فما كان في صورة نقص، أو تلف، أو تشوّه، فهو ضروري، أو حاجيّ بالنسبة لدواعيه الموجبة لفعله. وإنّما يُعدّ تجميليّا بالنّظر إلى آثاره ونتائجه.
والعيوب الّتي توجد في الجسم على قسمين:
أ) القسم الأوّل: عيوب خلقية:
وهي عيوب ناشئة في الجسم من سبب فيه، لا من سبب خارج عنه، كالعيوب الخِلقيّة الّتي يُولد بها الإنسان، والعيوب النّاشئة من الآفات المرضيّة الّتي تصيب الجسم، كالشقّ في الشّفة العليا " الشفة المفلوجة "، والتصاق أصابع اليدين أو الرّجلين ... الخ.
ب) القسم الثّاني: عيوب مكتسبة:
وهي العيوب النّاشئة بسبب من خارج الجسم، كالعيوب والتشوّهات النّاشئة من الحوادث والحروق.
موقف الشريعة من هذه الجراحة:
فممّا لا شكّ فيه لدى أهل الاختصاص: أنّ هذه العيوب تضرّ الإنسان حسّا ومعنًى، وعليه فإنّه يُشرع للمصابين بهذه العيوب إزالتُها بالجراحة اللاّزمة.
وهذا لا يدخل تحت تغيير خلق الله تعالى المنهيّ عنه؛ وذلك لما يأتي:
- أوّلا: أن هذا النّوع من الجراحة وجدت فيه الحاجة الموجبة للتّغيير، فأوجبت استثناءه من النّصوص الموجبة للتّحريم.
- ثانيا: أنّ هذا النّوع لا يُقصد به تغيير الخلقة، بل إزالة الضّرر، والتّجميل والحسن جاء تبعا.
- ثالثا: إنّ إزالة التشوّهات تدخل ضمن العلاج والتداوي.
- رابعا: أنّه ثبت في السنّة الدّليل على الجواز، فقد روى التّرمذي وأبو داود والنّسائي عن عَرْفَجَةَ بنِ أَسْعَدَ رضي الله عنه قال:
أُصِيبَ أَنْفِي يَوْمَ الْكُلَابِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَاتَّخَذْتُ أَنْفًا مِنْ وَرِقٍ [أي: من فضّة]، فَأَنْتَنَ عَلَيَّ، فَأَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم: ((أَنْ أَتَّخِذَ أَنْفًا مِنْ ذَهَبٍ)).
قال التّرمذي رحمه الله:" وقد روى غيرُ واحد من أهل العلمِ أنّهم شدّوا أسنانهم بالذّهبِ، وفي الحديث حجّة لهم ".
ووجه الدّلالة من وجهين:
الأوّل: أنّه أباح له اتّخاذ أنف.
والثاني: أنّه من ذهب، الّذي حرّم على الرّجال.
وما ذكره التّرمذي ثابت عن الصّحابة، مثل عثمان، وأنس، وعمرو بن العاص، وعبد الله بن عبد الله بن أبيّ بن سلول رضي الله عنهم.
وبه أفتى الزّهري رحمه الله، وعليه جميع الفقهاء، كما في "المغني" (2/325)، و"المجموع" لشيخ الإسلام ابن تيمية (21/81)، وقد قال النّووي رحمه الله في شرح حديث: (( المُتَفَلِّجَاتِ لِلْحُسْنِ )):
" وفيه إشارة إلى أنّ الحرام هو المفعول لطلب الحسن، أمّا لو احتاجت إليه لعلاج، أو عيب في السنّ ونحوه، فلا بأس ".
وبناء على ما سبق ذكره، فإنّه لا حرج على الطّبيب ولا على المريض في فعل هذا النّوع من الجراحة والإذن به، ويُعدّ جوازَ إزالة العيوب الخلقية في هذا النوع مبنيّا على وجود الحاجة الدّاعية إلى فعله.
وأمّا العيوب الحادثة بسبب الحروق والحوادث ونحوها، فإنّه يجوز إزالتُها دون الشّرط المذكور؛ لأنّ الأصل هو: جواز مداواة الحروق، والجروح.
2- النّوع الثّاني: جراحة التجميل التحسينية:
وهي جراحة تحسين المظهر، وتجديد الشّباب، وتنقسم إلى نوعين:
أ) النوع الأول:
عمليات الشّكل، كتجميل الأنف بتصغيره، وتجميل الذّقن، وتجميل الثّديين والبطن، وغير ذلك.
ت) النّوع الثّاني:
فإنّه يُجرَى لكبار السنّ، ويقصد منه إزالة آثار الكبر والشّيخوخة، كتجميل الوجه بشدّ تجاعيده، ونحو ذلك.
موقف الشريعة من هذه الجراحة:
هذا النّوع من الجراحة لا يشتمل على دوافع ضرورية، ولا حاجيّة، بل غاية ما فيه تغيير خلقة الله، والعبث بها حسب أهواء الناس وشهواتهم، فهو غير مشروع، ومحرّم فعله، وذلك لما يأتي:
- أولا: لقوله تعالى حكاية عن إبليس:{وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللهِ}.
- ثانيا: لحديث عبدالله بن مسعود رضي الله عنه: (( لَعَنَ اللهُ المُتَنَمِّصَاتِ وَالمُتَفَلِّجَاتِ لِلْحُسْنِ )).
- ثالثا: القياس، فجراحة التجميل التّحسينية محرّمة كالوشم والنمص، والجامع بينها كلّها: تغيير الخلقة طلبا للحسن والجمال.
- رابعا: أن هذه الجراحة تتضمن في عدد من صورها الغشّ والتّدليس، وهو محرّم شرعا.
- خامسا: أن هذه الجراحة لا يتمّ فعلُها إلاّ بارتكاب بعض المحظورات من غير ضرورة، ومن تلك المحظورات التّخدير، وكشف العورات.
- سادسا: أنّ هذه الجراحة لا تخلو من الأضرار والمضاعفات الّتي تنشأ عنها؛ ففي جراحة تجميل الثديين بتكبيرهما عن طريق حقن مادّة السّليكون أو الهرمونات الجنسيّة يؤدّي ذلك إلى حدوث أخطار كثيرة، إضافة إلى قلّة نجاحها.
وأختم هذا البحث بفتوى الشّيخ محمّد بن صالح بن عثيمين رحمه الله، فقد سئل:
س: ما الحكم في إجراء عمليات التجميل ؟ وما حكم تعلّم علم التجميل ؟ فقال رحمه الله:
" الجواب: التجميل نوعان:
تجميل لإزالة العيب الناتج عن حادث أو غيره .. وهذا لا بأس به ولا حرج فيه؛ لأنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم أذن لرجل قُطِعت أنفُه في الحرب أن يتّخذ أنفا من ذهب ...
والنّوع الثاني: هو التجميل الزّائد، وهو ليس من أجل إزالة العيب، بل لزيادة الحسن، وهو محرّم لا يجوز؛ لأنّ الرّسول صلّى الله عليه وسلّم (لعن النّامصة والمتنمّصة، والواصلة والمستوصلة، والواشمة والمستوشمة)؛ لما في ذلك من إحداث التّجميل الكمالي الّذي ليس لإزالة العيب ".
[" فتاوى إسلاميّة " (4/412)].
والله أعلم وأعزّ وأكرم.