اللّقاء الأوّل.
الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أمّا بعد:
بعد الحمد والثّناء والسّلام، وبعد تقدمة طيّبة من الشّيخ محمّد حسّان حفظه المولى عزّ وجلّ:
- الشّيخ محمّد صلاح: إنّ القارئ والتّالِي لكتاب الله عزّ وجلّ ليعجب حينما يتحدّى المولى تبارك وتعالى العالم كلّه والخلقّ كلّه بقوله عزّ وجلّ:{يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (8) هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (9)} [الصفّ].
لقد رأيت من الآيات العجيبة في قدرة الله عزّ وجلّ على نشر هذا الدّين، وعلى سماحة هذا الدّين، وتغلغله في قلوب غير المسلمين، حتّى إنّ ممّن أسلموا وممّن دخلوا في الدّين رغبةً وحبّا فيه أحدُ الّذين كانوا يُبغضونه أشدّ البغض.
ألا وهو ضيفنا أخي الحبيب الشّيخ: يوسف أستس.
فلقد كان قِسّا قبل أن يسلم، وكذلك زوجته كانت مبشّرة، وكذلك والداه. فالشيخ نشأ نشأة لاهوتيّة، وأمضى جلّ حياته قبل أن يسلم مبغِضاً للإسلام والمسلمين، ولم يتخيّل يوما ما أن يجمعه لقاء بأحد المسلمين، ويجتمع معه في نفس المجلس، لكن سبحان الله عزّ وجلّ الّذي إذا أراد شيئا إنّما أمره أن يقول له: كن، فيكون.
كان في يوم من الأيام قسّا، وهو الآن من أعظم الدّعاة إلى الله عزّ وجلّ، يجوب أقطار الدّنيا، ويُسلم على يديه الآلاف، بل عشرات الآلاف، ولا يتوقّف عن الدّعوة مادام لديه نفس يتنفّسه.
أريد أن أسأل فضيلة الشّيخ والأخ الحبيب يوسف استس بناءً على هذا الاجتماع المبارك، بينما نأخذ اتّصالاتكم ورسائلكم، فلنتعرّف عليه أوّلا.
يا شيخ، اذكر لنا قصّة إسلامك مختصرة جدّا، لأنّ هذه القصّة يجب أن تفرد لها حلقة كاملة، ولكن أنا أتوقّع أن نستقبل اتصالات كثيرة، ... فأودّ أن أترك بعض الوقت للمشاهدين ليستمتعوا بمحادثة الشيخ أيضا، لذلك طلبت منه أن يلخّص لنا في عجالة قصّة إسلامه.
- الشّيخ يوسف إستس: قصّة إسلامي حقّا عجيبة ! فالله عزّ وجلّ أراد لي أن ألتقي بشخص، وهذا الشّخص هو رجل أعمال مصري وليس داعية، ولكن - كما هو معروف - كلّ مسلم معروف بالدّعوة إلى دين الله عزّ وجلّ.
التقى بوالدَيّ أوّلا ليتاجر معه بالتّجارة، فلمّا عرض عليّ والدي " جورج " أن أكون شريكا له رفضت ! وقلت له: كيف لنا أن نشارك ( مُزْلمِْ )؟! كيف لي أن أضع يدي في يد رجل يعبد صندوقا أسود ! و يقبّل الأرض في اليوم خمس مرّات ! كيف لي أن أجالس رجلا هو إرهابي بالطّبع ؟!.
- الشّيخ محمّد صلاح: وكذا يسمّي الأجانب المسلمين (مُزْلمِْ).
- الشّيخ يوسف إستس: لمّا ضغط عليّ والدي أن ألتقي على الأقلّ بهذا المصري المسلم الذي ينوي والدي مشاركته، قلت: بشرط-وقَبِل والدي بهذه الشّروط- أن ألتقي به يوم الأحد بعد ذهابي إلى الكنيسة، وأن آتي مرتَدِياً صليبا كبيرا على ظهري، وأنا أحمل الإنجيل، وأنا أرتدي قبّعة كُتب عليها " عيسى هو الرّب "!.
لمّا وافق أبي على هذه الشّروط، كنت رسمت في مخيّلتي أنّ هذا الشّخص المسلم يرتدي عمامة كبيرة ومعه سيف ! ويلبس عباءة، وقد رسمت في رأسي أنّ هذا الشّخص يشبه مثلاً الخميني !
- الشّيخ محمّد صلاح: ثمّ ?
