فكثير من النّاس نسُوا فضل هذه الأمّة: خير الأمم وأكرمها على الله عزّ وجلّ، الّتي قال الله تعالى في حقّها:{كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [آل عمران: من الآية110].
وأكّد النبيّ صلّى الله عليه وسلّم ذلك، فقد روى التّرمذي وابن ماجه بسند حسن عن عبدِ اللهِ بنِ عمْروٍ وأَبي هريرَة رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ صلّى الله عليه وسلّم قال: (( إِنَّكُمْ تَتِمُّونَ سَبْعِينَ أُمَّةً، أَنْتُمْ خَيْرُهَا وَأَكْرَمُهَا عَلَى اللَّهِ )).
ويظهر هذا الإكرام - كما قال المناوي رحمه الله - في أعمالهم وأخلاقهم وتوحيدهم ومنازلهم في الجنّة ومقامهم في الموقف وغير ذلك.
* فممّا فضّلوا به: قوّة الفهم، ودقّة النّظر، وحسن الاستنباط، فإنّهم أوتوا من ذلك ما لم ينله أحد ممّن قبلهم.
ألا ترى إلى بني إسرائيل كم عاينوا من الآيات الملجئة إلى العلم بالله الحكيم، وتصديق الكليم، كانفجار البحر، ونتق الجبل وغير ذلك، ثمّ اتّخذوا العجل، وقالوا:{لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللهَ جَهْرَةً} ؟!.
فعجباً لأمّة هي خير الأمم، وأكرم الأمم، يريد بعض أفرادها أن ينعقوا وراء عبّاد العجل !
* ومن خصائص هذه الأمة: أنّها أقلّ عملاً وأكثر أجراً:
يوضّحه ما رواه البخاري عن ابنِ عمرَ رضي الله عنهما عن النّبيِّ صلّى الله عليه وسلّم قال: (( مَثَلُكُمْ وَمَثَلُ أَهْلِ الْكِتَابَيْنِ: كَمَثَلِ رَجُلٍ اسْتَأْجَرَ أُجَرَاءَ، فَقَالَ: مَنْ يَعْمَلُ لِي مِنْ غُدْوَةَ إِلَى نِصْفِ النَّهَارِ عَلَى قِيرَاطٍ ؟ فَعَمِلَتْ الْيَهُودُ.
ثُمَّ قَالَ: مَنْ يَعْمَلُ لِي مِنْ نِصْفِ النَّهَارِ إِلَى صَلَاةِ الْعَصْرِ عَلَى قِيرَاطٍ ؟ فَعَمِلَتْ النَّصَارَى.
ثُمَّ قَالَ: مَنْ يَعْمَلُ لِي مِنْ الْعَصْرِ إِلَى أَنْ تَغِيبَ الشَّمْسُ عَلَى قِيرَاطَيْنِ ؟ فَأَنْتُمْ هُمْ.
فَغَضِبَتْ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى، فَقَالُوا: مَا لَنَا أَكْثَرَ عَمَلًا وَأَقَلَّ عَطَاءً ؟! قَالَ: هَلْ نَقَصْتُكُمْ مِنْ حَقِّكُمْ ؟ قَالُوا: لَا، قَالَ: فَذَلِكَ فَضْلِي أُوتِيهِ مَنْ أَشَاءُ )).
وتأمّل – أخي - ما شرعه الله لك من أنواع العبادات، وأنواع القربات تلمس هذا الفضل لمس اليد:
فـ: من قرأ حرفا من كتاب الله كان له به حسنة ..
ومن قال كذا فله كعدل رقبة ..
ومن قال كذا غفرت له ذنوبه ولو كانت مثل زبد البحر ..
وتأمّل ليلة القدر: العمل فيها أفضل من عبادة ألف شهر في سواها ...
وهذا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بعثه الله على رأس أربعين سنة من عمره، وقبضه وهو ابن ثلاث وستّين، وقد برز في هذه المدة الّتي هي ثلاث وعشرون سنة من العلوم النّافعة والأعمال الصّالحة ما لم يبرز على أيدي سائر الأنبياء قبله، حتّى نوح عليه السّلام الّذي لبث في قومه ألف سنة إلاّ خمسين عاماً، يدعوهم إلى عبادة الله وحده لا شريك له، ويعمل بطاعة الله ليلاً ونهاراً، صباحاً ومساءً، صلوات الله وسلامه عليه وعلى سائر الأنبياء أجمعين.
