تعدّ قضيّة ذبح الحيوان الّتي يأمر بها الإسلام قبل الإفادة من لحم الحيوان - الّذي أحلّه الله - من جملة القضايا السّاخنة التي تُثَار للتّشكيك في شرائع الإسلام وأحكامه؛ جهلاً بطبيعة الأوامر الرّبانية التي لا يأتيها الزّلل ولا يعتريها النّقص والخلل.
وكثيراً ما دارت معاركُ كلاميّةٌ وحوارات مفتعلة مع الأقليّات المسلمة في كلّ من بريطانيا وأمريكا وفرنسا وغيرها حول هذه القضيّة.
وتعدّ " جمعيّة الرّفق بالحيوان " في هذه البلدان وغيرها، من أبرز الجمعيات التي تثير هذه القضية وتستنكرها، وتُظهِر مناظر الأغنام بعد قيام المسلمين بذبحها وهي ترفس بأطرافها وتتلوّى من الألم، متّهِمَةًَ القائمين بذلك بالوحشية والهمجيّة.
وهذا - بالإضافة إلى كونه من مظاهر الحقد والتشويه - يعدّ جهلاً مركّباً بما توصّل إليه العلم الحديث في هذا المجال من الحقائق الدامغة.
وفيما يلي بيان الحكمة من الذّبح ... في ضوء ما توصّل إليه العلم الحديث:
لحم الميتة: مستودعٌ للجراثيم والأمراض الفتّاكة.
إنّ طبيعة الدم أنّه يحوِي كميات هائلة من الجراثيم، وبعد وفاة الحيوان يصبح ملوّثاً ضارّاً جدّاً بصحّة الإنسان إذا ما تمّ شربه.
ومن أجل ذلك حرّمه الله فقال:{حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ}.
فكيف حال الدمّ وهو باقٍ بجسم الحيوان الميت ؟
إذا تركنا 1 غرام من الدم، و1 غرام من لحم الشّاة المذبوحة في مكان مكشوف، ثمّ أردنا استعمال كلّ منهما بعد ثلاث ساعات أو أربع ساعات تقريباً. فما الّذي نلحظه ونكتشفه ؟
* أمّا الدمّ: فإنّ الجراثيم الممرّضة ربّما انتقلت إليه عبر السكّين التي ذبح بها الجزّار، أو عبر الهواء المحيط، أو قد تنتقل من مصدر مجاور؛ فإذا انتقل عدد من الجراثيم إلى الدمّ فإنّ الجرثومة الواحدة تتضاعف هندسياً كلّ نصف ساعة، فتتوالد الجرثومة الواحدة إلى اثنتين:
فلو اعتبرنا أنّ 1000 جرثومة انتقلت إلى هذا الغرام من الدم، فإنّها تصبح بعد نصف ساعة 2000.
وبعد ساعة واحدة يرتفع العدد إلى 4000، وبعد ساعة ونصف تصبح 8000 جرثومة، ثمّ يرتفع عدد الجراثيم إلى16000 جرثومة بعد ساعتين، وبعد ثلاث ساعات يكون العدد قد وصل إلى 64000 جرثومة تغزو هذا الغرام الواحد من الدمّ.
* أمّا قطعة لحم الشّاة المذكّاة الّتي لم يحتقِن الدمّ بها:
فإنّ الجراثيم تبدأ بغزو السّطح الخارجيّ عبر التهام الطبقة الصّلبة التي يَصْعُب على الجراثيم اختراقها.
وحينئذ تبدأ بالتهام ما يوجد في الطّبقة الصّلبة؛ فيتناقص عنها الغذاء ويموت عدد كبير منها لعدم قدرتها على التّكاثر بسرعة.
ثمّ إذا أراد الطبّاخ أن يطبُخ هذه القطعة من اللّحم فإنّه يقوم بغسلها من الخارج؛ و عندها تكون كمية أخرى من الجراثيم قد أزيلت بهذه العملية.
ثمّ بالطّبخ يتمّ القضاء على كمّية أخرى كذلك من هذه الجراثيم.
المـُنْـخَـنِـقَـة.
لقد اكتشف مؤخّراً أنّ هناك علاقةً بين الأمراض الّتي يحملها هذا الحيوان الّذي يموت مختنقاً، وبين صحّة الإنسان.
فكيف ذلك ؟
فلا يخفى أنّ الأمعاء الغليظة بها من الفضلات والجراثيم الضارّة بالإنسان ما لا يُحصَى.
