أليس قد تخلّص من فقره، ووجد ما يُمهر به فاطمة ويزفّها به إليه ؟! ألم يكُن أكثرَهم فرحاً يوم غنِمَ من بدرٍ بعيرين شارفين ؟!
الجواب: أنّه اليومَ يرى ناقتيه قد بُقِرَت بطونُهما، وسالت دماؤهما، وقُطِعت أسنمتُهما ! والّذي آلمه أكثر أنّ من فعل به ذلك رجلٌ من أحبّ النّاس إليه، ومن أقرب النّاس إليه، إنّه أسدٌ هصور وشجاعٌ صبور: إنّه حمزة بن عبد المطّلب ! ولندَعْ صاحبَ المصيبة يحدّثنا عن ذلك:
روى البخاري ومسلم عنْ علِيِّ بنِ أَبِي طالِبٍ رضي الله عنه أَنَّهُ قالَ:
أَصَبْتُ شَارِفًا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم في مَغْنَمٍ يَوْمَ بَدْرٍ، وَأَعْطَانِي رَسُولُ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم شَارِفًا أُخْرَى، فَأَنَخْتُهُمَا يَوْمًا عِنْدَ بَابِ رَجُلٍ مِنْ الْأَنْصَارِ، وَأَنَا أُرِيدُ أَنْ أَحْمِلَ عَلَيْهِمَا إِذْخِرًا لِأَبِيعَهُ، وَمَعِي صَائِغٌ مِنْ بَنِي قَيْنُقَاعَ فَأَسْتَعِينَ بِهِ عَلَى وَلِيمَةِ فَاطِمَةَ، وَحَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ المُطَّلِبِ يَشْرَبُ فِي ذَلِكَ الْبَيْتِ مَعَهُ قَيْنَةٌ، فَقَالَتْ:
أَلَا يَـا حَـمْـزُ لِلشُّـرُفِ النِّـوَاءِ ...[1]
فَثَارَ إِلَيْهِمَا حَمْزَةُ بِالسَّيْفِ، فَجَبَّ أَسْنِمَتَهُمَا، وَبَقَرَ خَوَاصِرَهُمَا، ثُمَّ أَخَذَ مِنْ أَكْبَادِهِمَا، فَنَظَرْتُ إِلَى مَنْظَرٍ أَفْظَعَنِي، فَأَتَيْتُ نَبِيَّ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم وَعِنْدَهُ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ فَأَخْبَرْتُهُ الْخَبَرَ، فَخَرَجَ وَمَعَهُ زَيْدٌ فَانْطَلَقْتُ مَعَهُ فَدَخَلَ عَلَى حَمْزَةَ فَتَغَيَّظَ عَلَيْهِ، فَرَفَعَ حَمْزَةُ بَصَرَهُ وَقَالَ: هَلْ أَنْتُمْ إِلَّا عَبِيدٌ لِآبَائِي ! فَرَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم يُقَهْقِرُ حَتَّى خَرَجَ عَنْهُمْ وَذَلِكَ قَبْلَ تَحْرِيمِ الْخَمْرِ.
وفي رواية: فنكص رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على عقبيه القهقرى، وخرج وخرجنا معه..
إذن فالانسحاب أفضل، ولا فائدة من العتاب واللّوم في هذه السّاعة .. وهذا هو حال الخمر، وكأنّ الله تعالى قدّر ما قدّر ليكون سببا لنزول قوله تعالى:{يَسْأَلونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا} [البقرة: من الآية219].
وخرج عليّ رضي الله عنه حزينا كئيبا.. وعندئذ اكتفى بالقليل الّذي بارك الله فيه.
روى أبو داود والنّسائي عنْ ابنِ عبَّاسٍ رضي الله عنه قالَ:" لَمَّا تَزَوَّجَ عَلِيٌّ رضي الله عنه فَاطِمَةَ، قَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم: (( أَعْطِهَا شَيْئًا )) قَالَ: مَا عِنْدِي شَيْءٌ. قالَ: (( أَيْنَ دِرْعُكَ الْحُطَمِيَّةُ ؟))[2]. فَأَعْطَاهَا دِرْعَهُ، وكان ثمنُها أربعةَ دراهم.
