[رواه التّرمذي، وابن ماجه، وابن حبّان في "صحيحه"، والبيهقيّ] ولفظ ابن ماجه:
(( مَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يَمُوتَ بِالْمَدِينَةِ فَلْيَفْعَلْ، فَإِنِّي أَشْهَدُ لِمَنْ مَاتَ بِهَا )).
وفي رواية للبيهقيّ: قال رسول الله صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
(( مَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يَمُوتَ بِالْمَدِينَةِ فَلْيَمُتْ، فَإِنَّهُ مَنْ مَاتَ بِالمَدِينَةِ شَفَعْتُ لَهُ يَوْمَ القِيَامَةِ )).
1194-وَعَنِ الصُّمَيْتَةِ - امْرَأَةٌ مِنْ بَنِي لَيْثٍ[1] رضي الله عنها- أَنَّهَا سَمِعَتْ رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:
(( مَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ لاَ يَمُوتَ إِلاَّ بِالْمَدِينَةِ فَلْيَمُتْ بِهَا، فَإِنَّهُ مَنْ يَمُتْ بِهَا يُشْفَعْ لَهُ، أَوْ يُشْهَدْ لَهُ )).
[رواه ابن حبان في "صحيحه"، والبيهقيّ].
1195-وفي رواية للبيهقيّ أَنَّهَا سَمِعَتْ رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:
(( مَنْ اسْتَطَاعَ أَنْ يَمُوتَ بِالمَدِينَةِ فَلْيَمُتْ، فَمَنْ مَاتَ بِالمَدِينَةِ كُنْتُ لَهُ شَفِيعًا أَوْ شَهِيدًا )).
1196-وَعَنْ سُبَيعَةَ الأَسْلَمِيَّةِ رضي الله عنها أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
(( مَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يَمُوتَ بِالمَدِينَةِ فَلْيَمُتْ، فَإِنَّهُ لاَ يَمُوتُ بِهَا أَحَدٌ إِلاَّ كُنْتُ لَهُ شَفِيعًا أَوْ شَهِيدًا يَوْمَ القِيَامَةِ )).
[رواه الطّبراني في "الكبير"، ورواته محتجّ بهم في "الصّحيح"، إلاّ عبدَ الله بن عكرمة، روى عنه جماعة، ولم يخرجه أحد، وقال البيهقيّ: "هو خطأ، وإنّما هو عن صُمَيْتَة " كما تقدّم.
5- الفضل الخامس: أنّها أمان من الدجّال، والطّاعون.
* الحديث الثّاني عشـر:
1197-وَعَنِ امْرَأَةٍ يَتِيمَةٍ كَانَتْ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ ثَقِيفٍ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
(( مَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يَمُوتَ بِالمَدِينَةِ فَلْيَمُتْ، فَإِنَّهُ مَنْ مَاتَ بِهَا كُنْتُ لَهُ شَهِيدًا أَوْ شَفِيعًا يَوْمَ القِيَامَةِ )).
[رواه الطّبراني في "الكبير" بإسناد حسن].
( قال المملي ) الحافظ رحمه الله:
" وقد صحّ من غير طريق عن النبيّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
(( إِنَّ الوَبَـاءَ وَالدَّجَّـالَ لاَ يَدْخُـلاَنِـهَا )). اختصرت ذلك لشهرته ".
· الشّـرح:
فإنّ المدينة النّبويّة – حرسها الله – لجليل حرمتها، وعظيم بركتها، جعلها الله عزّ وجلّ عصمةً من أمرين عظيمين:
أ) جعلها الله عصمة من فتنة الأهوال، وأكبر أئمّة الضّلال: المسيح الدجّال.
فقد روى مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم قَالَ:
(( يَأْتِي الْمَسِيحُ مِنْ قِبَلِ الْمَشْرِقِ، هِمَّتُهُ الْمَدِينَةُ، حَتَّى يَنْزِلَ دُبُرَ أُحُدٍ، ثُمَّ تَصْرِفُ الْمَلَائِكَةُ وَجْهَهُ قِبَلَ الشَّامِ، وَهُنَالِكَ يَهْلِكُ )).
وفي الصّحيحين عن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صلّى الله عليه وسلّم قَالَ:
(( لَيْسَ مِنْ بَلَدٍ إِلَّا سَيَطَؤُهُ الدَّجَّالُ، إِلَّا مَكَّةَ وَالْمَدِينَةَ، لَيْسَ لَهُ مِنْ نِقَابِهَا نَقْبٌ إِلَّا عَلَيْهِ الْمَلَائِكَةُ صَافِّينَ يَحْرُسُونَهَا، ثُمَّ تَرْجُفُ الْمَدِينَةُ بِأَهْلِهَا ثَلَاثَ رَجَفَاتٍ، فَيُخْرِجُ اللَّهُ كُلَّ كَافِرٍ وَمُنَافِقٍ )).
ب) وجعل الله المدينة عِصمةً وأمانا من الطّاعون.
فقد روى البخاري ومسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم:
(( عَلَى أَنْقَابِ الْمَدِينَةِ مَلَائِكَةٌ، لَا يَدْخُلُهَا الطَّاعُونُ وَلَا الدَّجَّالُ )).
