الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وعليكم السّلام ورحمة الله وبركاته، أمّا بعد:
فالأصل أنّ الصّدقة لا تحلّ لواجدٍ، فقد قال صلّى الله عليه وسلّم: (( لَا تَحِلُّ الصَّدَقَةُ لِغَنِيٍّ، وَلَا لِذِي مِرَّةٍ سَوِيٍّ )) [أخرجه أصحاب السّنن].
أمّا إذا التبس عليك الأمر، فعليك أن تعمل بما يغْلِب على ظنّك، ولا يُشترط اليقين في مثل هذا.
فإن لم تقُم القرائن على كذبه، فالأصل أنّه محتاج، وإن دلّت القرائن على كذبِه فلا يحلّ إعطاؤه.
وإن خدعك المحتال فلك أسوة في الرّجل الصّالح، الّذي حدّثنا عنه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؛ فقد روى البخاري ومسلم عن أبي هريرةَ رضي الله عنه أنَّ رسولَ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم قال:
(( قالَ رَجُلٌ: لَأَتَصَدَّقَنَّ بِصَدَقَةٍ. فَخَرَجَ بِصَدَقَتِهِ، فَوَضَعَهَا فِي يَدِ سَارِقٍ، فَأَصْبَحُوا يَتَحَدَّثُونَ: تُصُدِّقَ عَلَى سَارِقٍ !
فقالَ: اللَّهُمَّ لَكَ الحَمْدُ، لَأَتَصَدَّقَنَّ بِصَدَقَةٍ. فَخَرَجَ بِصَدَقَتِهِ، فَوَضَعَهَا فِي يَدَيْ زَانِيَةٍ، فَأَصْبَحُوا يَتَحَدَّثُونَ: تُصُدِّقَ اللّيْلَةَ عَلَى زَانِيَةٍ !
فقالَ: اللَّهُمَّ لَكَ الحَمْدُ عَلَى زَانِيَةٍ، لَأَتَصَدَّقَنَّ بِصَدَقَةٍ. فَخَرَجَ بِصَدَقَتِهِ، فَوَضَعَهَا فِي يَدَيْ غَنِيٍّ، فَأَصْبَحُوا يَتَحَدَّثُونَ: تُصُدِّقَ عَلَى غَنِيٍّ !
فقالَ: اللَّهُمَّ لَكَ الحَمْدُ عَلَى سَارِقٍ، وَعَلَى زَانِيَةٍ، وَعَلَى غَنِيٍّ.
فَأُتِيَ، فَقِيلَ لَهُ:
أَمَّا صَدَقَتُكَ فَقَدْ قُبِلَتْ، أمّا السَّارِقٍ: فَلَعَلَّهُ أَنْ يَسْتَعِفَّ عَنْ سَرِقَتِهِ، وَأَمَّا الزَّانِيَةُ: فَلَعَلَّهَا أَنْ تَسْتَعِفَّ عَنْ زِنَاهَا، وَأَمَّا الْغَنِيُّ: فَلَعَلَّهُ يَعْتَبِرُ فَيُنْفِقُ مِمَّا أَعْطَاهُ اللهُ )).
الشّاهد: أنّ الصّدقة تُقبَل بفضل الله إذا أخذت بما يغلب على ظنّك.
وفي الحديث: (( المُؤْمِنُ غِرٌّ كريمٌ ))، وقال عمر بن الخطّاب رضي الله عنه: من خَدَعَنا بالله انْخَدَعْنَا لَه.
والله تعالى أعلم.