ونظيره: تسمية التّداوي والرّقى أنّها من قدر الله، ومنه قول عمر رضي الله عنه: ( نفرّ من قدر الله إلى قدر الله )، فمن كان يخشى شيئا يقدّر عليه فليكثر من الدّعاء.
الثّاني: أنّ اللّفظ على حقيقته، وأراد بردّ القضاء: تهوينَه وتيسيرَ الأمر، حتىّ كأنّه لم ينزل.
ويؤيّد ذلك الحديث الآخر الّذي رواه التّرمذي أيضا عن ابن عمرَ رضي الله عنه قالَ: قال رسول اللهِ صلّى الله عليه وسلّم:
(( إِنَّ الدُّعَاءَ يَنْفَعُ مِمَّا نَزَلَ، وَمِمَّا لَمْ يَنْزِلْ، فَعَلَيْكُمْ عِبَادَ اللَّهِ بِالدُّعَاءِ )).
لذلك قيل: الدّعاء كالتّرس، والبلاء كالسّهم، والقضاء أمر مبهم مقدّر في الأزل.
الجواب الثّالث: ما ذكره ابن تيمية رحمه الله أنّ المقدّر نوعان:
1- مقدّر لا يبدّل، وهو المكتوب في اللّوح المحفوظ، لا يطّلع عليه أحد من خلقه عزّ وجلّ.
2- ونوع هو مكتوب في صحف الملائكة، وتُعطاه الملائكة كلّ عام ليلة القدر، كما قال تعالى:{فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ}.
فإذا دعا العبد ربّه، أو وَصَل رحمه، خُفِّف القضاء أو مُحِي في صحف الملائكة، وبذلك يوافق في الأخير ما كتبه الله في اللّوح المحفوظ، وهذا معنى قوله تعالى:{ يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ } [الرعد:39].
[انظر:" مجموع الفتاوى " (14/488)].
ومنهم من يسمّي المكتوب في اللّوح المحفوظ ( القدر المبرَم )، والمكتوب في صحف الملائكة ( القضاء المعلّق ).
قال العلاّمة الطّيبي رحمه الله في شرح لقوله صلّى الله عليه وسلّم: (( وَلاَ يَزِيدُ فِي العُمُرِ إلاَّ البِرُّ )):
" اعلم أنّ الله تعالى إذا علم أنّ زيدا يموت سنة خمس مائة، استحال أن يموت قبلها أو بعدها، فاستحال أن تكون الآجال الّتي عليها علم الله تزيد أو تنقص، فتعيّن تأويل الزّيادة أنّها بالنّسبة إلى ملك الموت، أو غيره ... وعلى ما ذكر يحمل قوله عزّ وجلّ:{ثُمَّ قَضَى أَجَلاً وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ}، والحاصل أنّ القضاء المعلّق يتغيّر، وأمّا القضاء المبرم فلا يبدّل ولا يغيّر " اهـ.
والله تعالى أعلم وأعزّ وأكرم.