- الشّيخ يوسف إستس: لمّا التقيت لأوّل مرّة هذا المسلم، وجدت أنّه إنسان عادي، يلبس كما يلبس كلّ إنسان، وليس كما كنت أتصوّر أنّ على رأسه عمامة كبيرة و يحمل سيفا، بل كان على نقيض ذلك كان أصلع !
- الشّيخ محمّد صلاح: وبالمناسبة، إنّ هذه الأفكار ترسّخت في أذهان الغربيّين، ذات مرّة وأنا في اجتماع وأنا بشخصي ولحمي، سألتني امرأة: هل تأكلون بأيديكم الطّعام !؟ فتعجّبت، وقلت: لا بالطّبع، نأكل بأقدامنا، لأنّ السّؤال كان غريبا وعجيبا، و لكنّي وجدت فعلا أنّ هؤلاء يظنّون بنا كلّ الظّنون السّيّئة، على أقلّ تقدير أنّنا لسنا من جنس البشر ... ونترك الشّيخ يكمل.
- الشّيخ يوسف إستس: قابلته مقابلة المهاجم، و قلت له: مرحبا كيف الحال ? هل تؤمن بأنّ هناك إله ?
فقال الرّجل المصري بهدوء: نعم.
قلت: أنت تقول: إنّك تؤمن بإله، ولكنّك لا تؤمن بإله آدم.
فأجاب الرّجل: بلى، أؤمن بإله آدم.
قلت: هل تؤمن بسائر الأنبياء بموسى، بعيسى، بإبراهيم ...
فتعجّبت لمّا أجاب هذا الرّجل المصري وقال: نعم، ثمّ سألته: إن كنت تؤمن بهذا الإله و بهؤلاء الأنبياء فإنّك لا تؤمن بالإنجيل، أنت لا تؤمن بالعهد القديم، ولا بالعهد الجديد.
ولكن فاجأني هذا الرّجل المصري، وقال: بلى، أؤمن بهذا كلّه.
فعارضته، وقلت: إن كنت تؤمن بهذا كلّه، فإنّك لا تؤمن بعيسى عليه السّلام.
قال: بلى أؤمن به.
قلت: وهل تؤمن أنّه كلمة الله ? هل تؤمن بالإنجيل الذي جاء به عيسى عليه السّلام ?
قال: نعم أؤمن بذلك كلّه.
فازداد عجبي، قلت: حسنا، ولكن لا تؤمن أنّ عيسى عليه السّلام فعل المعجزات، واستطاع أن يُحْيِيَ الأموات، وأن يردّ للأعمى بصره، ويبرئ الأكمه ؟
فقال: بلى، نؤمن بهذا كلّه، وإنّه في القرآن، ونؤمن أنّ المسيح اسمه المسيح، وأنّه كلمة الله كما في القرآن.
كان هدفي الأسمى قبل ملاقاة هذا المصري المسلم - ولم يكن في خاطري أيّ هدف آخر - هو تحويل هذا الشّخص المسلم من الإسلام إلى النّصرانيّة، وأن أُعْطِيه طوق النّجاة.
كان لي قسّ صديق، وكان يحذّرني من محاولة الجلوس مع هذا الشّخص، ويقول: إن اقتربت منه سيمسّك مسّ من الجنّ فابتعد عنه !
- الشّيخ محمّد صلاح: الواضح أنّه كانت لديهم فكرة سيّئة عن المسلمين، حتّى أنّهم كانوا يخافون مجرّد الجلوس معهم.
- الشّيخ يوسف إستس: أعطاني محمّد نسخة من ترجمة معاني القرآن بالانجليزيّة.
- الشّيخ محمّد صلاح – يقاطعه –: ما اسمه ?
- الشّيخ يوسف إستس: محمّد عبد الرّحمن، وقال لي صديقي: لا تلمسه ولا تقربه. وقبل أن ألمس هذه النّسخة قمت ببعض الصّلوات التّي كنت أؤمن بها من أجل حمايتي من شرّ هذا الكتاب كما كنت أعتقد.
- الشّيخ محمّد صلاح: والله - يا إخوتي - مع أنّني سمعت هذه القصّة مرارا وتكرارا، وأعرف الشّيخ و سافرت معه، وحضرنا مؤتمراتٍ، ولقاءاتٍ معا، ولكن في كلّ مرّة أسمع فيها هذه القصّة يقشعرّ بدني، وأشعر بعظمة هذا الدّين، وأشعر بقوّته، وأنّ الله عزّ وجلّ ناصِرٌ جندَه، وأنّ الله عزّ وجلّ ناشرٌ دينَه، فاصبروا واثبتوا وأمّلوا.
