- وروى مسلم عَنْ أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم: (( يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا، وَأَزِيدُ، وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَجَزَاؤُهُ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا أَوْ أَغْفِرُ، وَمَنْ تَقَرَّبَ مِنِّي شِبْرًا تَقَرَّبْتُ مِنْهُ ذِرَاعًا، وَمَنْ تَقَرَّبَ مِنِّي ذِرَاعًا تَقَرَّبْتُ مِنْهُ بَاعًا، وَمَنْ أَتَانِي يَمْشِي أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً، وَمَنْ لَقِيَنِي بِقُرَابِ الْأَرْضِ خَطِيئَةً لَا يُشْرِكُ بِي شَيْئًا لَقِيتُهُ بِمِثْلِهَا مَغْفِرَةً )).
- وروى البخاري ومسلم عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ رضي الله عنه قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم فَكُنَّا إِذَا أَشْرَفْنَا عَلَى وَادٍ هَلَّلْنَا وَكَبَّرْنَا ارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُنَا، فَقَالَ النَّبِيُّ صلّى الله عليه وسلّم:
(( يَا أَيُّهَا النَّاسُ ! ارْبَعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ ! فَإِنَّكُمْ لَا تَدْعُونَ أَصَمَّ وَلَا غَائِبًا، إِنَّهُ مَعَكُمْ، إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ تَبَارَكَ اسْمُهُ وَتَعَالَى جَدُّهُ )).
- وروى مسلم عن عَائِشَة أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم قَالَ: (( مَا مِنْ يَوْمٍ أَكْثَرَ مِنْ أَنْ يُعْتِقَ اللَّهُ فِيهِ عَبْدًا مِنْ النَّارِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ وَإِنَّهُ لَيَدْنُو ثُمَّ يُبَاهِي بِهِمْ الْمَلَائِكَةَ فَيَقُولُ مَا أَرَادَ هَؤُلَاءِ )).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله - كما في " المجموع " (5/466)-:
" أمّا دنوّه نفسُه وتقرّبه من بعض عباده، فهذا يُثبته من يُثبت قيام الأفعال الاختياريّة بنفسه كمجيئه يوم القيامة، ونزوله، واستوائه على عرشه، وهذا مذهب أئمّة السلف، وأئمّة الإسلام المشهورين وأهل الحديث والنّقل عنهم بذلك متواتر ".
وكلّ قُرْب يُفهَمُ بحسب النّص الوارد فيه، قال شيخ الإسلام – كما في " المجموع " (6/14)-:
" ..ولا يلزم من جواز القرب عليه أن يكون كلّ موضع ذكر فيه قربه يراد به قربه بنفسه، بل يبقى هذا من الأمور الجائزة، ويُنظر في النصّ الوارد، فإن دلّ على هذا حُمل عليه، وإن دلّ على هذا حُمل عليه ".اهـ
فيقال في صفة القرب ما قيل في صفة المعيّة:
1- فالقرب العامّ: يكون بسمعه وبصره وعلمه، كقوله تعالى:{وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الوَرِيدِ} [ق:16] وقوله:{وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ} [الواقعة:85] على قول بعض المفسّرين كابن عطية رحمه الله (13/539)، قال أبو عمرو الطلمنكي: ومن سأل عن قوله: {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الوَرِيدِ} فاعلم أنّ ذلك كلّه على معنى العلم به والقدرة عليه، والدّليل من ذلك صدر الآية، فقال الله تعالى:{وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الوَرِيدِ}
[انظر: " مجموع الفتاوى " (5/501)].
واختار الإمام الطّبري رحمه الله (13/209)، وابن كثير (6/91) أنّ المراد بذلك الملائكة، وأيّدوا قولَهم بما سبق من قوله تعالى:{ إِذْ يَتَلَقَّى المُتَلَقِّيَانِ عَنِ اليَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ }، قالوا: فهذا دليل على أنّ المراد به قرب الملكين.
2- والقرب الخاصّ: يكون من عبده بنصره وتأييده وإجابته، كقوله تعالى:{وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ}.
3- والقرب الأخصّ: فيكون بذاته سبحانه كما يليق بجلاله وعظيم سلطانه، فيدنو سبحانه وتعالى من أهل الموقف عشيّة عرفة، ومن القائمين بالثّلث الأخير من اللّيل.
روى مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم:
(( إِذَا مَضَى شَطْرُ اللَّيْلِ أَوْ ثُلُثَاهُ يَنْزِلُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا فَيَقُولُ: هَلْ مِنْ سَائِلٍ يُعْطَى ؟ هَلْ مِنْ دَاعٍ يُسْتَجَابُ لَهُ ؟ هَلْ مِنْ مُسْتَغْفِرٍ يُغْفَرُ لَهُ ؟ حَتَّى يَنْفَجِرَ الصُّبْحُ )).
