أخبار الموقع
***تقبل الله منا ومنكم، وكل عام أنتم بخير أعاده الله على الأمّة الإسلاميّة بالإيمان والأمن واليمن والبركات***
لطرح استفساراتكم وأسئلتكم واقتراحاتكم اتّصلوا بنا على البريد التّالي: [email protected]

مختارات

- موقف الشّيخ ابن بايس من دعوة الشيخ محمّد بن عبد الوهّاب رحمهما الله

الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أمّا بعد:

فيقول الله سبحانه وتعالى:{بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ} [ق: 5].

والمريج هو المختلط، ومنه قوله تعالى:{مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ} [الرّحمن: 19].

وسبب الخلط والتخبّط هو ردُّ الحقّ ودفعُه: اتّباعا للشّبهات، أو الرّكض خلف الشّهوات، أو تعصّبا لشيخ أو جماعة أو مشرب، أو بغضا لشخص أو طائفة أو مذهب.

قال ابن القيّم رحمه الله:

" ... فإنّ من ردّ الحقّ مرج عليه أمرُه، واختلط عليه، والتبس عليه وجه الصّواب، فلم يدرِ أين يذهب " ["أعلام الموقّعين" (2/173)].

- قبساتٌ من حياة الشّيخين ابن باديس والإبراهيمي رحمهما الله-

محاضرة أُلقِيت يوم الثّلاثاء 12 جمادى الآخرة 1434 هـ الموافق لـ: 23 أفريل 2013 م

بمسجد " الإصلاح " ببلديّة الأربعاء.

الحمد لله القائل:{مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا} [الأحزاب:

23]، وأشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له، له الملك كلّه وله الحمد وحده، جعل في كلّ زمانِ فترةٍ من الرّسل بقايا من أهل العلم يدعون من ضلّ إلى الهدى، ويصبرون منهم على الأذى، ويُحيون بكتاب الله تعالى الموتى، ويُبَصِّرون بنور الله أهل العمى، فكم من قتيل لإبليس قد أحيوه، وكم من ضالِّ تائهِ قد هدوه، فما أحسن أثرهم على النّاس ! وما أقبح أثر النّاس عليهم !

وأشهد أنّ محمّدا عبده ورسوله، وصفيّه من خلقه وخليله، القائل: (( يَحْمِلُ هَذَا الْعِلْمَ مِنْ كُلِّ خَلَفٍ عُدُولُهُ يَنْفُونَ عَنْهُ تَحْرِيفَ الْغَالِينَ، وَانْتِحَالَ الْمُبْطِلِينَ، وَتَأْوِيلَ الْجَاهِلِينَ ))، صلّى الله عليه وعلى آله الطّاهرين، وأصحابه الطيّيبين، وعلى كلّ من اتّبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدّين، أمّا بعد:

فحديثنا اليوم إنّما هو قبسات - كما هو في عنوان المحاضرة - من حياة رجلين عظيمين من رجال هذه الأمّة. والقبس هو ما يُؤخذ من النّار، كما قال تعالى عن نبيّه موسى عليه السّلام:{ إِنِّي آنَسْتُ نَاراً لَّعَلِّي آتِيكُم مِّنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى} [طه من: 10]، فإنّنا لا يمكننا أن نُحيطَ بأنوار حياة هذين الشّيخين، فلْنقتَصِر على أخذ قبسات تكون لنا نبراسا يُضيء لنا السّبيل.

-" الفـاضي يعمل قاضـي "

الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أمّا بعد:

فأستفتح هذه المقالة، بكلمة الشّيخ مبارك الميلي رحمه الله وهو يُعاني في زمانه من المثبّطين، ويتألّم من مواقف بعض المرجفين، الّذين لا يحملون شيئا إلاّ لواء تتبّع العثرات، وإذاعة الزلاّت والسّقطات.