بالمناسبة - الإخوة والأخوات المسلمين وغير المسلمين على حدّ سواء - في الطّريق سألت الشّيخ عن عدد من أسلموا على يديه، وأنا أعلن أنّهم ألوف مؤلَّفة، ففي جلسة واحدة، وفي لقاء واحد أشْهَرَ 135 شخصا إسلامهم بعدما انتهى الشّيخ من محاضرته.
على يد هذا الرّجل الفاضل أسلم الآلاف، وبفضل الله عزّ وجلّ هذا كلّه يصبّ في ميزان حسناته، ويصبّ في ميزان حسنات هذا الشّخص العادي جدّا، الشّخص المصري الذّي خرج للتّجارة، ولكنّ سلوكه وعقيدته الصّحيحة أدّت بهذا الرّجل الذّي كان في يوم من الأيّام قسّا يبغض الإسلام وأهله، إلاّ أنّه الآن لا يحبّ شيئا أكثر من حبّه للإسلام والمسلمين، ويحبّ أن يلقى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في جنّة الرّضوان.
- الشّيخ محمّد صلاح – يلتفت إلى الشّيخ إستس-: أسلمت سنة 1991، كم كان عمرك حين أسلمت ؟ وكم عمرك الآن ؟
- الشّيخ يوسف إستس: أنا عمري الآن 17 عاما، وهي الأعوام التّي قضيتها في الإسلام، قبل أن أسلم لم أكن موجودا، و هذا ما قاله النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، بالإسلام أكون قد وُلدت من جديد.
- الشّيخ محمّد صلاح: يا لها من كلمات رائعة خرجت من قلب صادق !
- الشّيخ يوسف إستس: أنا عمري 17 سنة فقط، وأنا أبحث عن زوجة، حيث أنّ زوجتي في أمريكا.
- الشّيخ محمّد صلاح: الشّيخ أيضا فكاهي جدّا، ويمكن أن يجعلك تبكي وتبتسم كلّ هذا في نفس المحاضرة، وإن كنتَ غيرَ مسلم فأَبْشِر، ما إن ينتهي الشّيخ من محاضرته سوف تجد الإسلام يغزو قلبك بالكلمة لا بالسّيف.
- الشّيخ يوسف إستس: أوّل ما قرأت في كتاب الله عزّ وجلّ قرأت معاني سورة الفاتحة أمّ الكتاب، والتّي لفتت انتباهي واستوقفتني، وكان أكثر ما أثّر فِيَّ قولُه تعالى:{ اِهْدِنَا الصِّرَاطَ المُسْتَقِيمَ }.
- الشّيخ محمّد صلاح: هذه السّورة نقرأها على الأقلّ 17 مرّة في اليوم، ولكن ما إن قرأها هذا القس مرّة واحدة استوقفه قوله تعالى: {اِهْدِنَا الصِّرَاطَ المُسْتَقِيمَ}.
- الشّيخ يوسف إستس: الله هداني، وكان نتاج قوله تعالى:{اِهْدِنَا الصِّرَاطَ المُسْتَقِيمَ}.
- الشّيخ محمّد صلاح: كم عدد من أسلم على يديك ؟
- الشّيخ يوسف إستس: لم أعد أتذكّر، كنت أعدّ عندما كانوا بالمئات، أمّا الآن فالعدد ما شاء الله يفوق الحصر.
- الشّيخ محمّد صلاح: نحن مع داعية فريد ... نستكمل معه إن شاء الله.
- الشّيخ يوسف إستس: تأثير هذه الآية مع نصيحة صديقي القس أنّي إن قرأت في هذا القرآن تصيبني اللّعنة و يمسّني الشيطان، وأصيـر مسحورا، جعلتني أغلق الكتاب.
كان كلّ هدفي أن أحوّل هذا الشّخص المسلم الذي جاء للتّجارة إلى النّصرانيّة، وأتعجّب حين أذكر القصّة، لم أكن وحدي أنوي تحويل محمّد عبد الرحمن إلى النّصرانيّة حتّى أنجيه من النّار، لقد التحق بنا في البيت قسّ آخر كاثوليكي، وأنا كنت قسّا بروستانتيّا، وكذلك أبي وأمّي كانا يعملان بالتّبشير، وزوجتي كذلك، فكنّا خمسة بالبيت، وكان هدفنا الأسمى أن نحوّل محمّد عبد الرحمن إلى النّصرانيّة.