والطّاعون هو الوباء العام الّذي يصيب النّاس، وقد جعله الله عذابا للفاسقين وشهادة للصّالحين، روى الإمام أحمد عَنْ أَبِي مُوسَى رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم: (( فَنَاءُ أُمَّتِي بِالطَّعْنِ وَالطَّاعُونِ )) فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ! هَذَا الطَّعْنُ قَدْ عَرَفْنَاهُ، فَمَا الطَّاعُونُ؟ قَالَ: (( وَخْزُ أَعْدَائِكُمْ مِنْ الْجِنِّ وَفِي كُلٍّ شُهَدَاءُ )).
قال العلماء: وفي منع الملائكة للطّاعون حفظا للأبدان، وفي منعها للدجّال حفظا للأديان.
6- الفضل السّادس: أنّها أرض مباركة.
* الحديث الثّالث عشـر:
1198-وَعَنْ أَبِي قَتَادَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَضَّأَ، ثُمَّ صَلَّى بِأَرْضِ سَعْدٍ بِأَصْلِ الْحَرَّةِ، عِنْدَ بُيُوتِ السُّقْيَا ثُمَّ قَالَ:
(( [اللَّهُمَّ] إِنَّ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلَكَ وَعَبْدَكَ وَنَبِيَّكَ دَعَاكَ لِأَهْلِ مَكَّةَ، وَأَنَا مُحَمَّدٌ عَبْدُكَ وَنَبِيُّكَ وَرَسُولُكَ أَدْعُوكَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ مِثْلَ مَا دَعَاكَ بِهِ إِبْرَاهِيمُ لِمَكَّةَ، نَدْعُوكَ أَنْ تُبَارِكَ لَهُمْ فِي صَاعِهِمْ وَمُدِّهِمْ وَثِمَارِهِمْ، اللَّهُمَّ حَبِّبْ إِلَيْنَا الْمَدِينَةَ، كَمَا حَبَّبْتَ إِلَيْنَا مَكَّةَ، وَاجْعَلْ مَا بِهَا مِنْ وَبَاءٍ بِـ(خُـمٍّ)، اللَّهُمَّ إِنِّي قَدْ حَرَّمْتُ مَا بَيْنَ لَابَتَيْهَا كَمَا حَرَّمْتَ عَلَى لِسَانِ إِبْرَاهِيمَ الْحَرَمَ )).
[رواه أحمد، ورجال إسناده رجال الصّحيح].
· شرح الحديث:
- قوله: ( وَاجْعَلْ مَا بِهَا مِنْ وَبَاءٍ بِخُـمٍّ ): سيأتي – إن شاء الله – في الحديث التّالي بيان شدّة حمّى المدينة.
- أمّا ( خمّ ) فقال المصنّف إنّها:- بضم الخاء المعجمة وتشديد الميم -: اسم غيضة بين الحرمين، قريبا من الجُحْفة، لا يولد بها أحدٌ فيعيش إلى أن يحتلم، إلاّ أن يرتحل عنها لشدّة ما بها من الوباء والحمّى بدعوة النبيّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأظنّ غدير ( خمّ ) مضافا إليها.
*الحديث الرّابع عشـر:
1199-وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ:
" كَانَ النَّاسُ إِذَا رَأَوْا أَوَّلَ الثَّمَرِ جَاءُوا بِهِ إِلَى النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِذَا أَخَذَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
(( اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي ثَمَرِنَا، وَبَارِكْ لَنَا فِي مَدِينَتِنَا، وَبَارِكْ لَنَا فِي صَاعِنَا وَمُدِّنَا، اللَّهُمَّ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ عَبْدُكَ وَخَلِيلُكَ وَنَبِيُّكَ، وَإِنِّي عَبْدُكَ وَنَبِيُّكَ، وَإِنَّهُ دَعَاكَ لِمَكَّةَ، وَإِنِّي أَدْعُوكَ لِلْمَدِينَةِ بِمِثْلِ مَا دَعَاكَ لِمَكَّةَ وَمِثْلِهِ مَعَهُ )).
قَالَ: ثُمَّ يَدْعُو أَصْغَرَ وَلِيدٍ يَرَاهُ فَيُعْطِيهِ ذَلِكَ الثَّمَرَ ".
[رواه مسلم وغيره].
· شرح الحديث:
- قوله: ( في صاعنا ومدِّنا ) يريد في طعامنا المكيل بالصّاع والمدّ، ومعناه: أنّه دعا لهم بالبركة في أقواتهم جميعا.
- قوله: ( ثُمَّ يَدْعُو أَصْغَرَ وَلِيدٍ يَرَاهُ فَيُعْطِيهِ ذَلِكَ الثَّمَرَ ): فيه سنّية البدء بإعطاء الجديد من الطّعام للطّفل.
وخصّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الصّغير، لكونه أرغبَ فيه، وأكثرَ تطلعاً إليه، ويفرحَ ما لا يفرح به الكبير.
- ومن فوائد الحديث:
أنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم دعا الله تبارك وتعالى أن يبارك في المدينة ضِعْفَي ما بارك في مكّة، ليُعلّمنا صلّى الله عليه وسلّم أنّ وطن المسلم لا حيث يولد جسده وينمو بنانه، ولكن حيث يصحّ إسلامه ويسلم إيمانه.
والله تعالى أعلى وأعلم.
[1] في " صحيح التّرغيب والتّرهيب ": ( امرأة محمّد بني ليث )، ولا شكّ أنّه خطأ مطبعيّ، والتّصويب من "صحيح ابن حبّان"، و"تاريخ ابن معين".