" ويُسنّ لقارئ القرآن أن يقول بعد الفراغ من الفاتحة بعد سكتة على نون ( ولاَ الضَّالِّينَ ): آمين، ليتميّز ما هو قرآن ممّا ليس بقرآن ".
3) حكمها:
قول الإمام القرطبيّ: " ويسنّ لقارئ القرآن .."، هو ما جرى عليه أكثر العلماء. فقالوا: إنّ التأمين سنّة، وهو مذهب ابن عمر، وابن الزّبير، والثّوري، وجماعة من الأئمّة كالشّافعي، وإسحاق، وأبي حنيفة، وأصحابه، والإمام أحمد.
واختار أهل الظّاهر الوجوب، للأمر بها.
4) وهل يقولها قارئ القرآن خارج الصّلاة ؟
جمهور العلماء على قولها، لظاهر بعض النّصوص الّتي ستأتي معنا إن شاء الله، فقد جاء الأمر بها مطلقا.
5) هل يُجهر بها ؟
يسنّ الجهر بـ( آمين ) في الصّلاة، خلافا لمن منع ذلك.
وإنّما ذهب بعضهم إلى المنع؛ لأنّ الأصل في الدّعاء الإسرار، وهذا حقّ، لكن يُستثنى هذا الموضع للأدلّة الكثيرة:
- روى التّرمذي عن وائل بن حجر أنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم ( كَانَ يَمُدُّ بِهَا صَوْتَهُ ).
- ما سيأتي معنا أنّ اليهود ما حسدت المسلمين كما حسدتهم على التّأمين.
- ما رواه البخاري تعليقا ووصله عبد الرزّاق عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: ( لاَ تَفُتْنِي بِـ"آمِينَ ")، فدلّ على أنّه سمعها من المأموم.
- ما رواه البخاري أيضا تعليقا أنّ ( ابْنَ الزُّبَيْر صَلَّى بِالنَّاسِ فِي المَسْجِدِ، فَجَهَرَ بِآمِينَ، فسُمِعَ لِلْمَسْجِدِ رَجَّةٌ ).
6) اللّغات في ( آمين ):
حكى العلماء في ( آمين ) لغتين: المدّ والقصر:
- فالمدّ على وزن " ياسين ".
- والقصر على وزن " يمين ".
7) من أخطاء النّاس في التّأمين:
- تشديد الميم.
- المدّ بأكثر من حركتين.
- أنّ المأمومين يقولون: آمين، فور قول الإمام: ولا الضّالين، والسنّة ألاّ يسبقوا الإمام بها، لنهي النبيّ صلّى الله عليه وسلّم عن مسابقة الإمام، وكما قال أبو هريرة: ( لا تفُتْنِي بِآمين ).
وعليه، فإنّه لا بدّ من أن ينتظروا الإمام يقولها، أو على الأقلّ حتّى يقارب من الانتهاء من قول آمين، حينئذ يشرع المأموم في قولها.
8) ما جاء في فضل التّأمين.
- أنّه سبب لإجابة الدّعاء:
فقد جاء في صحيح مسلم عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ رضي الله عنه قالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم خَطَبَنَا، فَبَيَّنَ لَنَا سُنَّتَنَا، وَعَلَّمَنَا صَلَاتَنَا، فَقَالَ:
(( إِذَا صَلَّيْتُمْ فَأَقِيمُوا صُفُوفَكُمْ ثُمَّ لْيَؤُمَّكُمْ أَحَدُكُمْ فَإِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا وَإِذا قَالَ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ فَقُولُوا آمِينَ يُجِبْكُمْ اللَّهُ )).
- أنّه سبب لمغفرة الذّنوب:
لما رواه البخاري ومسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم قَالَ:
(( إِذَا قَالَ أَحَدُكُمْ آمِينَ وَقَالَتْ الْمَلَائِكَةُ فِي السَّمَاءِ آمِينَ فَوَافَقَتْ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ )).
- أنّه فضل يُحسدنا عليه اليهود:
فقد روى ابن ماجه والبخاري في " الأدب المفرد " عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها عَنْ النَّبِيِّ صلّى الله عليه وسلّم قَالَ: (( مَا حَسَدَتْكُمْ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ مَا حَسَدَتْكُمْ عَلَى السَّلَامِ وَالتَّأْمِينِ )).
9) المؤمّن داعٍ أيضا.
قال الله تعالى:{وَقَالَ مُوسَى رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالاً فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ (88) قَالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا وَلا تَتَّبِعَانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ (89)}.
فنلحظ أنّ الدّعاء كان من موسى وحده، ولكنّ تمام الآية يدلّ على أنّ هارون كان يؤمّن فنزل منزلة الدّاعي.
وبذلك استدلّ فريق من أهل العلم أنّ الفاتحة لا يقرؤها المأموم؛ لأنّه نزل منزلة القارئ.
وبهذا نأتي على نهاية تفسير سورة الفاتحة، نسأل الله أن يفتح لنا ولسائر المسلمين بالخير والبركات، إنّه وليّ ذلك، والقادر عليه.
والله تعالى أعلم وأعزّ وأكرم.