(( وَلاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللهِ )).
ورواه في "الصّغير"، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه فجمع بين اللّفظين، فقال:
(( وَمُنْجِيَاتٌ وَمُجَنَّبَاتٌ )).
وإسناده جيّد قويّ.
الشّرح:
- قوله صلّى الله عليه وسلّم: ( جُنَّتَكم ): الجُنّة - بضمّ الجيم وتشديد النّون – هي: السِّتر والوقاية، أي: خذوا ما يستركم ويقيكم؛ لأنّ المؤمن في حربٍ مع الشّيطان وهوى النّفس الّذين يقودان إلى النّار.
ومنه " المِجنّ " للدّرع من الحديد يلبسه المقاتل؛ لأنّه يستره من ضربات السّيف.
فذكر الله عزّ وجلّ ساتِر واقٍ من الوقوع في الشّهوات، ومن أهوال يوم القيامة، ومن دخول النّار.
- ( مجنّبات ): هذا من أوصاف الجيش، قال في "لسان العرب":" والمجنّبتان من الجيش: الميمنة والميسرة، والمجنّبة - بفتح النّون -: المقدّمة، ويقال: أرسلوا مجنّبتين: أي كتيبتين أخذتا ناحيتي الطّريق ".
فذكر الله تعالى يُجنِّب أي: يُباعد بين المسلم وما يعترض طريقَه إلى الله جلّ جلاله.
- وأمّا قوله صلّى الله عليه وسلّم: ( معقّبات )، فجمع معقّب، وهو كلّ ما جاء بعد ما قبله.
ومنه ما رواه مسلم عن كَعْبِ بنِ عُجْرَةَ رضي الله عنه عنْ رسولِ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم قالَ: (( مُعَقِّبَاتٌ لَا يَخِيبُ قَائِلُهُنَّ، أَوْ فَاعِلُهُنَّ، دُبُرَ كُلِّ صَلَاةٍ مَكْتُوبَةٍ: ثَلَاثٌ وَثَلَاثُونَ تَسْبِيحَةً، وَثَلَاثٌ وَثَلَاثُونَ تَحْمِيدَةً، وَأَرْبَعٌ وَثَلَاثُونَ تَكْبِيرَةً )).
وسمّيت هذه الأذكار في هذا الحديث بذلك؛ لأنّها تأتي خلف المؤمن لتحفظَه، كما قال تعالى عن الملائكة:{لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللهِ} [الرّعد: من الآية11].
الحديث 32:
وعنِ النُّعْمَانِ بنِ بشيرٍ رضي الله عنه قالَ: قالَ رسولُ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم:
(( إِنَّ مِمَّا تَذْكُرُونَ مِنْ جَلاَلِ اللهِ: التَّسْبِيحُ، وَالتَّهْلِيلُ، وَالتَّحْمِيدُ، يَنْعَطِفْنَ حَوْلَ العَرْشِ لَهُنَّ دَوِيٌّ كَدَوِيِّ النَّحْلِ، تُذَكِّرُ بِصَاحِبِهَا. أَمَا يُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَكُونَ لَهُ - أَوْ لَا يَزَالُ لَهُ - مَنْ يُذَكِّرُ بِهِ )).
[رواه ابن أبي الدّنيا، وابن ماجه - واللّفظ له -، والحاكم، وقال:" صحيح على شرط مسلم "].
الشّرح:
- في هذا الحديث أنّ هذه الأذكار من أفضل ما يُذكر به الله، ومن أفضل ما ُذكر به العبدُ عند الله تعالى، مصداقا لوعده سبحانه: (( فَإِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي، وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلَإٍ ذَكَرْتُهُ فِي مَلَإٍ خَيْرٍ مِنْهُمْ )).
فمن أراد أن يذكر عند ربّه على الدّوام فليُواظب عليها.
- وفيه أنّ هذه الأذكار من إجلال الله تعالى، أي: تعظيمه، فمن أتى بذكرٍ من عنده فهو يزعم أنّه يُجِلّ الله تعالى بأفضل ممّا أتى به الرّسول صلّى الله عليه وسلّم !