ولكنّ جدارَ الأمعاء الغليظة للحيوان يُعدّ حاجزا يمنع انتقال الجراثيم من الأمعاء إلى جسم الحيوان، وإلى دمه طالما كان الحيوان حيّا.
كما أنّ في الأوعية الدمويّة جدار آخر يحول دون انتقال الجراثيم من دم الحيوان.
فإذا حدث للحيوان خنقٌ فإنّه يموت موتاً بطيئاً.
وتكمن الخطورة في هذا الموت البطيء:
1-عندما تزول مقاومة الجدار المغلّف للأمعاء الغليظة تدريجياً مما يجعل الجراثيم الضارة تخترق جدار الأمعاء إلى الدّماء وإلى اللّحم المجاور.
2-وتزول المقاومة أيضا من الأوعية الدّمويّة، فتنتقل هذه الجراثيم مع الدورة الدموية إلى جميع أجزاء الجسم لأنّ الحيوان لم يمت بعد.
فعندئذ يصبح اللّحم مستودعاً ضخماً للجراثيم الضارّة.
ثمّ تفتك هذه الجراثيم المتكاثرة بصحة الحيوان حتى الموت، و موته في هذه الحالة يعني وجود خطر كبير في جسد هذا الكائن الذي يموت مختنقاً.
الموقـوذة ( الوقذ هو الضرب ).
هل هناك تشابه في الخطورة بين موت الحيوان خنقاً وبين موته ضرباً ؟
نعم .. يصاب هذا الحيوان كذلك بالموت البطيء كالمختنق تماماً فيقع له ما وقع للمختنق.
وزيادة على ذلك فإنّ الضّرب يتسبّب في تمزيق الأوعية الدّموية في مكان الضّرب، كما يمزّق الخلايا فيه، فيختلط تركيب الدّماء مع تركيب الخلايا، فيُسبّب حدوث تفاعلات للموادّ السامّة الضارّة.
ولذلك تلحظ وجود تورّم يقع في مكان الضّرب.
إنّ هذا التورّم الحادث سببه: وجود هذه التفاعلات الكيميائية الضارة التي أصبحت مولّدات لمواد سامّة، إلى جانب التسلّخ الذي يحدثه الضّرب في جسم الحيوان.
وبهذا يصبح الحيوان الذي مات ضرباً مستودعاً للجراثيم الضارة وخطراً على صحّة الإنسان.
المتـردّيـة.
قد يموت الحيوان بطريقة أخرى، كأن يتردّى من مكان عالٍ.. فماذا عن أكل لحمه بعد موته ؟
الحيوان الذي يموت بهذه الطريقة تكون حالته مثل حالة الذي مات بالضّرب، ففي مكان السّقوط يحدث هذا التمزّق ويبدأ بالموت موتاً بطيئاً..
وحتّى لو مات مباشرة بعد السّقوط، فإنّ الجراثيم تغزو الجسم بسرعة، ولذلك نجد أنّ العفونات سرعان ما تتصاعد من جسم هذا الكائن، دليلاً على ما يوجد فيه من جراثيم وميكروبات خطيرة.
النّطـيـحـة.
هناك حيوانات تموت من أثر التّناطح فيما بينها، فهل هناك من خطورة إذا تمّ الأكل من هذا الحيوان الذي يموت بهذه الطريقة ؟
الموت بهذه الطريقة يشابه الموت ضرباً ولكنّه أخطر.
ففي الغالب أنّ الحيوان عندما ينطح بقرنه تتمّ عمليّة النّطح هذه في منطقة البطن، وبالأخصّ في الأمعاء، فيدخل القرن ملوّثاً بالجراثيم إلى الدماء في أمعاء الحيوان الآخر، وتجري الدّماء في جسمه، ثمّ يموت تبعاً لذلك. ويشكّل تناول لحم الحيوان في هذه الحالة خطراً محقّقاً على صحّة الحيوان.
ما أكل السَّـبُـع ( والمقصود بالسّبع الكلبيّات كالكلب والذّئب والأسد .. )
معلوم أنّ مخالب السّبع مملوءة بالجراثيم، فإذا غرزها في جسم هذا الحيوان سارت تلك الجراثيم في دمه؛ عندها يموت الحيوان ببطء، ويصبح مستودعاً للجراثيم الضارّة. وقد سبق بيان ذلك. ولكنّ الله تعالى قال:
{إلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ}.