قال الله تعالى يذكّرنا بذلك:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (28) لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَلَّا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (29)} [الحديـد].
* ومن خصائص هذه الأمّة: أنّ الله يجعل الكفّار من اليهود والنّصارى فداءً للمسلم من النّار يوم القيامة:
فقد روى مسلم عن أبي موسى رضي الله عنه قال: قال رسولُ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم: (( إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ دَفَعَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلَى كُلِّ مُسْلِمٍ يَهُودِيًّا أَوْ نَصْرَانِيًّا فَيَقُولُ: هَذَا فِكَاكُكَ مِنْ النَّارِ )).
وفي صحيح مسلم عن أبي موسى أيضا رضي الله عنه عن النّبِيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: (( لَا يَمُوتُ رَجُلٌ مُسْلِمٌ إِلَّا أَدْخَلَ اللَّهُ مَكَانَهُ النَّارَ يَهُودِيًّا أَوْ نَصْرَانِيًّا )).
بعد هذا .. أليس من الغبن أن يتشبّه بعض المسلمين ويقلّدوا قوماً يجعلهم الله يوم القيامة حطب جهنّم ؟
أليس من الغبن أن يُوالِيَ من قال فيهم ربّ البريّة عزّ وجلّ:{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ} [البينة:6]. ولو أردنا أن نذكر خصائص هذه الأمّة وفضائلها لطال المقال، فهي:
أمّة الغيث .. وأمّة لا تجتمع على ضلالة .. وأمّة جعلهم الله شهداءه في الأرض في الدّنيا .. وهم الشهداء على الأمم يوم القيامة .. وهي أمّة السّبعين ألفٍ الّذين يدخلون الجنّة بلا حساب ولا عذاب .. وهم أوّل الأمم إجازة على الصّراط .. وهم أوّل الأمم دخولاً الجنّة .. وهم أكثر أهل الجنّة .. وهي أمّة السّلام والتّأمين .. هي أمّة جُعِلت لها الأرض مسجداً وطهوراً دون سائر الأمم .. وأمّة يأتون يوم القيامة غرّاً من السّجود محجّلين من آثار الوضوء .. وهي أمّة السّحور .. وهي أمّة الجمعة .. وهي أمّة جعل الله سياحتَها الجهاد في سبيل الله .. وهي أمّة أباح الله لها الغنائم دون سائر الأمم .. وهي أمّة تجاوز الله عن ما وسوست به صدورها ما لم تعمل أو تتكلّم .. وهي أمّة الإسناد .. وهي أمّة جعل الله مرض الطّاعون لها شهادة .. وهي أمّة وضع الله عنها الخطأ والنّسيان .. وهي أمّة خفّف الله عنها كثيراً من الآصار والأغلال الّتي كانت على الأمم السّابقة.
وغير ذلك من الخصائص الّتي ينبغي لنا أن نعيها، ونتذكّرها، وأن تعتزّ بها.
فلا عجب إذا جهل النّاس كلّ هذه الفضائل، وتجاهلوها، وغفلوا عنها أو تغافلوها أن يكون في قلوبهم حبّ وولاء للكفّار والمشركين.
2-السّبب الثّاني: جهل النّاس بالنّصوص في الولاء والبراء:
هذا ما جعل الولاء للمسلمين والبراء من الكافرين لا يزال يضعف في قلوب المسلمين: مع أنّ العلماء قرّروا أنّ أكثر النّصوص بعد نصوص التّوحيد هي نصوص الولاء والبراء ..
الولاء هو الحبّ وما يدلّ على الحبّ فهو خاصّ بالمؤمنين، والبراء هو البغض وما يدلّ على البغض وهو وواجب للكافرين.
قال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [المائدة:51].
وقال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقّ} [الممتحنة: من الآية1].
وقال عزّ وجلّ:{لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ} [آل عمران: من الآية28].
وقال جلّ جلاله:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَاناً مُبِيناً} [النساء:144].
وقال سبحانه:{لاَ تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْأِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [المجادلة:22]..
وغير ذلك من الآيات العظيمة..
والمؤسف حقّا أن يجهل المؤمنون هذه النّصوص ولا يستمسكوا بها، وأن يظنّوا الولاء للكفّار والتشبّه بالكفّار ذنبا صغيرا، فهان في قلوبنا هذا الواجب العظيم، فهُنّا على الرّحمن الرّحيم.
3-السّبب الثّالث: الشّعور بالانهزاميّة.