قال رحمه الله:

" وقد تعدّدت وسائل الإرشاد في هذا العصر، وسهُلت طرقه، فلماذا لا ننهض مع تعدّد الحوافز وتكرّر المخازي ؟

وإذا نهض أحدنا فلماذا لا نعاضِدُه ؟

وإذا لم نُعاضِدْه فلماذا نُعارضه ؟

وإذا عارضناه فلماذا نعارضه بالبهتان ؟

وإذا عارضناه بالبهتان لحاجة، فلماذا يُعارضه من لا ناقة له ولا جمل في المعارضة والبهتان ؟"اهـ

- لماذا الحديث عن الثّبات ؟

الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أمّا بعد:

فإنّ أعظم نعمة يمنّ بها المولى عزّ وجلّ على عباده هي نعمة الهداية إلى الإسلام، ثمّ الاستقامة عليه مدى الأيّام؛ لذلك كان الحديث عن الثّبات حديثاً عن عنوان السّعادة الأبديّة، والفوز برضا ربّ البريّة سبحانه.

وجوابا عن هذا السّؤال الكبير: لماذا الحديث عن الثّبات ؟ فإنّي أقول: إنّ ذلك لأسباب ثلاثة:

السّبب الأوّل: كثرة الانتكاسة ..

- توقـيـر العـلـمـــاء من توقـيـر الله عزّ وجلّ

الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وعلى كلّ من اقتفى أثره واتّبع هداه، أمّا بعد:

فإنّ الله تعالى قد أولى العلم منزلة تفوق كلّ المنازل، ومرتبة تعلو على كلّ المراتب، وخصّ أهله بالانتقاء والاصطفاء، ورفع ذكرَهم في الأرض والسّماء، وإنّي على يقين تامّ أنّه ما من مسلم ولا مسلمة إلاّ وهو يقرّ بكلّ ذلك، لا ينكره ولا يجحده إلاّ زائغ هالك ..

ولكنّ هذه الكلمات إنّما هي من أجل الغفلة الّتي سكنت كثيرا من القلوب، ولا عاصم منها إلاّ علاّم الغيوب ..

هذه الكلمات ما هي إلاّ تذكرة للغافل، وتثبيتا للمجدّ العاقل، وقطعا لحجّة كلّ متكاسل ..

فالمفرّط في العلم وأهله صنفان:

Previous
التالي

السبت 22 رمضان 1443 هـ الموافق لـ: 23 أفريل 2022 00:10

- لماذا كانت ليلة القدر آخر الشّهر ؟

الكاتب:  عبد الحليم توميات
أرسل إلى صديق

من خطب رمضان 1426 هـ/ 2005 م.

الخطبة الأولى: [بعد الحمد والثّناء] 

معاشر المؤمنين .. فهذه وقفة مع العشر الأواخر من هذا الشّهر الكريم .. شهرٌ بحقّ كما قال رسول الحقّ صلّى الله عليه وسلّم: (( فُتِّحَتْ فِيهِ أَبْوَابُ الجَنَّةِ )).. وكأنّنا رأينا ذلك رأي العين .. ففُرَص نيلِها ودخولِها كثيرة عظيمة، وأسباب الطّاعة كبيرة جسيمة، لا تحرم منها إلاّ نفس شقيّة لئيمة .. 

شهرٌ قد شعر فيه الكثير بحلاوة الإيمان والسّعادة المنشودة .. ووجد فيه الكثير منكم نسيمَ الحياة الطيّبة المفقودة .. وبعد أيّام قلائل سيولّي هذا الشّهر وينصرم .. فهل سيولّي الخير معه وينخرم ؟!

ها هو شهر الله يحتضر أمامنا .. وها هي أيّام الله تتأهّب لتوديعنا ..

فهل ستُحتضَر معه الطّاعات ؟.. وهل سترحل معه القربات ؟

تلك الأيّام الّتي مضت .. وتلك اللّيالي الّتي انقضت ستأتي شاهدة بما عمِلْت، وحافظةً لما أودَعْت، وستكون بانتظارك يوم القيامة، شاهدةً لك بالفلاح أو عليك بالنّدامة {يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ} [آل عمران:30]..

