وقد سألت أحدَهم يوما قائلا: لم تخرج معها ؟ قال: زوجتي ! ثمّ تحدّثنا قليلا، ثمّ سألته قائلا: لماذا لا تنفق عليها ؟ فقال: هي ليست زوجتي !
- الثّاني: أنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: (( فَرْقُ مَا بَيْنَ النِّكَاحِ وَالسِّفَاحِ الضَّرْبُ بِالدُّفِّ ))، والسّفاح هو الزّنا.
وفي رواية الإمام أحمد عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حَاطِبٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم: (( فَصْلُ مَا بَيْنَ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ الصَّوْتُ وَضَرْبُ الدُّفِّ )).
كأنّه يقول لك: إذا أردت أن تفرّق بين العلاقة الشّرعيّة وغير الشّرعيّة فأَعْلِن النّكاح.
فالّذي يكتفي بمجرّد العقد ثمّ يخلو بالمرأة أو يخرج معها فهو مخالف لهدي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.
- الثّالث: المفاسد الّتي صارت تترتّب من وراء التّساهل في هذا الأمر، وإليك بعضها:
1- انشغال البال، فإنّ أكثر من تجاوز الحدّ، وتحدّث إلى من عقد عليها – فضلا عن الخروج معها- يُقسِم أنّه ما عاد كما كان ! فهجر القرآن ! ومجالس ذكر الرّحمن ! همّه الأوحد هو الكلام .. والخروج .. ونحو ذلك.
2- وطء الرّجل للمرأة قبل موعد زفافها، ممّا أحدث مشكلات عدّة.
3- قد يعلق الولد، ثمّ يحدث فسخ ولا يشكّ عاقل في مغبّة ذلك !
4- حتّى ولو لم يُفسخ العقد، فإنّ النّاس تجهل أكثر أحكام الشّريعة، فالعامّة لا يفرّقون بين الخِطبة والعقد (الفاتحة)، فلربّما شاع لديهم أنّه يجوز أن يخرج الخطيب مع خطيبته !
5- نتيجة الخلاف بينهما: فالرّجل إذا زُفّت إليه المرأة، وعاشت تحت كنفِه في بيته، ثمّ حدث بينهما سوء تفاهم أو خصامٌ فإنّه سيكون من الصّعب جدّا فراقها. لأنّه قطع شوطا طويلا في بناء بيته، ثمّ أقام عرسا، وأنفق الأموال الطّائلة، وسمع بزواجه الجماهير الهائلة.
أمّا لو حدث أدنى خلافٍ بينهما قبل الزّفاف، فإنّ الفسخ يسهُل عليهما جدّا. وبهذا نكون قد فتحنا بابا واسعاً للشّيطان الرّجيم الّذي همّه الأعظم أن يفرّق بين المرء وزوجه. فلا بدّ من تضييق مجال الشّيطان في ذلك.
6- أنّه لو حدث فسحٌ، لعاد ذلك بأفحش عاقبةٍ على الفتاة خاصّة، فغالبا لا يتقدّم لخِطبتها أحد، لأنّهم رأوها تخرج وتتحدّث إلى ذلكم العاقد عليها.
7- أنّه عند الفسخ لا تحدُث الفرقة بين العاقدين فحسب، بل بين الأسرتين كليهما ! وبذلك نكون قد فسحنا المجال أيضا للشّيطان ليُفرّق بين جماعتين، لا مجرّد فردين !
8- من المقرّر أنّ مجرّد الخلوة بين المتعاقدين يثبت به المهر كاملا وتجب العدّة على القول الصّحيح من أقوال أهل العلم، وهو مذهب الخلفاء الأربعة، وأجزم أنّ هذا يجهله الكثيرون.
9- السّآمة الّتي تلجُ القلوب والصّدور: فإنّ من جمال الحياة الزّوجيّة أن يكتشف كلّ منهما الآخر تحت ظلال العشرة الحسنة، ففي كلّ يوم تكتشف المرأة خلقا أو طبعا لم ترَهُ من قبل، وهكذا الأمر بالنّسبة إليه تجاهها، وهذا باب عظيم من أبواب السّعادة الزّوجيّة.
أمّا لو تحدّث بعضهما إلى بعض قبل ذلك، فيكونان قد حرما أنفسهما من تلكم المرحلة الطيّبة في الحياة.
10- صار العقد لعبة ومطيّة لذئاب البشر، فيعقد متى شاء على من شاء، ثمّ يفسخ، وهكذا صارت أعراض المسلمات وسمعتهنّ تستباح باسم العــقــد الشّــرعــيّ !.
وقد سمّى الله تعالى عقد الزّواج بالميثاق الغليظ، فهل مجرّد الجلسة الّتي يعقدها النّاس اليوم تُسمّى ميثاقا غليظا ؟!
وغير ذلك من المفاسد الّتي صار النّاس يتخبّطون فيها ويطرحونها علينا، فلا نجد ما نقول لهم إلاّ ما قاله القائل:" يداك أوكتا وفوك نفخ ".
وسدّ الذّرائع مطلب شرعيّ، ولا بدّ من الأخذ به، فننصح إخواننا وأخواتنا ألاّ يسترسلوا في ذلك، إن كان ولا بدّ فإنّ له أن يزور أهل زوجته الّتي عقد عليها، ويتحدّث إليها مع محرم، حتّى نسدّ الباب أمام كلّ من في قلبه مرض.
أقول: إن كان ولا بدّ، بمعنى الضّرورة والحاجة، وإلاّ فالأمثل أن يصبِر إلى موعد الزّفاف.
وهناك رسالة نافعة ماتعة في هذا الباب للشّيخ الفاضل الحبيب أبي سعيد بلعيد حفظه المولى، بعنوان:" تعديل المِزاج ببيان أخطاء خطبة والزّواج ".
والله الموفّق لا ربّ سواه.