هذا الشّعور هو ما أورث في قلوب المسلمين عقدةَ نقص لا يزالون يعانون منها الأمرّين، وهو من الذلّ الّذي أوعدنا به الله على لسان رسوله صلّى الله عليه وسلّم، فقد روى البخاري تعليقا عن ابنِ عمرَ رضي الله عنه ووصله الإمام أحمد قال: قال رسولُ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم:
(( بُعِثْتُ بَيْنَ يَدَيْ السَّاعَةِ بِالسَّيْفِ حَتَّى يُعْبَدَ اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَجُعِلَ رِزْقِي تَحْتَ ظِلِّ رُمْحِي، وَجُعِلَ الذِّلَّةُ وَالصَّغَارُ عَلَى مَنْ خَالَفَ أَمْرِي، وَمَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ )).
ولذلك حدث التّقليد لهم، قال العلاّمة ابن خلدون رحمه الله:" وجرت سنّة الله أنّ المغلوب مولعٌ بتقليد الغالب ".
4- السّبب الرّابع: الجهل بالأحكام الشّرعيّة والنّصوص الكثيرة الواردة في النّهي عن التشبّه بالكافرين.
فقد نهانا الله ورسوله صلّى الله عليه وسلّم عن التشبّه بالكافرين فيما هو من خصائصهم، من العرش إلى الفرش، بدءا من أمور التّوحيد، إلى مسائل الطّهارة ..
* فنهانا عن بناء المساجد على القبور لأنّه من فعل اليهود والنّصارى .. فكان آخر عهده صلّى الله عليه وسلّم لهذه الأمّة: (( لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ )) يُحَذِّرُ مَا صَنَعُوا [متّفق عليه].
* وأجمع العلماء على تحريم إظهار شعائر دينهم كبناء الكنائس وإظهار الصّليب، وأخذوا ذلك من الحديث المتّفق عليه عن أبي هريرةَ رضي الله عنه قال: قال رسول اللهِ صلّى الله عليه وسلّم: (( وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَيُوشِكَنَّ أَنْ يَنْزِلَ فِيكُمْ ابْنُ مَرْيَمَ حَكَمًا مُقْسِطًا فَيَكْسِرَ الصَّلِيبَ وَيَقْتُلَ الْخِنْزِيرَ وَيَضَعَ الْجِزْيَةَ )).
* ونهانا عن التّحاكم لغير شريعته لأنّه من فعل اليهود والنّصارى، قال تعالى:{اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهاً وَاحِداً لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} [التوبة:31].
* ونهانا عن الصّلاة وقت طلوع الشّمس وغروبها لأنّ عبّاد الشّيطان والشّمس يسجدون لها في ذينك الوقتين.
* ونرى النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قد خالف اليهود والنّصارى في إظهار شعيرة الصّلاة، فاتّخذ الأذان بدلا من النّاقوس والبوق.
* ونهانا عن تأخير الإفطار في رمضان لأنّه من فعل اليهود والنّصارى الّذين ينتظرون ظهور النّجم.
* وأمرنا بالسّحور لأنّ أهل الكتابين لا يتسحّرون.
* وأمرنا بمخالفة أهل الكتاب في صيام عاشوراء فنضمّ إليه التّاسع.
وغير ذلك من مظاهر الاعتقادات والعبادات ..
ولم يقف الأمر عند هذا الحدّ، فكان صلّى الله عليه وسلّم ينهانا عن:
* التّسليم بالإشارة باليد والرّؤوس لأنّه من تحيّة أهل الكتاب ..
* وكان صلّى الله عليه وسلّم يسدل شعره، ثمّ رأى أهل الكتاب يسدلون ففرق شعره.
* ونهانا عن لباس كلباسهم ..
* وأجمعت الأمّة عبر القرون الماضية على التّأريخ الهجري الّذي يميّزها عن باقي الأمم، فالتّاريخ الهجري هو تاريخ المسلمين المعتمد الذي انعقد الإجماع على العمل به، وهو من شعائر أهل الإسلام، والرغبة عنه إلى غيره من تواريخ الشرق أو الغرب خروج عن الإجماع وإظهار شعار من شعائر الكفار واستغناء به ومشاركة في طمس الهوية الإسلامية.
ولا يمكن أن تستقيم عبادات هذه الأمة الّتي أمرها بها خالقُها إلاّ بالتاريخ الهجري، وغيره لا يصلح لنا.