بعد أيّام قليلة سيتوقّف الملك عن النّداء .. ذلك الّذي كان ينادي: ( يا باغي الخير أقبل ! يا باغي الشرّ أقصِر ! ) ويبقى المولى تبارك وتعالى ينادي: (( يَا عِبَادِي ! إِنَّمَا هِيَ أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ، ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إِيَّاهَا، فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدْ اللَّهَ، وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلَا يَلُومَنَّ إِلَّا نَفْسَهُ ))  

تـرحّل الشّهر والهـفاه وانصرما *** واختـصّ بالفـوز بالجنّات من خدما 

وأصبح الغـافل المسكين منكسرا *** مثلي، فيا ويـحه ويا عُظم ما حُرِمـا 

من فاته الزّرع وقت  البِذار فمـا *** تـراه يـحصد إلا الهـمّ  والنّدمـا

طوبى لمن كانت التّقوى  بضاعتـه *** في شـهره وكان بحـبل الله معتصما

ولكنّ الله تبارك وتعالى ذو الفضل العظيم، والخير العميم، لا إله إلاّ هو ما أكرمه من إله! ولا معبود بحقّ سواه ..

عندما تظنّ أنّ الأمر قد فات يَمُدُّه .. وعندما تظنّ أنّ القلب قد مات يشُدُّه .. إذ جعل أعظم الثّواب في آخر هذا الشّهر !

هو الحقّ ليس كمثل الخلق .. الخلق يجعلون أعظم الفرص في أوّل الأمور .. والله يجعل في آخرها عظم الأجور .. لماذا جعل الخير في آخره ؟!

أوّلا: لأنّ كثيرا من النّاس تراهم يزاحمونك الصّفوف في أوّل أيّامه .. يرغبون النّيل من جزيل إكرامه .. يتزاحمون على الدّروس .. ويسارعون إلى تزكية النّفوس .. حتّى إذا مضت الأيّام الجدد، وطال عليهم الأمد، قست قلوبهم، ونادتهم ذنوبهم، فعادوا من حيث بدأوا !

فليست العبرة لديه سبحانه لمن سبق .. بل العبرة لديه لمن صدق.

ثانيا: ليفسح المجال لمن فرّط وأسرف على نفسه، وكاد أن يقع على أمّ رأسه، فيناديه الله تعالى في هذه الأيّام الأخيرة: (( إِنَّ اللهَ يَبْسُطُ يَدَهُ بِاللَّيْلِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ النَّهَارِ، وَيَبْسُطُ يَدَهُ بِالنَّهَارِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ اللَّيْلِ )).

يناديه الله تعالى:{قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53) وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ (54)}..

فلا يزال الخير عظيما، ولا يزال الشّهر كريما ..

ثالثا: إنّ الله يكرم هؤلاء وهؤلاء بالاغتنام من العشر الأواخر من هذا الشّهر العظيم .. وجعل فيه ليلةً هي خيرٌ من ألف شهر، هي:

ليلة القدر .. واللّيلة المباركة

- سمّاها ليلة القدر لسببين:

1- لشرفها وعِظَم قدرها، فالعبادة فيها تعدل عبادة ثلاثٍ وثمانين سنةً ! وكأنّك عبدت الله ما يقارب ثلاثين ألف يوم ..{قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} [يونس: 58].

وكيف لا يجود الله في ليلة أَنزَل فيها خيرَ الكلام، ومحى بها جنح الظّلام ؟! فبعد أن جاد علينا بقرآنه، فإنّه يجود بوافر إحسانه ..

والعجيب أنّ هناك من يُحرم من خيرها، ويفوته عظيم أجرها ! إنّها نفوس لا تزال بقبرها ..