وكيف زُفّت فاطمة رضي الله عنها ؟
روى النّسائي، وابن ماجه وأحمد بسند ضعيف ولكن يشهد له ما رواه البيهقيّ (3/161) عنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه قالَ: جَهَّزَ رَسُولُ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم فَاطِمَةَ فِي خَمِيلٍ [كساء غليظ] وَقِرْبَةٍ وَوِسَادَةٍ حَشْوُهَا إِذْخِرٌ [نبات طيّب الرّائحة] ".
اكتفى بأن تكون درعه مهرا لفاطمة.
واكتفى النبيّ صلّى الله عليه وسلّم أن يكون هذا هو جهاز سيّدة من سيّدات نساء العالمين .. كساء غليظ من الصّوف.. وقربة للماء، ووسادة من جلد محشوّة بالإدخر !
فقرٌ تصعب معه الحياة، ولكنّها تهون وتسهل إذا كان البيت غنيّا بالإيمان .. عميقا بالإحسان .. شأنها شأن أبيها يوم دخل عليه عمرُ رضي الله عنه:" وَإِنَّهُ لَعَلَى حَصِيرٍ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ شَيْءٌ وَتَحْتَ رَأْسِهِ وِسَادَةٌ مِنْ أَدَمٍ حَشْوُهَا لِيفٌ وَإِنَّ عِنْدَ رِجْلَيْهِ قَرَظًا [ورق يدبغ به] مَصْبُوبًا، وَعِنْدَ رَأْسِهِ أَهَبٌ مُعَلَّقَةٌ، فَرَأَيْتُ أَثَرَ الْحَصِيرِ فِي جَنْبِهِ فَبَكَيْتُ، فَقَالَ: (( مَا يُبْكِيكَ ؟ )) فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ ! إِنَّ كِسْرَى وَقَيْصَرَ فِيمَا هُمَا فِيهِ، وَأَنْتَ رَسُولُ اللهِ ؟! فَقَالَ: (( أَمَا تَرْضَى أَنْ تَكُونَ لَهُمْ الدُّنْيَا وَلَنَا الْآخِرَةُ )). [البخاري].
وقد أدّبها النبيّ صلّى الله عليه وسلّم على الزّهد وترك النّعيم، ففي صحيح البخاري عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنه قَالَ:
أَتَى النَّبِيُّ صلّى الله عليه وسلّم بَيْتَ فَاطِمَةَ فَلَمْ يَدْخُلْ عَلَيْهَا، وَجَاءَ عَلِيٌّ فَذَكَرَتْ لَهُ ذَلِكَ، فَذَكَرَهُ لِلنَّبِيِّ صلّى الله عليه وسلّم قَالَ: (( إِنِّي رَأَيْتُ عَلَى بَابِهَا سِتْرًا مَوْشِيًّا، فَقَالَ: (( مَا لِي وَلِلدُّنْيَا )) فَأَتَاهَا عَلِيٌّ، فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهَا، فَقَالَتْ: لِيَأْمُرْنِي فِيهِ بِمَا شَاءَ، قالَ: (( تُرْسِلُ بِهِ إِلَى فُلَانٍ )) أَهْلِ بَيْتٍ بِهِمْ حَاجَةٌ.
ولكن كان من وراء ذلك سيّدان من سادات شباب الجنّة.
ملخّص أحداث السّنة الثّانية:
· الإذن بالقتال: فكان مجموع الغزوات على الصّحيح تسعةً وعشرين غزوةً، ثماني غزوات منها كانت في العام الثّاني.
- أمّا الأبواء فكانت في شهر صفر من السّنة الثّانية.
- سريّة عبيدة بن الحارث بن عبد المطّلب [دون قتال]، إلاّ أنّ سعد بن أبي وقّاص رضي الله عنه رمى بسهم، وكان أوّل سهمٍ رُمي في الإسلام.
- ثمّ سريّة حمزة بن عبد المطّلب رضي الله عنه، باتّجاه سِيف البحر.
- غزوة بواط.. في ربيع الثّاني من السّنة الثّانية، بمكان يقال له رضوى.
- غزوة العُشيرة ..في جمادى الأولى من السّنة الثّانية، والعُشيرة من بطن ( ينبع ) وهي على طريق قوافل قريش.