* ونهانا الشّرع عن التكلّم بلسانهم لغير ضرورة أو حاجة أو تبيين.. فإنّ التكلّم بغير لغة العرب دليل على ميل القلب إلى حياة شرّ البريّة، وقد قرّر ابن تيمية رحمه الله في " اقتضاء الصّراط المستقيم " بأنّ المتكلّم بلغة غير أهل الإسلام وهو قادر ففيه شعبة من النفاق ..
الشّاهد أيّها الإخوة الكرام: أنّ الّذي يجهل مثل هذه الأحكام، والّّذي يجهل مثل هذه النّصوص، ويجهل كيف كان موقف رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من أهل الكفر .. من جهِل كلّ ذلك سهُل عليه الوقوع في التشبّه بهم، بل وتفضيلهم على المؤمنين !.
ومن الأسباب أيضا التي جعلت هذه الأعياد تظهر في مجتمعاتنا:
5- السّبب الخامس: الغفلة والتغافل والجهل والتّجاهل عما يُكاد للمسلمين
ولا أقول: ما يُكاد في الظّلام، بل في رابعة النّهار، فقد صاروا يجهرون بالعداوة ولا يُسرّون .. ويكيدون ولا يسترون ..
ألا ترون أنّهم في كلّ بلد مسلم يصولون ويجولون ؟!
ألا ترون إلى المذابح التي حدثت على مرور هذه القرون ؟؟
ألم يقل الله تعالى:{وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة: من الآية217] ؟!
ألم يقل الله تعالى:{إِنْ يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْدَاءً وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ} [الممتحنة:2].
ألم يقل الله تعالى:{مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} [البقرة:105].
نعم .. زرعوا في المسلمين بُغض اليهود، ولكنّه بغضٌ قوميّ ليس قائما على شرع الله ..
بدليل أنّ جُلَّ المسلمين يتعاطفون مع النّصارى وهم الّذين مهّدوا لليهود الدّخول إلى الأراضي المقدّسة ؟!
أليس النّصارى هم الّذين قاموا بالحروب الصّليبيّة على مدى القرون الماضية ؟!
ولكن كما قال تعالى:{فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} [الحج: من الآية46].
6- السّبب السّادس: إقامة كثير من المسلمين في بلاد الكافرين ..
نعم ..هذا سبب ظاهر، لأنّ المعادلة تقضي: بأنّه لا بدّ أن يكون في بلاد الإسلام جالية لا تؤمن بالله ولا باليوم الآخر، ولا يحرّمون ما حرّم الله ورسوله صلّى الله عليه وسلّم ما دام هناك جالية مسلمة في بلاد الكفر..
فتحدُثُ المساومة: فإذا كان المسلمون يحتفلون بأعيادهم الدّينيّة هناك، فإنّه كذلك لا بدّ للكافرين أن يحتفلوا بأعيادهم هنا .. فتظهر مظاهر الكفر في كثير من بلاد المسلمين والله المستعان.
7- السّبب السّابع: حبّ الشّهوات.
هناك صنف من المسلمين، لو سمع كلّ آية وحديث لأصرّ على التشبّه بالكفّار المخانيث ..
يريد اللّهو .. ويحبّ اللّعب والزّهو .. حتّى إذا ظهرت مناسباتهم وأعيادهم قال: وهل يُعقل أن أُفوّت فرصة كهذه ؟! .. سهرات في غناء ومجون، وفسق وفتون .. وإنّا لله وإنّا إليه راجعون ..
فهؤلاء أعظم آلة تنشر هذه المظاهر الكفريّة، والبدع الشّركيّة.
8-السّبب الثّامن: وأخيرا، فإنّ من أسباب انتشار هذا المنكر، ضعف الإعلام الشّرعي.
فلا بدّ من دروس وخطب، ومحاضرات وندوات تبيّن وتُحيِي عقيدة الولاء والبراء في المسلمين.
لا بدّ من إنشاء صحف ومجلاّت تزرع الوعي بين المؤمنين، فإنّ الإعلام الشّرعي منعدم، وجاء بدله الإعلام الذي يدعو إلى كلّ أسباب الهلاك، وخاصّة عن طريق المقعّرات الهوائيّة، والمجلاّت، والأفلام، التي تقرّب إلى المسلمين ما يجب أن يكون عنهم بعيدا.
نسأل الله تعالى أن يمنّ علينا بالهداية، وأن يُجنّبنا طرق الغواية، إنّه وليّ ذلك والقادر عليه.