2- وسمّيت بذلك؛ لأنّ الله تبارك وتعالى يقدّر فيها مقادير العام بكامِلِه، فيفصل الله من اللّوح المحفوظ مقادير الخلق ويؤتيها ملائكتَه.

ففي تلكم الليلة يُعلِم الله ملائكتَه من يموت ممّن يَحْيَى، يُعلمهم بالمرحوم من المحروم ..كما قال تعالى:{إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ (ا3) فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ (4)} [الدخان].

في هذه اللّيلة يُكتبُ مصيرُك .. يكتب جِدُّك أو تقصيرُك .. أفترضى أيّها العبد المسكين أن تُكتب أسماءُ من هم حولَك في صحف الملائكة من المقبولين، وتَبْقى أنت وحيدا من المخذولين ؟!

- وسمّاها الله تعالى ( مباركة ):

لأنّ من بركاتها: كثرةَ الأجر المكتوب للطّائعين ..

ومن بركاتها: أنّ الله ينزل فيها ملائكته الكرام، وفي مقدّمتهم أمينُ الوحي جبريلُ عليه السّلام، كما قال تعالى:{تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ (4) )سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ (5)}.. وما نزلت الملائكة إلاّ ونزلت الرّحمة والسّكينة.

روى الإمام أحمد بسند حسن عن أبي هريرَةَ رضي الله عنه أنَّ رسولَ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم قال في لَيْلَةِ الْقَدْرِ: (( إِنَّ الْمَلَائِكَةَ تِلْكَ اللَّيْلَةَ فِي الْأَرْضِ أَكْثَرُ مِنْ عَدَدِ الْحَصَى )).

ومن بركاتها: أنّ الله تعالى كتب لمن قامها زيادةً على الأجر، أنّه يغفر له ما تقدّم من ذنبه، روى البخاري ومسلم عن أبي هريرَةَ رضي الله عنه عن النَِّيِّ صلّى الله عليه وسلّم قال: (( مَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ )).

فإن فاتك القيام مع جماعة المسلمين لنَصَبٍ أو مرض، أو لشاغلٍ قد عرض، فلا تفوّته على نفسك في خلوتك ..

ففي الصّحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالتْ: كانَ النَّبِيُّ صلّى الله عليه وسلّم إِذَا دَخَلَ الْعَشْرُ شَدَّ مِئْزَرَهُ وَأَحْيَا لَيْلَهُ وَأَيْقَظَ أَهْلَهُ .

أيقظ أهله .. ممتثلا في ذلك قولَه تعالى:{وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لا نَسْأَلُكَ رِزْقاً نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى} [طـه:132].

ففي صحيح البخاري أنّه صلّى الله عليه وسلّم دخل على عليّ وفاطمة رضي الله عنهما قائلا: (( أَلاَ تُصَلِّيَانِ ؟! ))..

وفي صحيح البخاري أيضا أنّه صلّى الله عليه وسلّم كان يتّجه إلى حجرات نسائه قائلا: (( أَيْقِظُوا صَوَاحِبَاتِ الْحُجَرِ، فَرُبَّ كَاسِيَةٍ فِي الدُّنْيَا عَارِيَةٌ فِي الْآخِرَةِ ))..

كان الثّوريّ رحمه الله يقول:" أحبُّ إليّ إذا دخل العشر الأواخر أن يُنهِض أهله وولده إلى الصّلاة " ..

وكانت امرأة حبيب أبي محمّد الفارس - وكان مجابَ الدّعوة -رحمهما الله تقول له باللّيل:" قم يا حبيب ! قد ذهب اللّيل وبين أيدينا طريق بعيد، وزادنا قليل، وقوافل الصّالحين قد سارت أمامنا ونحن بقينا مكاننا ".

