الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أمّا بعد:
فنسأل الله عزّ وجلّ الذي بين يديه مقاليد السّماوات والأرض: أن يفتح لك ولشباب المسلمين أبواب الخير، وأن يسدّ أمام وجوهم أبواب الفساد والضّير، إنّه وليّ ذلك ومولاه.
فاعلم - أخي الكريم - أنّ هذا حظّك وحظّ الكثيرين من البلاء. وكلّ امرئ مبتَلًى بما جرتْ به حكمة الله تعالى وقدرته.
فترى هذا مُبتَلًى بمرضٍ مُقعِد لا يقوَى على الحراك، تقوم والدته بنزع النّجاسة من جسده ..!
وذاك مبتَلًى بمرض ولدِه، وفلْذة كبده، فيراه أمامه كالزّهرة تذبل أمامه لا يقوَى على فعل شيء ..
وثالث مُبتلًى بالفقر المدقع فيرى والدته أو أختَه تعمل لتُحصّل لقمة العيش، ولا يقوَى على دفع ذلك ..
وآخر مبتلًى بفساد وانحراف أهله، فلا يقوَى على إصلاحهم ولا ردعِهم !
وأعظم مصِيبة على الإطلاق: أن يُصاب المرء في دينه، فتراه بعيدا كلّ البُعد عن الله .. فيخرج من الدّنيا ولم يذُق أعظم ما فيها: عبادة الله تعالى، والأنس بذكره.
فقد ابتُلِيت أخي الكريم بما أنت عليه، ولو فرّج الله عنك ذلك، ستُبتَلى بغيره .. نسأل الله عفوَه ومعافاته في الدّنيا والآخرة.
فأنصحُك - أخي الكريم - بما يلي:
1- قبل كلّ شيء، عليك بالإكثار من الدّعاء .. ولا تغفل عن كلمة (الإكثار) .. فتسألُ من بيدهِ الملكُ كلُّه، والخير كلُّه، والفضل كلُّه، وما تقرّب العبد إلى ربّه سبحانه بشيءٍ مثلِ الدّعاء.
فاسأله تعالى أن يُيسِّر لك أمرَك، ويَشرح للصّبر صدرك، وأن يرزُقك العيشَ الكفاف، وأن يُلهِمك العفّة والعفاف، وقد كان النبيّ صلّى الله عليه وسلّم يسأل الله قائلا: (( اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْهُدَى وَالتُّقَى، وَالْعَفَافَ وَالْغِنَى )) [رواه مسلم].
ب) أن تتّخذ الأسباب، ولو كان السّبب يبدو صعباً أو محالاً، فإنّ الله تعالى قد خاطب امرأةً ! في أضعف حالاتها: وقت المخاض ! يقول لها:{وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا}.
ولو اجتمع عشرة من الرّجال ما استطاعوا هزّ النّخلة، فضلا عن أن يُسقِطوا منها رطَبَةً واحدة ! ولكنّ الله أراد أن يُعلّمنا اتّخاذ الأسباب:
توكَّل على الرَّحمن في كلِّ حاجةٍ *** ولا تؤثرنّ العجز يوماً على الطّلبْ
ألـم تـر أنّ الله قـال لمريـم *** إليك فهزِّي الجذعَ يسَّاقطِ الرُّطبْ
ولو شاء أن تجنيه من غير هزِّهـا *** جَنَـتْه، ولكن كلُّ شيءٍ له سببْ
فإذا كنت لا تُطِيق الصّبر إلى هذا الحدّ الّذي وصفت، فتوكّل على الله تعالى، وعِشْ مع أهلك إذا كانوا لا يُمانِعون في ذلك.
وإنّك تخْشَى من المشكلات، وهي أمرٌ حتْمِيّ لا خيار لك أمامها. وعليك أن تتجاوزها، وتلك هي سنّة الحياة.
إنّما ننصحُ الشّاب الّذي يريد الزّواج بألاّ يعِيش مع أهله، إذا كان بمقدوره ذلك، أمّا أنت فغير قادر.
ج) ولا تغفل عن نصيحة أعظم ناصحٍ، فقد قال صلّى الله عليه وسلّم بعدما حثّ الشّباب القادر على الزّواج: (( وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ، فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ )).
وإنّ الصّوم نافعٌ جدّا، بشرط ألاّ يهدِمه بعد فطرِه بالإكثار من المأكولات، وخاصّة المكسّرات والحَلْويَات، فإنّه حينها لا ينتفع الشابّ بصومه لدرء الفتنة. يقول الغزاليّ رحمه الله في "الإحياء":
" وكيف يُستفادُ من الصّوم قهرُ عدوِّ الله، وكسرُ الشّهوة، إذا تدارك الصّائم عند فطره ما فاته ضحوةَ نهارِه ؟! وربّما يزيد عليه في ألوان الطّعام ؟!"اهـ
والله الموفّق لا ربّ سواه.