- ثمّ سريّة سعد رضي الله عنه إلى الخرار.
- غزوة سفوان ( بدر الأولى )، كانت في جمادى الآخرة، ببدر.(مطاردة).
- ثمّ سريّة عبد الله بن جحش رضي الله عنه في رجب.
· تحويل القبلة.
· بيان الوفود وظهور أهل الصفّة، وقرّاء القرآن.
· وتشريع شهر الصّيام.
· وعقد نكاح عليّ على فاطمة رضي الله عنهما.
· مرض رقيّة الّذي أودى بها، وكان سببا في تخلّف عثمان رضي الله عنه عن غزوة بدر.
· غزوة بدر الكبرى: بدايتها في مكّة، وبدايتها في المدينة، وجميع تفاصيلها إلى آخر المعركة.
· قضيّة الغنائم.
· قضيّة الأسرى.
· وتغيّر مواقف اللّئام من ظهور الإسلام: فظهر النّفاق.
· وهيجان الأعراب فكانت غزوة بني سليم، في شوّال.
· ورغبة المشركين في الانتقام، فكانت غزوة السّويق.
· وظهر حقد اليهود فتعدّوا على الحرمات فكانت غزوة بني قينقاع.
· وتجاوز طواغيتهم حدودهم فكان مقتل كعب بن الأشرف.
· وكتب النبيّ صلّى الله عليه وسلّم بينه وبين اليهود كتاب موادعة.
· وظهر كيد اليهود فعزموا على أن يفرّقوا صفوف المسلمين.
· وخُتمت هذه السّنة بزفاف فاطمة من عليّ رضي الله عنهما.
[1]/ ( الشّرُف ): جمع شارف، وهي النّاقة المسنّة، و( النِّواء ) جمع ناوية وهي السّمينة. وتتمّة هذه الأبيات ما ذكره الحافظ رحمه الله في "الفتح":
ألا يا حَمْزُ للشُّـرُف النّـواءِ *** وهـنّ مُعْقَـلاَتٌ بالفِنـاءِ
ضعِ السّكينَ في اللِّبَـات منها *** وضرِّجهُـنّ حمزةُ بالدّمـاء
وعجّل من أطايِبـها لشُرب *** قديداً من طبـيخ أو شـواءِ
[2]/ ( الحطمية ) - بضمّ الحاء المهملة وفتح الطّاء المهملة -: منسوبة إلى الحطم، سمّيت بذلك لأنهّا تحطم السّيوف، وقيل: منسوبة إلى بطن من عبد القيس يقال له حطمة بن محارب، كانوا يعملون الدّروع، كذا في "النّهاية".
الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أمّا بعد:
فقد سبق أن رأينا في أحداث شهر رمضان من السّنة الثّانية من الهجرة عليّاً رضي الله عنه يخطب فاطمةَ رضي الله عنها من النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، وكانت بنتَ خمس عشْرة سنة، وهو ابن واحدٍ وعشرين سنة، فما كان من النبيّ صلّى الله عليه وسلّم إلاّ أن زوّجه إيّاها، على أن تُزفَّ إليه في ذي الحجّة.
وها هو هلال ذي الحجّة قد أطلّ على المسلمين، وحان موعد الفرحة الّتي تغمر قلوب المؤمنين، ولكن ...
ما بال عليّ مهموما ؟! ما باله حزينا ؟! أليس قد تخلّص من فقره، ووجد ما يُمهر به فاطمة ويزفّها به إليه ؟! ألم يكُن أكثرَهم فرحاً يوم غنِمَ من بدرٍ بعيرين شارفين ؟!