يا نائـما باللّيل كم  ترقد ؟   *** قُم يا أخي  قد  دنا الموعِدُ

وخُـذ من  اللّيل  وأوقاتِـه *** وِرْدًا إذا ما هجـع الرّقّد

من نـام حتّـى يُنْقَضِي ليله *** لم يبلـغ المنزل أو يجهـد

قل لذوي الألباب أهل التّقى *** قنطرةُ العرْض لكم  موعد

يُحْرَم كثيرٌ من النّاس من هذا الأجر العظيم والثّواب العميم، إمّا لعجزه، وإمّا لجهلِه.

إمّا لعَجْزِه: ذاك الّذي غلبت عليه شقوتُه، فنسأل الله لنا ولجميع من في الأرض الهداية .. ونسأله تعالى جسدا لينا هيّنا لطاعته ..

النّفس تنشُـط للقبيح *** وكم تنام عن الحسن

يا نفسُ ويحك ما الّذي *** يُرضيك في دنيا العفن

وإمّا لجهله: فيظنّ الكثير أنّ ليلة القدر المباركة تكون حتماً في السّابع والعشرين من رمضان ! والحقّ أنّ ذلك ليس بلازم. لماذا ؟

لأنّ النبيّ أمرَنا أن نتحرّاها في العشر الأواخر من رمضان، فقد روى البخاري ومسلم عن عائشةَ رضي الله عنها أنَّ رسولَ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم قال: (( تَحَرَّوْا لَيْلَةَ الْقَدْرِ فِي الْوِتْرِ مِنْ الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ )).

وهناك عدّة أحاديث تدلّ على أنّها كانت في غير هذه اللّيلة، من ذلك:

* ما رواه البخاري ومسلم عن أبي سعيدٍ الخُدْرِيِّ رضي الله عنه أنّه سئل عن ليلة القدر ؟ فقال: اعْتَكَفَ رَسُولُ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم عَشْرَ الْأُوَلِ مِنْ رَمَضَانَ، وَاعْتَكَفْنَا مَعَهُ، فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ عليه السّلام فَقَالَ: (( إِنَّ الَّذِي تَطْلُبُ أَمَامَكَ )) فَاعْتَكَفَ الْعَشْرَ الْأَوْسَطَ، فَاعْتَكَفْنَا مَعَهُ، فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ عليه السّلام فَقَالَ: ( إِنَّ الَّذِي تَطْلُبُ أَمَامَكَ ) فَقَامَ النَّبِيُّ صلّى الله عليه وسلّم خَطِيبًا صَبِيحَةَ عِشْرِينَ مِنْ رَمَضَانَ، فَقَالَ: (( مَنْ كَانَ اعْتَكَفَ مَعَ النَّبِيِّ صلّى الله عليه وسلّم فَلْيَرْجِعْ، فَإِنِّي أُرِيتُ لَيْلَةَ الْقَدْرِ وَإِنِّي نُسِّيتُهَا، وَإِنَّهَا فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ فِي وِتْرٍ، وَإِنِّي رَأَيْتُ كَأَنِّي أَسْجُدُ فِي طِينٍ وَمَاءٍ )). وَكَانَ سَقْفُ الْمَسْجِدِ جَرِيدَ النَّخْلِ وَمَا نَرَى فِي السَّمَاءِ شَيْئًا فَجَاءَتْ قَزْعَةٌ فَأُمْطِرْنَا.

قال: فَمُطِرْنَا لَيْلَةَ ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ.

ومرّة - كما في مسند أحمد وأبي داود - عن عبد الله بن أنيس أنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال لهم: (( تَحَرَّوْهَا لَيْلَةَ ثَلاَثٍ وَعِشْرِينَ )).

ومرّة قال لهم (( اِلْتَمِسُوهَا لَيْلَةَ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ )) كما في الصّحيحين.

ومرّة قال لهم: (( اِلْتَمِسُوا لَيْلَةَ القَدْرِ آخِرَ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ )) [ أي: ليلة تسع وعشرين]، كما في "صحيح ابن خزيمة".