رأيت عجبا من هذا الرّجل، لم يكن داعية، ولا شيخا، ولا عالما، ولكن كان أمينا، وكان مواظبا على صلواته، وكان يصوم، وكان أمينا في تجارته، ممّا دعاني أنا ومن معي أن نعمل جاهدين على تحويل هذا الرّجل. هذا الرّجل فيه كلّ الصّفات الطّيّبة، وينقصه شيء واحد: أن يكون نصرانيّا.
اتّفقنا جميعا أن نأتي بالإنجيل في المساء، وننفرد بمحمّد عبد الرّحمن، ونقنعه بديننا، حتّى يتنصّر ويبتعد عن الإسلام.
- الشّيخ محمّد صلاح: ثمّ كانت المفاجأة التّي سنعرفها بعد حين.
- الشّيخ يوسف إستس: قبل أن نبدأ الحملة على محمّد عبد الرّحمن فوجئنا بمهزلة، كلّ واحد منّا أتى بالإنجيل الخاص به و الذّي يختلف كلّيّة عن الأناجيل الأخرى، فأنا كان معي نسخة " كينغ جيمس "، وزوجتي كانت تقدّس وتحترم وتحتفظ بنسخة عن القس "جيمي سواجرت"، فكان الجدال بيننا: أيُّ إنجيل سوف نستخدمه لعرضه على محمّد عبد الرّحمن ؟!
- الشّيخ محمّد صلاح: وهذا القس " جيمي سواجرت " معروف في أوساط الدّعاة وطلبة العلم، لأنّ هذا الرّجل هو الذّي جادله وحاجّه الشيخ "أحمد ديدات" عليه رحمة الله، وهزمه في غير موضع هزيمة منكرة.
- الشّيخ يوسف إستس: سألته إن كنّا نحن خمس أفراد ومعنا على الأقلّ خمس نسخ مختلفة للإنجيل، فكم نسخةً لديكم من القرآن ؟
- الشّيخ محمّد صلاح: طبعا يقصد كم نسخة ؟ ليست نسخة من نفس الطّبع ولكن روايات مختلفة، وقصص وسور مختلفة.
- الشّيخ يوسف إستس: فكانت الإجابة التّي صدمتنا أنّ القرآن من المشرق إلى المغرب ومن الهند إلى باكستان، إلى كلّ الدّول العربيّة، إلى كلّ المسلمين أنّ لديهم نسخةً واحدة، ليس فيها تحريف على الإطلاق، ولا حتّى في حرف واحد.
خسرنا الجولة الأولى، وغيّرنا رأينا، وقلنا: إذاً نناقش أمرا آخر، نناقش الألوهيّة. ما هو الإله ؟
و لكن محمّد عبد الرّحمن بدأ هذه المرّة بالسّؤال، وقال: قبل أن أجيبكم أريد أن أسأل سؤالا واحدا: ما معنى عقيدة التّثليث ؟ ما معنى أنّ الله واحد في ثلاثة ؟ أو ثلاثة في واحد ؟
حاولنا تفسير ذلك بعدّة أمثلة كلّها لم تكن منطقيّة. ضربنا له مثالا: أنّ عقيدة التّثليث هي العقيدة الصّحيحة، انظر إلى التّفّاحة، لها قشر أحمر، ولها قلب أبيض، وفيها بذور، وهي تفّاحة واحدة، ولكنّها تحتوي على ذلك كلّه.
فسألني: إذاً كم فيها من بذرة ؟ - وهو يشير إليّ بذلك - إذاً عندكم أكثر من إله، وليس إلها واحدا كما تدّعون.
ثمّ ضربنا له مثالا آخرا عن الثّالوث، قلنا: البيضة لها قشرة، ثمّ بياض، ثمّ صفار، وهكذا ثلاثة في واحد.
فأجاب عبد الرّحمن: وكيف الحال إذا كان بالبيضة الواحدة أكثر من صفار كصفارين، إذاً في هذه الحالة البيضة لها أربعة أجزاء، إذاً الإله أربعة، وليس ثلاثة.
وضربنا له أمثلة عديدة جدّا، ولم نكُن مقتنعين من الدّاخل بهذه الأمثلة، وفي الأخير لمّا يئسنا قلنا له: أخبرنا عن حقيقة إلهك.
قال: أعوذ بالله من الشّيطان الرّجيم، بسم الله الرّحمن الرّحيم:{ قُُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ (2) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ (4)}، ثمّ أعطانا معاني هذه السورة العظيمة.
