يدلّ عليه قوله تعالى:{وَمَا نَقَمُوا إِلاَّ أَنْ أَغْنَاهُمْ اللهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ}.
وهذا الأسلوب في الآية من باب توكيد المدح بما يشبه الذمّ؛ فكأنّ المتكلّم يبحَثُ عن عيبٍ، فلا يجِدُ إلاّ ما يُذكر من المناقب.
وقد أغنى الله تعالى المنافقين بما جلبه حلولُ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم بينهم من أسباب الرّزق: بكثرة عمل المهاجرين وبوفرة الغنائم في الغزوات، ومن أسباب الأمْن الذي أدخله الإسلام فيهم. لكنّهم قابلوا هذه النِّعم بالجحود والعداوة !
وهذا المثل ( اِِتَّقِ شرّ مَن أحسنت إليه ) ليس بحديث، قال السّخاوي رحمه الله:
" ويشبه أن يكون من كلام بعض السلف، وليس على إطلاقه، بل هو محمول على اللّئام غير الكرام، فقد قال عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه ...:" الكريم يلين إذا استُعطِف، واللّئيم يقسو إذا أُلطِف " ... وقال أبو عمرو بن العلاء أحد الأئمة يخاطب بعضَ أصحابه:" كن من الكريم على حذرٍ إذا أهنته، ومن اللّئيم إذا أكرمته "اهـ.
11- " من أعان ظالما سلّطه الله عليه ".
يدلّ عليه قوله تعالى:{كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَنْ تَوَلاَّهُ فَإِنَّهُ يُضِلُّهُ}.
وقد يذكره بعضهم على أنّه حديث، وليس كذلك [انظر " كشف الخفاء " 2/315].
12- " لا تلد الحيّة إلاّ حيّة ".
يدلّ عليه قوله تعالى:{وَلاَ يَلِدُوا إِلاَّ فَاجِراً كَفَّاراً}"اهـ.
ومن أقوال العرب:" العصا من العُصيّة، ولا تلد الحيّة إلاّ حيّة " ["الحيوان" (1/9)].
وهذا ليس على إطلاقه؛ فقد قال الله تعالى:{يُخْرِجُ الحَيَّ مِنَ المَيِّتِ}، وحين قال ملك الجبال للنبيّ صلّى الله عليه وسلّم: إِنْ شِئْتَ أَنْ أُطْبِقَ عَلَيْهِمْ الْأَخْشَبَيْنِ ! فقال صلّى الله عليه وسلّم: (( بَلْ أَرْجُو أَنْ يُخْرِجَ اللهُ مِنْ أَصْلَابِهِمْ مَنْ يَعْبُدُ اللهَ وَحْدَهُ، لَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا )).
وإنّما قال نوحٌ عليه السّلام:{إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا}؛ لأنّه:" مع كثرة مخالطته إيّاهم، ومزاولته لأخلاقهم، علم بذلك نتيجة أعمالهم " ["تفسير السّعدي"].
13- " في الحركات البركات ".
يدلّ عليه قوله تعالى:{وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً}.
قال ابن عبّاس رضي الله عنهما:" المراغَم: المتحوَّل والمذهَب "، وقال مجاهد رحمه الله:" المراغَم: المتزحزَح "، وقال ابن القاسم: سمعت مالكا يقول:" المراغَم الذّهاب في الأرض ".
وسمّي المهاجِر مراغِما، لأنّ الرّجل كان إذا أسلم عادى قومه وهجرهم، فيكون بذلك أرغم أنوفهم.
وهذا المثل من كلام السّلف وليس حديثا كما في "المقاصد الحسنة" (301).
14- " لو بعثناه إلى بئر سمحةٍ لغار ماؤُها ".
يدلّ عليه قوله تعالى:{أَيْنَمَا يُوَجِّهْهُ لَا يَأْتِ بِخَيْرٍ}.
وفي المثل الشّعبي:" يروح للبحر يلقاه ناشف " !
15- " لما أنضج رمد ".
يدلّ عليه قوله تعالى:{وَأَعْطَى قَلِيلاً وَأَكْدَى}.
قال ابن عبّاس رضي الله عنه:" أطاع قليلا ثمّ قطعه ". وقال عكرمة وسعيد:" كمثل القوم إذا كانوا يحفرون بئرًا، فيجدون في أثناء الحفر صخرةً تمنعهم من تمام العمل، فيقولون: أكديْنا، ويتركون العمل.
وكذلك المثل، يُضرب للرّجل يصلح الأمر، ثمّ يفسده. وأصله: أن ينضج الرّجلُُ اللّحمَ، ثم يطرحه في الرماد فيفسده.
16- ( ذَنَبُ الكلب لا يتقَوَّم ).
يدلّ عليه قوله تعالى:{وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ}.
17- " الجاهل مرزوق، والعالم محروم ".
يدلّ عليه قوله تعالى:{قُلْ مَنْ كَانَ فِي الضَّلَالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَنُ مَدًّا}.
وقد ذكر ابن عبد البرّ رحمه الله في "بهجة المجالس" (1/524) عن بعضهم أنّ الله أوحى إلى موسى عليه السّلام: أتدري لم رزقتُ الأحمقَ ؟ قال: لا، قال: ليعْلَمَ العاقلُ أنّ الرّزق ليس بالاحتيال.
حتّى قال أحد الحمقى: طلبت الرّزق بالعقل *** من الغرب إلى الشّرق
فلم يُكسبني العقـل *** سوى البعد من الرّزق
فأدبرت عن العقـل *** وأقبلت على الحمـق
فلم أتعب ولم أنصب *** ولم أضرع إلى الخلـق
18- " الحلال لا يأتيك إلاّ قوتاً، والحرام لا يأتيك إلاّ جزافاً ".
يدلّ عليه قوله تعالى:{إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ لَا تَأْتِيهِمْ}.
فطوبى لمن رُزِق القناعة !
وعن أبي عمرو الشيباني رحمه الله قال: سأل موسى عليه السّلام ربّه عزّ وجلّ فقال:" أيْ ربِّ، أيُّ عبادك أحبّ إليك ؟" قال:" أكثرهم لي ذكرا ". قال:" يا ربّ، فأيّ عبادك أغنى ؟" قال:" أقنعُهم بما أعطيته ".
والله الموفّق لا ربّ سواه.