الجواب: أنّه اليومَ يرى ناقتيه قد بُقِرَت بطونُهما، وسالت دماؤهما، وقُطِعت أسنمتُهما ! والّذي آلمه أكثر أنّ من فعل به ذلك رجلٌ من أحبّ النّاس إليه، ومن أقرب النّاس إليه، إنّه أسدٌ هصور وشجاعٌ صبور: إنّه حمزة بن عبد المطّلب ! ولندَعْ صاحبَ المصيبة يحدّثنا عن ذلك:
روى البخاري ومسلم عنْ علِيِّ بنِ أَبِي طالِبٍ رضي الله عنه أَنَّهُ قالَ:
أَصَبْتُ شَارِفًا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم في مَغْنَمٍ يَوْمَ بَدْرٍ، وَأَعْطَانِي رَسُولُ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم شَارِفًا أُخْرَى، فَأَنَخْتُهُمَا يَوْمًا عِنْدَ بَابِ رَجُلٍ مِنْ الْأَنْصَارِ، وَأَنَا أُرِيدُ أَنْ أَحْمِلَ عَلَيْهِمَا إِذْخِرًا لِأَبِيعَهُ، وَمَعِي صَائِغٌ مِنْ بَنِي قَيْنُقَاعَ فَأَسْتَعِينَ بِهِ عَلَى وَلِيمَةِ فَاطِمَةَ، وَحَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ المُطَّلِبِ يَشْرَبُ فِي ذَلِكَ الْبَيْتِ مَعَهُ قَيْنَةٌ، فَقَالَتْ:
أَلَا يَـا حَـمْـزُ لِلشُّـرُفِ النِّـوَاءِ ...[1]
فَثَارَ إِلَيْهِمَا حَمْزَةُ بِالسَّيْفِ، فَجَبَّ أَسْنِمَتَهُمَا، وَبَقَرَ خَوَاصِرَهُمَا، ثُمَّ أَخَذَ مِنْ أَكْبَادِهِمَا، فَنَظَرْتُ إِلَى مَنْظَرٍ أَفْظَعَنِي، فَأَتَيْتُ نَبِيَّ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم وَعِنْدَهُ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ فَأَخْبَرْتُهُ الْخَبَرَ، فَخَرَجَ وَمَعَهُ زَيْدٌ فَانْطَلَقْتُ مَعَهُ فَدَخَلَ عَلَى حَمْزَةَ فَتَغَيَّظَ عَلَيْهِ، فَرَفَعَ حَمْزَةُ بَصَرَهُ وَقَالَ: هَلْ أَنْتُمْ إِلَّا عَبِيدٌ لِآبَائِي ! فَرَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم يُقَهْقِرُ حَتَّى خَرَجَ عَنْهُمْ وَذَلِكَ قَبْلَ تَحْرِيمِ الْخَمْرِ.
وفي رواية: فنكص رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على عقبيه القهقرى، وخرج وخرجنا معه..
إذن فالانسحاب أفضل، ولا فائدة من العتاب واللّوم في هذه السّاعة .. وهذا هو حال الخمر، وكأنّ الله تعالى قدّر ما قدّر ليكون سببا لنزول قوله تعالى:{يَسْأَلونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا} [البقرة: من الآية219].
وخرج عليّ رضي الله عنه حزينا كئيبا.. وعندئذ اكتفى بالقليل الّذي بارك الله فيه.
روى أبو داود والنّسائي عنْ ابنِ عبَّاسٍ رضي الله عنه قالَ:" لَمَّا تَزَوَّجَ عَلِيٌّ رضي الله عنه فَاطِمَةَ، قَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم: (( أَعْطِهَا شَيْئًا )) قَالَ: مَا عِنْدِي شَيْءٌ. قالَ: (( أَيْنَ دِرْعُكَ الْحُطَمِيَّةُ ؟))[2]. فَأَعْطَاهَا دِرْعَهُ، وكان ثمنُها أربعةَ دراهم.
وكيف زُفّت فاطمة رضي الله عنها ؟
روى النّسائي، وابن ماجه وأحمد بسند ضعيف ولكن يشهد له ما رواه البيهقيّ (3/161) عنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه قالَ: جَهَّزَ رَسُولُ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم فَاطِمَةَ فِي خَمِيلٍ [كساء غليظ] وَقِرْبَةٍ وَوِسَادَةٍ حَشْوُهَا إِذْخِرٌ [نبات طيّب الرّائحة] ".
اكتفى بأن تكون درعه مهرا لفاطمة.
واكتفى النبيّ صلّى الله عليه وسلّم أن يكون هذا هو جهاز سيّدة من سيّدات نساء العالمين .. كساء غليظ من الصّوف.. وقربة للماء، ووسادة من جلد محشوّة بالإدخر !