وهنا، بدأ الإسلام يدبّ، وبدأت عقيدة التّوحيد تدبّ في قلوب الحضور.
وهنا يأتي التّحدّي، حيث قال محمّد عبد الرّحمن: نحن في ديننا وعقيدتنا نؤمن بالدّليل، ونؤمن بالمنطق، وبالعقل، وبالسّند الصّحيح، فإن كان لديكم من الدّليل والبرهان ما يبرهن على صحّة عقيدتكم، إذاً أنا معكم. وهنا قلت: إذاً انتصرنا.
أردت إقناعه فقلت: النّصرانيّة دين سهل، لا ينبغي عليك أن تصلّي، ولا أن تصوم، ولا ينبغي عليك أن تحجّ، ولا ينبغي عليك حتّى أن تكون حسن الخلق مادمت أنّك قلت إنّ عيسى هو الرّب، وكلّ ذنوبك سوف تغفر وسوف تنجو يوم الدّين.
هنا قال محمّد عبد الرّحمن: كلّ هذا جميل، ولكن - كما وعدت - سوف أتحوّل لدينك إذا أمكنك إثبات صحّة ما تدّعيه.
قلت: هذا دين، لا ينبغي أن يكون هناك دليل، ولا منطق ولا عقل.
فأجاب محمّد: لا، في ديننا لا بدّ أن يكون هناك دليل يؤكّد صحّة الدّعوة.
قلت: هل ممكن أن تثبت لي بقولك هذا أنّ هناك إلهً واحداً هو إلهكم ؟
قال: وهل تعني بقولك، أنّك بالرّغم من كونك قسّا لا يمكنك أن تثبت وجود الإله ؟
وكنت في غاية الشّوق لمعرفة الأدلّة التّي مع محمّد عبد الرّحمن على وجود الله، وعلى وحدانيّته. وبدأ يلين قلبي، ومع ذلك كنت متردّدا، فلا يمكن أن أتخيّل أبدا بعدما كنت أريد تحويل محمّد عبد الرّحمن إلى النّصرانيّة أتحوّل أنا إلى ( الإزلام ).
- الشّيخ محمّد صلاح: ما زال الشّيخ يردّد كلمة ( مزلم ) و( إزلام ) لأنّ هذه الكلمة كان يكرّرها الغرب، ويكرّرها غير المسلمين. لمّا نسافر للغرب نحاول أن نتكلّم لغتهم فنتكلّم عن الإسلام والمسلمين بنفس هذه الطّريقة الخاطئة.
- الشّيخ يوسف إستس: كان معنا قسّ كاثوليكي آخر، وكان أجرأ منّا جميعا، وطلب من محمّد عبد الرّحمن أن يصطحبه إلى أقرب مركز إسلاميّ ليذهب إليه ويتعرّف على المسلمين عن قرب، خاصّة وأنّه درس اللاّهوت من قبل.
وذهب هذا القس مع محمّد إلى المركز الإسلامي، ولمّا عاد في المساء اجتمعت الأسرة كلّها حوله، وسألناه: ماذا وجدت في هذا المسجد؟ هل وجدتهم يصنعون القنابل ؟ هل هم يذبحون الحيوانات ؟ هل هم ...؟ وهل هم ...؟ كلّ ما كان يدور في خلدنا عن الإسلام بدأنا نسأل عنه هذا القس.
قال: لا. ببساطة رأيت أناسا يصطفّون في سلام وفي مودّة ووئام، يصلّون ثمّ يركعون، ثمّ يسجدون، ثمّ ما إن انتهوا من الصّلاة انصرفوا جميعا بمنتهى البساطة.
وسألته: أيّ موسيقى كانوا يستعملونها في العبادة وفي الصّلاة ؟ فأجاب بالنّفي: لم يكن هناك أيّ نوع من الموسيقى.
قلت: كيف يعبدون الله من دون موسيقى ؟
- الشّيخ محمّد صلاح: بالمناسبة كان الشّيخ عازفا بارعا، وقد تاب ولله الحمد، وكان يجمع ملايين الدّولارات من هذه البضاعة، والحمد لله الذّي هداه لهذا.
- الشّيخ يوسف إستس: مرّة أخرى وحيدة، ذهب هذا القس الكاثوليكي مع محمّد إلى المركز الإسلامي وفي المساء عاد، ولكن عاد بوجه غير الذي ذهب به، عاد مرتديا ثوبا أبيضا وطاقيّة بيضاء، فكان ردّ فعلي أن قلت له: هل أسلمت، و كنت فزعا.
