْتَقْدِرُكَ بِقُدْرَتِكَ، وَأَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ العَظِيمِ ...)) الحديث.
ولا بأس بتكرارها، قال أهل العلم:" لمّا كانت الاستخارة دعاءً فلا بأس بتَكرارها؛ لأنّ الله يحبّ الإلحاح في الدّعاء ".
وإن أراد العبد أداءها في أوقات الإجابة فهو حسنٌ، وإن كانت الاستخارة نفسها من مظانّ الإجابة لما ذكرناه في بيان ما اشتملت عليه من التوسّل والافتقار.
4- أمّا كيف تُعرف ثمرة الاستخارة: فقد شاع مذهبان خاطئان:
أوّلهما: القول بانشراح الصّدر، والحقّ أنّ ذلك ليس بضابط، وإلاّ فمن ذا الّذي لا ينشرح صدره للزّواج مثلا، أو لسّفر النّزهة، وغير ذلك من الأمور المحبوبة للنّفس.
نعم، العالم الصّالح إذا انشرح صدرُه لشيءٍ ما، فإنّ فيه أمارةً فقط، ولكن ليس هو قاعدةً مطّردة، ومثاله قول عمر رضي الله عنه حين عزم أبو يكر رضي الله عنه على قتل مانعِي الزّكاة:" فَوَاللهِ مَا هُوَ إِلَّا أَنْ قَدْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَ أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنه، فَعَرَفْتُ أَنَّهُ الحَقُّ " [رواه البخاري].
الثّاني: القول بأن يرى شيئا في المنام ! وهذا كلام لا زمام له ولا خطام، ولم يقل به أحد من الأئمّة الأعلام.
فإن من الرّؤى ما هو حديث نفس، ولا شكّ أنّ الإنسان إذا همّ بشيء، فسيكون حديثَ نفسِه.
ومن الرّؤى ما هو تخويف من الشّيطان، وما أسهل على الشّيطان أن يتلاعب بالعبد في منامه !
والصّواب - إن شاء الله - أنّ علامة الاستخارة هي ما جاء ذكره في الحديث نفسه، وهو: التّيسير، فإن يسّر الله تعالى الأمر وسهّله، دلّ ذلك على أنّ فيه خيرا، وإلاّ فلا.
ومن الجدير بالتّنبيه عليه: أنّ الله تعالى قد يُيَسّر أمرا لا يروق للعبد، فيظنّه ليس بخيرٍ له، والجواب من وجهين:
الأوّل: أنّ الله تعالى قد اختار، ولا معقّب لحمه، وهو القائل جلّ وعلا:{وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ}.
الثّاني: أنّ الشّيء المكروه شرّ نسبيّ، وفيه خير من جهة أنّه ربّما دفع شرّا أكبر منه.
والله تعالى الموفّق لا ربّ سواه.