والمؤسف أنّ الجماهير لا يزالون يُصفّقون على هذا الشّعر الّذي عُدّ من البلاغة والبيان، وما هو إلاّ عيّ وهذيان، وكيف لا تنتشر مثل هذه الغموم، ومّمن رفع رايته وأعلى غايته، أهل الأغاني والسّموم، ومروّجي الكروب والهموم.
الدّكتور ربيع سعيد عبد الحليم، من مصر، بروفيسور في الطبّ، ردّ على قصيدة الحائر بقصيدة أسماها " فكّ الطّلاسم"، فرأيت أن أسمّيها " العواصم من قواصم الطّلاسم"، لأنّها تردّ من بغى العلوّ إلى الحضيض، وتدفع الشّبه عن القلب المريض، أحببت أن أُسهِم في نشرها وبثّها، فأعرض عليكم أجزاء من الطّلاسم وأجزاء من فكِّها، على سبيل الجدل والمناظرة، أو النّقاش والمحاورة.
قال الحائر إيليا: جئتُ لا أعـلم من أين ؟.. ولكني أتيتُ
ولقد أبصرت قُدّامي طريـــقا فمـشـيـتُ
وسأبقى ماشيا إن شئت هذا أم أبيتُ
كيف جئت ؟ كيـف أبصرت طريـــــقي ؟
لست أدري!
ويردّ دكتورنا مطمئنّا: جئت دُنيايَ وأدري، عن يقين كيف جئت
جئت دُنيَاي لأمرٍ، من هُدى الآي جـلـوت
ولقـد أبصـرت قُـدّامي دلـيـلا فـــاهتـديـت
ليـت شـعـري كـيـف ضـلّ القــوم عـنـــه !؟
ليت شعري !
ويقول إيليا الحائر: أجـديـدٌ أنـا أم قـديـم فـي هــذا الـوجـــود ؟
هل أنـا حـرٌّ طـلـيـق أم أسيرٌ فـي قـيــود ؟
هل أنا قائـدٌ نـفسي في حياتي أم مقـود ؟
أتـمـنّـى أنّـنـي أدري .....……… ولـكـــــن
لـست أدري !
ويردّ الدّكتور:
ليس سـرّا ذا خـفـاءٍ أمرُ ذيّاك الوجـود
كـلّ مـا فـي الكون إبداع إلى الله يقـود
كائنات البَرِّ والبحر على الخلق شهـود
ليت شعري ! كيف ضلّ القــوم رشـدا
ليت شـعري !
حيرة إيليا:
أتراني قـبلـما أصبـحـت إنسـانا سـويّـا
أتراني كنت محوا، أم تراني كنت شيئا
ألِهـذا اللّـغز حـلٌّ، أم سـيـبـقـى أبـديّـا
لـسـت أدري .. ولـمـاذا لـسـت أدري ؟
لست أدري !
يقين الدّكتور:
قال ربّي: كُن، فكنت ثم صرت اليوم شيئا
وقُـواي مُشرعـات، كيف شـئـت فـي يديّـا
دُمْتُ حُرّا في اختياري إن عصـيّا أو رضـيّا
عـن جَلـيّ الأمـر ضـلّوا ! كـيـف ضـلّـوا ؟
ليت شـعري !
تساؤل حائر:
قد سألت البحر يوما: هل أنا يا بحــر منكا ؟
هل صحـيح مـا رواه بعـضهم عنّـي وعنـكـا ؟
أم تــرى مـا زعـمـوا زورا وبُـهـــتـانا وإفــــكـا ؟
ضـحـكـت أمـواجــه مـنّـي ..... وقــالـــــــت:
لست أدري !
أيّها البحر أتدري .. كم مضــت ألف عليكا ؟
وهـل الشّـاطـئ يـدري أنّـه جـاثٍ لديـكـا ؟
وهـل الأنـهــــــار تـدري أنّـهـا منـك إلـيـكـا ؟
مـا الّـذي الأمــــــواج قـالـت حـيـن ثـــارت ؟
لست أدري !
جواب المطمئنّ:
قد سألت البحر يوما: أَأُجيب النّــاس عنكا ؟
فأجاب البحر: هيّا ! قد سئمـت القـول إفــكا
أنت مثلي خَلْقُ ربّي، ويَفِيض الصِّدق منـكا
ليـت شـعـــري ! كــم نــســوه وهـــو حـقّ ؟
ليت شعـري !
أيّــها البـحـر كـفـانـا قـولـهـم زورا عليــــــكا
ها هــو الشّـاطـئ يـدري أنّـه جاثٍ عليـكـا
ها هـي الأنهـار أجــرتـهـا يــد الله إلـيـــــكـا
أحـســب الأمــواج قــالــت حـيــن ثــــــارت:
ليت شعـري !
يقول إيليا:
كـم فـتـاةٍ مـثـلِ لـيـلـى وفـتًــــــى كـابْـن المُـلَـوّح
أنفقا السّاعات في الشّاطئ: تشكو وهْـو يشرح
كــلّـما حُدِّثـت أصْـغـت، وإذا قـــالــــت تــــرنّـــــــــح
أحــفـــيـــف المـــــــــوج ســــــــــــــرّ ضــيّــــعـــاه ؟
لست أدري !
يجيب الدّكتور:
"كم فـتاةٍ مـثـلِ لـيـلـى وفـتًى كـابْـن المُـلَـوّح"
أنصـتـا للمـوج فـجــــرا عـنـدمـا صـلّـى وسبّـح
زغـرد الإيـمان فـي قـلبـيـهـما حـبّا وأفــصـــــح
إنّ لـاـمـوج دُعــــــاءً .......... أو تــدري ...... ؟
ليت شعـري !
ويقول إيليا:
إنّ فـي صـدريَ يا بـحـــرُ لأسـرارا عِـجــابـا
نـزل السِّـترُ عــلـيـها، وأنـا كـنتُ الحـجـابـا
ولــــذا أَزْداد بُـعـدًا كـلّـمـا ازددت اقــتــرابـا
وأُرانــــي كــلّـــــمــا أوشـــكـــــــــت أدري
لست أدري !
ويجيبه المؤمن:
إنّ فـي صـدريَ يا بـحـــرُ لأنـوارا عِـجــابـا
أشْـرق الإيـمـان مـنـهـا وأنـا كـنت الرِّحـابا
ولـذا أَزداد حــبّــا كـلّـمـا ازددتُ اقــتـرابـا
لـيـت شـعـري ! هل أرى الأقـوام مــثـلـي؟
ليت شعـري !
ويقول الحائر:
فـيـك مـثـلـي أيّـهـا الجـبّـارُ أصـداف ورمـــلُ
إنّـمـا أنـت بـلا ظـلِّ، ولـي فـي الأرض ظــلُّ
إنّـمـا أنـت بـلا عـقـلٍ، ولـي يـا بـحـرُ عـقـلُ
فـلمـــاذا يـــا تُــرى أمـــضــي وتــبــقــــى ؟
لست أدري !
ويجيبه المؤمن:
قـد بــراك الله مـثـلـي فـيـك أصـداف ورمـلُ
وبـرانـي الله مـن مـاءٍ وطـــيـنٍ، ذاك أصــلُ
ثـمّ كُـرِّمْـتُ بـعـقـلٍ وبـنـفـــخ الرّوح أعــلـو
مــن حــبــاه الله عــقــلاً، كـيـف يـنـسى؟
ليت شعـري !
وصدق الله القائل:
{ قُلْ إِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ (27) الَّذِينَ آَمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ (28) }