وهنا قال: أشهد أن لا إله إلاّ الله، وأشهد أنّ محمّدا عبده ورسوله.
وكان هذا القسّ الكاثوليكي أوّل الخمسة الذّي سبقنا إلى الإسلام، فهرعت إلى الطّابق الأعلى أين كانت زوجتي بانتظاري و قلت لها:
لا بدّ أنّ هذا الدّين قويّ وعجيب ! لقد أسلم صديقنا القسّ الكاثوليكي !
وبدلا من تأخذ وترد معي في الكلام كانت كلماتها قصيرة، وقالت: أريد الطّلاق، أنا تابعت كلّ هذا من البداية، وعلمت أنّه لا يمكن أن تظلّ مسلمة في عصمة كافر، وأنا الآن أريد الطّلاق لأنّي أسلمت !
ظننت أنّها كانت خائفة أن أكون أنا قد أسلمت، ولكنّي كنت مخطئا في ظنّي، وأخذت أشرح لها أنّه لا بأس، حتّى لو أسلمتُ يستطيع المسلم أن يتزوّج من كتابيّة.
قالت: هذا بالتّحديد ما أقصده لقد أسلمتُ، ولا يمكن أن أظلّ في عصمتك !
قلت لها: وأنا أيضا أريد أن أسلم، أنا مستعدّ وجاهز لأن أكون مسلما الآن.
وهنا نشب بيننا خلاف، نحن الزّوجين المتحابّين الّذين اتّفقنا على نشر النّصرانيّة. وعندما صارحتها أنّي أريد أن أكون مسلما.
قالت: أنت كذّاب. قلت: ولم ؟.
قالت: إمّا أن تكون كذّابا من الآن، أو أن تكون كذبت عليّ منذ خمس دقائق ماضية أنّك أردت أن تكون مسلما. ولعلّك تريد أن تكون مسلما حتّى تبقى زوجا لي، وإمّا أن تكون قد كذبت منذ خمس دقائق حين أدّعيت أنّك لن تكون مسلما أبدا.
وطردتني خارج الغرفة.
وتذكّرت أنّه منزلي، وقلت: كيف أُطرَد خارج منزلي ومنزل والدي ؟!.
ونزلت إلى الدّور السّفلي، حيث أيقظت محمّدا، هذا الضّيف المصريّ الذّي أثار كلّ هذه المشاكل، وأسلم على يديه القس الكاثوليكي وزوجتي، وقلت: امش معي إلى الخارج. وتمشّينا حتّى الصّباح.
صارحته في كلّ هذا الوقت بكلّ ما أشعر به اتّجاه الإسلام والمسلمين، وكلّ ما أعرفه اتّجاه المسلمين.
فأجاب: أنّ المسألة لم تعد بيني وبينك، أو بينك وبين زوجتك، ولا بينك وبين أبيك، ولكن المسألة الآن بينك وبين ربّك !
وأرشدني محمّد عبد الرّحمن إلى أوّل خطوة على طريق الهداية، أن أتحدّث مع الله عزّ وجلّ، ورأيت في كلام الرّجل الصّدق، لأنّه لم يرد بذلك أن يبيع لي بضاعة أو غير ذلك. وهذا بالفعل ما فعلته.
بعدما سمعت جدّا لكلمات محمّد، ذهبت أقلّده، فركعت، وسجدت، ووضعت جبهتي وأنفي على الأرض، وبدأت أسأل الله عزّ وجلّ:
اللّهم اهدني، اللّهم اهدني، كنت واثقا من أنّ الله تعالى يستقبل دعائي، وسوف يهديني إلى سواء الصّراط.
وأشهرت إسلامي، وكنت ثاني شخص يشهر إسلامه، وما هي إلاّ دقائق ونزلت زوجتي ترتدي حجابا غطّت به عورتها، وشهدت أن لا إله إلاّ الله، وأنّ محمّدا رسول الله.
ثمّ جاء أبي " جورج ادوارد " ليُشهِر إسلامَه، وحتّى زوجة أبي - وكان عمرها 85 سنة -، قالت لي: أعلم أن لا إله إلا الله وأنّ عيسى ما هو إلاّ عبد لله، وتوفّيت بعد ذلك.
أنا لم يكن لي أيّ إخوة أشقّاء، ولا إخوة غير أشقّاء، ولكن منذ أن أسلمت صار لديّ مليار و نصف أخ وأخت من أمّة محمّد صلّى الله عليه وسلّم الذّين هم يمشون الآن على وجه الأرض.
