الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أمّا بعد: وعليكم السّلام ورحمة الله وبركاته.
أوّلا: فإنّ الأحاديث الواهيات، والأخبار الموضوعات، كانت ولا تزال تحتلّ حيّزا كبيرا من المجالس والحلقات، والكتب والمصنّفات، ولا شكّ أنّها ازدادت ذيوعا، وتعاظمت شيوعا بانتشار وسائل الإعلام والاتّصال.
فعلى المسلم الحذر كلّ الحذر وهو يتصفّح المواقع والمنتديات، فليس كلّ ما يلمع ذهبا.
ثانيا: أمّا القصّة المذكورة في السّؤال، فلا أصل لها في شيء من الكتب المعتمدة.
وإنّما جرى ذكرها قديما - وأُحْيِي ذكرُها حديثا - على ألسنة بعض المحاضرين ممّن ليس لهم عناية بالتّحقيق والتّدقيق في نقل الآثار.
ثالثا: الصّحيح الثّابت في السنّة أنّ جبير بن مطعم رضي الله عنه هو الّذي حرّض وحشيّا رضي الله عنه قبل إسلامهما على قتل حمزة رضي الله عنه، والحديث في صحيح البخاري، فلا ناقة لهندٍ رضي الله عنها في ذلك ولا جمل.
وإنّما انتشر بين النّاس نسبةُ ذلك إلى هندٍ رضي الله عنها، لأنّ النّاس صارت تستقِي معلوماتها عمّا يُسمّى بالأفلام الدّينيّة ! ولا بدّ أن نستحضِر أنّ مخرجَ فيلم " الرّسالة " كان خاضعاً لبعض التّنازلات للمجلس الشّيعي الأعلى بلبنان !
رابعا: الرّواية الّتي فيها ذكرُ أكلِ هندٍ رضي الله عنها كبدَ حمزة رضي الله عنه، إنّما جاءت من طرقٍ لا تصحّ، منها:
أ) ما رواه موسى بن عقبة: أنّ وحشياً بقرَ عن كبد حمزة، وحملها إلى هند بنت عتبة، فلاكَتْها، فلم تستطع أن تستسيغها.
وقد ذكره ابن كثير رحمه الله في "البداية والنّهاية" (4/43) دون إسناد، فهي باطلة.
ب) وروى ابن إسحاق أنّ هنداً هي الّتي بقرت عن كبد حمزة، وزاد: أنّ هنداً اتّخذت من آذان الرّجال و أنفهم خدماً ( أي خلاخل ) وقلائد، و أعطت خدمها وقلائدها وقرطتها وحشياً !
وإسناد هذه الرّواية منقطع لا يصحّ.
ج) وروى الواقدي أنّ وحشياً شقّ بطنَ حمزة، وأخرج كبدَه، وجاء بها إلى هند، فمضغتها ثمّ لفظتها [كما في "سبل الهدى والرّشاد" (4/321)].
ولا يخفى على طالب الحديث أنّ الواقدي متروك متّهم بالكذب !
الحاصل: أنّ إطلاق لقب " آكلة الأكباد " على هِندٍ رضي الله عنها لا أصل له، ولم يرد ذلك في كتب تراجم أهل السنّة, وإنّما ورد في أخبار الرّافضة قبّحهم الله، ككتابهم:" النّصائح الكافية "، و" كربلاء "، وغيرهما.
فالرّافضة لا همّ لهم إلاّ نسبة الفظائع إلى معاوية رضي الله عنه وابنه يزيد رحمه الله، فما أحرصَهم على أن يصوّروا يزيدَ على أنّه لا سبيل لديه إلاّ إرسال الجيوش لمعاتبة وقعت بين رجلين بسبب قطعة أرض !
والله تعالى أعلم، وأعزّ وأكرم، وهو الهادي للّتي هي أقوم.