فماذا إذا تعرّض الحيوان لأيّ من الطّرق السّابقة، ولكنّه بقي على قيد الحياة حتّى قمنا بذبحه قبل أن يفارق الحياة ؟
بهذه الطّريقة نكون قد استخلصنا المصدر الأساسيّ لنقل هذه الجراثيم وهو الدمّ، ولا يمكن بعدها السّماح بانتقالها إلى الأعضاء.
وإذا ذُبِح الحيوان قبل موته تخلّص الجسم من هذه المادة التي تسبّب انتقال الجراثيم إليه؛ لأنّ الدم هو السّائل الحيوي المهمّ في جسم الكائن الحيّ والذي يستطيع مقاومة ملايين الطّفيليات بما يحويه من كرات بيضاء وأجسام مضادّة ما دام الكائن حيّاً، وفي درجة حرارته الطبيعية.
فإذا مات الحيوان وتوقّف الدم عن الجريان أصبحت الميكروبات دون مقاومة، و في هذه الحالة يكون أسلم الطّرق هو الإراقة الكاملة لهذا الدّم، وإخراجه من الجسم في أسرع وقت ممكن.
الرّحمة بالحيوان.
إذا قمنا بذبح الحيوان وقطع أوردته، وبعد أن يسيل الدم منه، فهل يشعر الحيوان بالألم من جراء ذلك ؟
الجواب سهل ويسير .. اضغط على أيّ شخص أمامك في مكان ذبح الشّاة تجده قد أغمي عليه بعد لحظات.
وقد اكتشف العلم أنّ مراكز الإحساس بالألم تتعطّل إذا توقّف ضخّ الدّم عنها لمدّة ثلاث ثوانٍ فقط، لأنّها بحاجة إلى وجود الأكسجين في الدم باستمرار.
كيف ذلك والحيوان أمامنا نراه يرفس ويتحرّك ويتلوّى ويتخبّط ؟
هذا سببه أنّ الجهاز العصبيّ لا يزال حيّاً، ولم يفقد منه غير وعيه فقط. وفي هذه الحالة ما دمنا لم نقطع العنق فإنّنا لم نعتدِ على الجهاز العصبيّ فتظلّ الحياة فيه.
لكنّ الذي يحدث في عمليّة الذّبح بطريقة المسلمين أن يبدأ الجهاز العصبي بإرسال إشارات من المخّ إلى القلب طالباً منه إمداده بالدّماء لأنّها لم تصل إليه، وكأنّه ينادي: لقد انقطعت عنّي الدماء !.. أرسل إلينا دماً أيها القلب، يا عضلات .. أمدّي القلب بالدّماء، أيّها الجسم .. أخرج الدماء فإنّ المخّ في خطر..!
عندها تقوم العضلات بالضّغط فوراً، ويحدث تحرّك شديد للأحشاء و العضلات الدّاخلية والخارجية، فتضغط بشدّة وتقذف بكلّ ما فيها من دماء وتضخُّها إلى القلب، ثمّ يقوم القلب بدوره بالإسراع في دقّاته بعد أن يمتلئ بالدّماء تماماً، فيقوم بإرسالها مباشرة إلى المخّ.
و لكنّها - بطبيعة الحال - تخرج للخارج ولا تصل إليه، فتجد الحيوان يتلوّى، وإذا به يضخّ الدّماء باستمرار حتّى يخلُوَ جسم هذا الحيوان تماماً من الدّماء ..
وبذلك يتخلّص جسم هذا الحيوان من أكبر بيئة خصبة لنموّ الجراثيم، وأخطر مادّة على الإنسان.
أيْ: إنّ الحيوان المذبوح يفقد الحياة خلال ثلاث ثوانٍ فقط إذا ذبح بالطّريقة الصّحيحة، وإنّ ما نراه في الحيوان من رفس وتشنّج وما شابه ذلك هي من مؤثّرات بقاء الحياة في الجهاز العصبيّ، ولا يشعر الحيوان المذبوح بها على الإطلاق.
الاستنتاج: لقد وردت كلّ هذه الأسرار الطبّية والحكم الصحيّة في طيات هذا الكتاب العزيز الّذي {لاَ يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} [فصّلت: 42]، فما من خير إلاّ دلّنا عليه، وما من شرّ إلاّ حذّرنا منه.
{أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ}.