- الشّيخ محمّد صلاح: كيف شعورك بعد أن أسلمت مقارنة بشعورك قبل الإسلام ؟
- الشّيخ يوسف إستس: المسألة ليست مجرّد النّطق بالشّهادتين فحسب، ولكن هذه الكلمات لها ما بعدها:
من يشهد لله بالوحدانيّة لا بدّ أن يستعدّ للاختبار، يقول تعالى في مطلع سورة العنكبوت:{الم (1) أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ}.
فالحقيقة: أنّ كلّ مؤمن مبتلًى، وأعظم ابتلاء في حياتي كان في العام الأوّل من إسلامي، سواء من الحوادث التّي حدثت على يد المسلمين، أو ما كنت أراه من تجارب حيث كنت جديدا في هذا الدّين، وتحوّلي هذا لم يكن تحوّلا سهلا قط خاصّة في مجتمع متعصّب.
- الشّيخ محمّد صلاح: لعلّي أستطيع أن أقنع الشّيخ وذلك ببركة دعائكم أيضا بلقاء آخر، حيث يمكن أن يستفيض في الحديث عن تجاربه بعد أن أسلم.
- الشّيخ يوسف إستس: أودّ أن تكون هناك سلسلة أحكي فيها عن تجاربي مع كثير ممّن أسلموا وتحوّلوا من ديانات أخرى إلى الإسلام، وما مرّوا به من اختبارات، وأذكر على سبيل المثال: قصّة شخص حُكم عليه بالإعدام، وأسلم قبل أن يموت، والتقى بي، وقال: أنا لا أمانع الموت، بل أتقبّله بكلّ صبر، لأنّي سأموت على عقيدة التّوحيد.
- الشّيخ محمّد صلاح: قبل أن نغادر وقبل أن يسرقنا الوقت، هناك سؤال يجب أن نسأله للشّيخ، وأظنّه أفضل من يجيب عن هذا السّؤال.
التّصريحات المتتالية للفاتيكان والبابا: أنّ الإسلام والمسلمون ينتشرون بقوّة وبسرعة شديدة ولا بدّ من إيقافه، ولا بدّ من إيقاف هذا المدّ. ألا ترى أنّ هذا اعتراف ضمني على من يدّعي أنّ الإسلام انتشر بحدّ السّيف ؟
- الشّيخ يوسف إستس: نعم، لديك حقّ، هذه النّقطة مثيرة للدّهشة، أنا كنت أعمل على مدار عقود داعيا مرخّصا له للدّخول إلى السّجون والجيش الأمريكي، وأقول عن خبرة: إنّه في حرب الخليج الأولى أسلم 25 ألف جندي أمريكيّ، مع أنّهم كانوا غزاة.
حال الأمّة الآن من أضعف ما كانت عليه، فكيف ينتشر الإسلام بالسّيف وبالقوّة ؟!، كيف يكون الإسلام أكثر انتشارا ويغزو غير المسلمين في عقر دارهم ؟ لا بدّ أن يكون هذا بالكلمة. عندما كنت أخاطب غير المسلمين في السّجن أو في غيره، كانت تتأثّر قلوبهم بمجرّد سماعهم عن الإسلام حتّى لو لم يسلموا، ولكّنهم يتّفقون معي.
هكذا أردتُ أن أثير هذه النّقطة، إلى من يعتلون منابر الفتنة ويردّدون أنّ الإسلام انتشر بالسّيف وغيره. و مع ذلك نسمع اليوم مخاوف الغرب أنّ الإسلام ينتشر في الغرب بسرعة البرق، وكالنّار في الهشيم، و يحذّرون كما كانوا يحذّروني أنّني إن قرأت القرآن سيمسّني مسّ من الجنّ.
- الشّيخ محمّد صلاح: إن شاء الله نأخذ اتّصالا من ... السّلام عليكم.
المتّصـل: وعليكم السّلام ورحمة الله وبركاته، نحن نرحّب بالشّيخ يوسف، ونطلب من الشّيخ محمّد حسّان أن يعمل هذه القصّة على شكل فيلم وثائقي، ويُذاع في أكثر من محطّة تلفزيونيّة.
- الشّيخ محمّد صلاح – يقول للشيخ يوسف -: هو يقترح أن تكون قصّة إسلامك على شكل شريط سينمائيّ.
- الشّيخ يوسف إستس: امممم ... سيغار منّي ديكابريو إذاً.