ومرّةً أخبر بها صلّى الله عليه وسلّم، ولكن رُفِعَت فنسِيها ! فقد روى البخاري عن عبادة بنِ الصَّامِتِ رضي الله عنه أنّ رسولَ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم خَرَجَ يُخْبِرُ بِلَيْلَةِ الْقَدْرِ فَتَلَاحَى رَجُلَانِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَقَالَ: (( إِنِّي خَرَجْتُ لِأُخْبِرَكُمْ بِلَيْلَةِ الْقَدْرِ، وَإِنَّهُ تَلَاحَى فُلَانٌ وَفُلَانٌ فَرُفِعَتْ، وَعَسَى أَنْ يَكُونَ خَيْرًا لَكُمْ، الْتَمِسُوهَا فِي السَّبْعِ وَالتِّسْعِ وَالْخَمْسِ )).

لذلك قال العلماء: إنّها تنتقل في الوتر من العشر الأواخر، ولا تلزم ليلةً واحدةً بعينها، فما على المسلم إلاّ أن يلتمِسَها في الوتر من العشر كلّها ..

هذا هو شأن العبد المسدّد، عليه أن يقتفي هدي النبيّ محمّد صلّى الله عليه وسلّم، الّذي كان كما روى البخاري ومسلم عن عائشة رضي الله عنها قالتْ: كانَ النَّبِيُّ صلّى الله عليه وسلّم إِذَا دَخَلَ الْعَشْرُ شَدَّ مِئْزَرَهُ وَأَحْيَا لَيْلَهُ وَأَيْقَظَ أَهْلَهُ ..

الخطبة الثّانية.

فاعلموا أيّها المسلمون، أنّ هناك أعمالاً جليلة ينبغي للمسلم ألاّ يغفُل عنها في بقيّة هذا الشّهر:

1- الاستغفار: وهو ختام الأعمال كلّها وسيّدها:

فأعظم ما يمكنك أن تُكثِرَ منه هذه الأيّام: هو استغفار ذي الجلال والإكرام، وخاصّة بعد قيام اللّيل؛ يقول الله تبارك وتعالى يصف عباده الطّائعين:{الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (16) الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ (17)} [آل عمران]، وقال عنهم:{وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} [الذّاريات:18].

قال الحسن البصري رحمه الله:" قاموا اللّيل إلى وقت السّحر، ثمّ جلسوا يستغفرون ".

وكان ابن عمر رضي الله عنه يصلّي من اللّيل ثمّ يقول: يا نافع، هل أقبل السّحر ؟ فإذا قال: نعم، أقبل على الدّعاء والاستغفار حتّى يؤذّن الفجر.

فبالاستغفار تختم الصّلاة، ويختم الحجّ، وتختم به المجالس، ويختم به هذا الشّهر الكريم، فهو كالطّابع لها إن كانت ذكرا، وكفّارة لها إن كانت لغوا ولهوا.

وممّا يختم به هذا الشّهر الكريم:

2- الإكثار من عتق الرّقاب: لعلّ الله تعالى يعتق رقابنا من النّار ..

فقد كان أبو قلابة رحمه الله في آخر رمضان يشتري جاريةً حسناءَ مزيّنة، فيعتقها يرجو بها العتق من النّار، مصداقا لما رواه البخاري عن سعيد بن مرجانة عن أبي هريرة رضي الله عنه أنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: (( أَيُّمَا رَجُلٍ أَعْتَقَ امْرَأً مُسْلِمًا اسْتَنْقَذَ اللهُ بِكُلِّ عُضْوٍ مِنْهُ عُضْوًا مِنْهُ مِنْ النَّارِ )) قَالَ سَعِيدُ بْنُ مَرْجَانَةَ: فَانْطَلَقْتُ بِهِ إِلَى عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ، فَعَمَدَ إِلَى عَبْدٍ لَهُ قَدْ أَعْطَاهُ بِهِ عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ عَشَرَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ أَوْ أَلْفَ دِينَارٍ، فَأَعْتَقَهُ.