فمذهب الصّحابة والتّابعين والأئمّة المتَّبعين أنّ المراد أنّ الله ينزل بذاته العليّة من عباده كدنوّه منهم عشيّة عرفة، وإنّما اختلفوا: هل هذا الدنّو خاصّ بمن يقوم اللّيل ومن هو واقف بعرفة أو هو عامّ فيدنو من الخلق كلّهم ؟
قال شيخ الإسلام - كما في " مجموع الفتاوى " (5/131) -:
" ثمّ إنّ هذا النّزول هل هو كدنوّه عشيّة عرفة، لا يحصل لغير الحاجّ فى سائر البلاد، إذ ليس بها وقوف مشروع ولا مباهاة الملائكة، وكما أن تفتيح أبواب الجنّة وتغليق أبواب النّار وتصفيد الشّياطين إذا دخل شهر رمضان إنّما هو للمسلمين الذين يصومون رمضان لا الكفار الذين لا يرون له حرمة، وكذلك اطّلاعه يوم بدر وقوله لهم: اعملوا ما شئتم، كان مختصا بأولئك ؟ أم هو عام ؟ فيه كلام ..".
ثمرات معرفة اسم الله " القريب ".
- الثّمرة الأولى: تعظيم المولى تبارك وتعالى:
إنّ من ثمرات الإيمان بهذا الاسم الكريم أن يعلم العبد أنّ الله - وهو على عرشه المجيد - أقرب إليه من حبل الوريد، وبذلك يزداد تعظيمه لربّه، وإكباره له في قلبه، وانظر إلى ما رواه البخاري ومسلم والنّسائي واللّفظ له عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّهَا قَالَتْ:
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَسِعَ سَمْعُهُ الْأَصْوَاتَ ! لَقَدْ جَاءَتْ خَوْلَةُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَشْكُو زَوْجَهَا، فَكَانَ يَخْفَى عَلَيَّ، كَلَامُهَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: { قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا ... }الْآيَةَ.
- الثّمرة الثّانية: معرفة الله كما يجب:
بمعرفة القرب الإلهيّ العام والخاصّ، وبالإيمان أنّ العام هو إحاطة علمه بجميع الأشياء، والخاصّ هو قربه من الدّاعين والعابدين والمحبّين، فمن فهم وعلم ذلك كلّه لم يفهم ما فهمه أهل الحلول والاتّحاد، والزّيغ والإلحاد، الذين قالوا إنّ الله حلّ في مخلوقاته - تعالى الله عمّا يقولون علوّا كبيرا -.
- الثّمرة الثّالثة: مناجاة الله تعالى:
فمن الثّمرات العظيمة مناجاة الله في الخلوات، وخاصّة في الصّلاة، فإنّ المسلم عليه أن يستحضر أنّ الله قريب من عبده ودعواه، ويسمع نجواه وشكواه، فيُكثر من الدّعاء في صلاته، روى مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم قَالَ: (( أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ وَهُوَ سَاجِدٌ فَأَكْثِرُوا الدُّعَاءَ )).
كما أنّ على العبد أن يُحسِن الوقوف بين يدي ربّه في صلاته، روى النّسائي عن أَبِي ذَرّ رضي الله عنه قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (( لَا يَزَالُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مُقْبِلًا عَلَى الْعَبْدِ فِي صَلَاتِهِ مَا لَمْ يَلْتَفِتْ فَإِذَا صَرَفَ وَجْهَهُ انْصَرَفَ عَنْهُ )).
- الثّمرة الرّابعة:ترك رفع الصّوت بالدّعاء:
من ثمرات معرفة اسم الله ( القريب ) عدم رفع الصّوت بالدّعاء وقراءة القرآن إلاّ فيما استثناه الشّرع.
روى أبو داود وغيره عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: اعْتَكَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَسْجِدِ فَسَمِعَهُمْ يَجْهَرُونَ بِالْقِرَاءَةِ فَكَشَفَ السِّتْرَ وَقَالَ: (( أَلَا إِنَّ كُلَّكُمْ مُنَاجٍ رَبَّهُ فَلَا يُؤْذِيَنَّ بَعْضُكُمْ بَعْضًا وَلَا يَرْفَعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الْقِرَاءَةِ )).
- الثّمرة الخامسة: إدراك معاني الأسماء الحُسنى الأخرى:
فمن أهمّ ثمرات فهم معنى هذا الاسم الكريم، هو الوصول إلى فهم معاني الأسماء الحسنى الأخرى، ومنها: الرّقيب، والشّهيد، وهو ما سوف نتطرّق إليه في الحلقة القابلة إن شاء الله تعالى.
والحمد لله ربّ العالمين.