- الشّيخ محمّد صلاح: كما أخبرتكم، الشّيخ ما شاء الله، يخلط في حديثه دائما بين المزاح والعبارات المؤثّرة، وهكذا، فالحضور لا يملّ أبدا من سماع حديثه، جزاه الله خيرا وحفظه.
وحقيقة، الشّيخ يجوب العالم دون أن يملّ ولا يكلّ، ولا يطيل في البلد الواحد أكثر من أيام، فإن شاء الله نبذل ما في وسعنا لأنّنا نعلم أنّه لدينا رسالة لا بدّ أن نبلّغها للجمهور، وأنا حرصت بعدما عرض عليّ الشيخ محمّد حسّان أن يعرف إخواننا في الدّول العربيّة أنّ هذا الدّين هو الحقّ و هو الصّدق، وأنّه ينتشر مصداقا لقول النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم كما في صحيح مسلم عن ثوبان رضي الله عنه:
(( لَيَبْلُغَنَّ هَذَا الأَمْرُ مَا بَلَغَ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ، وَلاَ يَتْرُكُ اللهُ بَيْتَ مَدَرٍ وَلاَ وَبَرٍ إِلاَّ أَدْخَلَهُ هَذَا الدِّينَ، بعِزِّ عَزِيزٍ، أَوْ بِذُلِّ ذَلِيلٍ، عِزّاً يُعِزُّ اللهُ بِهِ الإِسْلاَمَ، وَذُلاًّ يُذِلُّ اللهُ بِهِ الكُفْرَ ))، وكما يقول تعالى:{هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ} .
وأردت أن أشارك مع أحبتي في الله، وإخواني من جمهور المشاهدين عظمة الإسلام وعظمة انتشاره بالدّفع الذّاتي، دين الله ينتشر بإرادة الله، ولنا الشّرف أن نكون دعاة.
وإن كان هناك سؤال نختم به، فنسأل الشّيخ أن يوجّه نصيحة لنا كعرب مسلمين في الشّرق الأوسط، ماذا يمكن أن نفعل لنخدم دين الله و أن نقوم بدورنا كدعاة ؟
- الشّيخ يوسف إستس: أوّلا: لا ينبغي أن يضع أيّ إنسان شخصاً مهما كان قدوةً له غير رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فيوسف ما هو إلا مقلّد للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، إذاً فلنقلّد جميعا القدوة العظيم محمّد صلّى الله عليه وسلّم، قال تعالى:{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ}.
ثانيا: أكثر ما أعجبني في هذا الرّجل البسيط محمّد عبد الرّحمن لم يكن كلامه، بقدر ما كان فعله والتزامه بالسّنّة والآداب والأخلاق والمعاملة، فقد كان شخصا أمينا، صادقا، وفيّا، وكان يقدّم دينه على كلّ شيء، على التّجارة و على العمل، وكان حين يأتي وقت الصّلاة يترك كلّ شيء ويتوجّه للصّلاة، فسلوك المسلم أفضل طريق لدعوة غير المسلمين.
وأدعوكم أن تقوموا جميعا في اللّيل وتبتهلوا لله عزّ وجلّ، وترفعوا إليه أكفّ التّضرع، واسألوه أن يهديكم في من هدى ويتولّاكم في من تولّى.
- الشّيخ محمّد صلاح: اللّهم اهدنا فيمن هديت، وتولّنا في من تولّيت، اللّهمّ إنّا نسألك الهداية والهدى، والتّوفيق و السّداد والغنى، سبحانك اللّهم وبحمدك، نشهد أن لا إله إلاّ أنت، نستغفرك ونتوب إليك، وصلّ اللّهم وسلّم على سدنا محمّد وعلى آله وصحبه أجمعين. الشّيخ يوسف، بارك الله فيك وجزاك الله خيرا.
- الشّيخ يوسف إستس: جزاك الله خير، وجزاكم الله خيرا إخواني أخواتي في كلّ مكان أحبّكم في الله.
- الشّيخ محمّد صلاح: بارك الله فيكم وحفظكم الله، وتقبّل الله منّا و منكم، كما أودّ أن أشكر الإخوة المشاهدين والمشاهدات، بارك الله فيكم، وتقبّل مّنا ومنكم، واعتزّوا بدينكم، وافخروا بأنّكم أتباع خير دين، دين الله عزّ وجلّ، ولا أنسى أن أتقدّم بخالص الشّكر للشّيخ محمّد حسّان أن أتاح لنا هذه الفرصة، جزاك الله خيرا، وحفظك الله وبارك فيك، والصّلاة والسّلام على رسول الله، إلى الملتقى في لقاء قريب إن شاء الله.