واليوم في عصرنا هذا فاتنا عتقُ الرّقاب، ولكنّ رحمة ربّك العزيز الوهّاب تُحيِّر أولي الألباب:

فإنّ كلمة التّوحيد تقوم مقام عتق العبيد، فقد روى البخاري عن أبي عيَّاشٍ رضي الله عنه قال: قال رسولُ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم: (( مَنْ قَالَ حِينَ أَصْبَحَ:" لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ، وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ " كَانَ لَهُ كَعَدْلِ رَقَبَةٍ مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ، وَكُتِبَ لَهُ بِهَا عَشْرُ حَسَنَاتٍ، وَحُطَّ عَنْهُ بِهَا عَشْرُ سَيِّئَاتٍ، وَرُفِعَتْ لَهُ بِهَا عَشْرُ دَرَجَاتٍ، وَكَانَ فِي حِرْزٍ مِنْ الشَّيْطَانِ، حَتَّى يُمْسِيَ، وَإِذَا أَمْسَى مِثْلُ ذَلِكَ حَتَّى يُصْبِحَ )).

وفيه أيضا: (( مَنْ قَالَ:" لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ، وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، أَرْبَعَ مِرَارٍ كَانَ كَمَنْ أَعْتَقَ رَقَبَةً مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ )).

وبهذا تكون أيّها المسلم قد جمعت بين شهادة التّوحيد والاستغفار، وذاك من أعظم أسباب المغفرة، والنّجاة من النّار، وكشف الكربات، لذلك قال الله تعالى لنبيّه صلّى الله عليه وسلّم:{فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ} [محمّد من : 19]، وقال عن يونس عليه السّلام:{فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (87)} [الأنبياء].

ومن الأعمال الطيّبة الّتي يُختَم بها هذا الشّهر الكريم:

3- إخراج زكاة الفطر:

تلك الصّدقة الّتي فرضها الله تعالى على كلّ من مَلكَ زائدا على قوت يومه، فرضها على الذّكر والأنثى، والصّغير والكبير، والحرّ والعبد، صاعا من طعام: قمح، أو شعير، وكلّ ما يمكن أن يقتات النّاس منه، فرضها الله تعالى طعمةً للمساكين، وطهرةً للصّائمين، وأمرنا أن نُغْنِيَهم في هذا اليوم عن المسألة.

ويبدأ وقت إخراجها من غروب شمس ليلة العيد، وينتهي وقت إخراجها بانتهاء صلاة العيد، ومن أخرجها بعد، فلا تجزئه، ويقضيها في العام القابل.

هذا لمن كان قادرا على إيصالها إلى الفقراء قبل صلاة العيد، ومن علم أنّها لن تصل إلاّ بعد الصّلاة، فله أن يخرجها يوما أو يومين قبل ذلك.

هذا ونسأل الله تعالى أن يجعل أفضل أعمالنا خواتيمها.

أخر تعديل في السبت 22 رمضان 1443 هـ الموافق لـ: 23 أفريل 2022 00:16

Your are currently browsing this site with Internet Explorer 6 (IE6).

Your current web browser must be updated to version 7 of Internet Explorer (IE7) to take advantage of all of template's capabilities.

Why should I upgrade to Internet Explorer 7? Microsoft has redesigned Internet Explorer from the ground up, with better security, new capabilities, and a whole new interface. Many changes resulted from the feedback of millions of users who tested prerelease versions of the new browser. The most compelling reason to upgrade is the improved security. The Internet of today is not the Internet of five years ago. There are dangers that simply didn't exist back in 2001, when Internet Explorer 6 was released to the world. Internet Explorer 7 makes surfing the web fundamentally safer by offering greater protection against viruses, spyware, and other online risks.

Get free downloads for Internet Explorer 7, including recommended updates as they become available. To download Internet Explorer 7 in the language of your choice, please visit the Internet Explorer 7 worldwide page.