فقرٌ تصعب معه الحياة، ولكنّها تهون وتسهل إذا كان البيت غنيّا بالإيمان .. عميقا بالإحسان .. شأنها شأن أبيها يوم دخل عليه عمرُ رضي الله عنه:" وَإِنَّهُ لَعَلَى حَصِيرٍ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ شَيْءٌ وَتَحْتَ رَأْسِهِ وِسَادَةٌ مِنْ أَدَمٍ حَشْوُهَا لِيفٌ وَإِنَّ عِنْدَ رِجْلَيْهِ قَرَظًا [ورق يدبغ به] مَصْبُوبًا، وَعِنْدَ رَأْسِهِ أَهَبٌ مُعَلَّقَةٌ، فَرَأَيْتُ أَثَرَ الْحَصِيرِ فِي جَنْبِهِ فَبَكَيْتُ، فَقَالَ: (( مَا يُبْكِيكَ ؟ )) فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ ! إِنَّ كِسْرَى وَقَيْصَرَ فِيمَا هُمَا فِيهِ، وَأَنْتَ رَسُولُ اللهِ ؟! فَقَالَ: (( أَمَا تَرْضَى أَنْ تَكُونَ لَهُمْ الدُّنْيَا وَلَنَا الْآخِرَةُ )). [البخاري].
وقد أدّبها النبيّ صلّى الله عليه وسلّم على الزّهد وترك النّعيم، ففي صحيح البخاري عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنه قَالَ:
أَتَى النَّبِيُّ صلّى الله عليه وسلّم بَيْتَ فَاطِمَةَ فَلَمْ يَدْخُلْ عَلَيْهَا، وَجَاءَ عَلِيٌّ فَذَكَرَتْ لَهُ ذَلِكَ، فَذَكَرَهُ لِلنَّبِيِّ صلّى الله عليه وسلّم قَالَ: (( إِنِّي رَأَيْتُ عَلَى بَابِهَا سِتْرًا مَوْشِيًّا، فَقَالَ: (( مَا لِي وَلِلدُّنْيَا )) فَأَتَاهَا عَلِيٌّ، فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهَا، فَقَالَتْ: لِيَأْمُرْنِي فِيهِ بِمَا شَاءَ، قالَ: (( تُرْسِلُ بِهِ إِلَى فُلَانٍ )) أَهْلِ بَيْتٍ بِهِمْ حَاجَةٌ.
ولكن كان من وراء ذلك سيّدان من سادات شباب الجنّة.
ملخّص أحداث السّنة الثّانية:
· الإذن بالقتال: فكان مجموع الغزوات على الصّحيح تسعةً وعشرين غزوةً، ثماني غزوات منها كانت في العام الثّاني.
- أمّا الأبواء فكانت في شهر صفر من السّنة الثّانية.
- سريّة عبيدة بن الحارث بن عبد المطّلب [دون قتال]، إلاّ أنّ سعد بن أبي وقّاص رضي الله عنه رمى بسهم، وكان أوّل سهمٍ رُمي في الإسلام.
- ثمّ سريّة حمزة بن عبد المطّلب رضي الله عنه، باتّجاه سِيف البحر.
- غزوة بواط.. في ربيع الثّاني من السّنة الثّانية، بمكان يقال له رضوى.
- غزوة العُشيرة ..في جمادى الأولى من السّنة الثّانية، والعُشيرة من بطن ( ينبع ) وهي على طريق قوافل قريش.
- ثمّ سريّة سعد رضي الله عنه إلى الخرار.
- غزوة سفوان ( بدر الأولى )، كانت في جمادى الآخرة، ببدر.(مطاردة).
- ثمّ سريّة عبد الله بن جحش رضي الله عنه في رجب.
· تحويل القبلة.
· بيان الوفود وظهور أهل الصفّة، وقرّاء القرآن.
· وتشريع شهر الصّيام.
· وعقد نكاح عليّ على فاطمة رضي الله عنهما.
· مرض رقيّة الّذي أودى بها، وكان سببا في تخلّف عثمان رضي الله عنه عن غزوة بدر.
· غزوة بدر الكبرى: بدايتها في مكّة، وبدايتها في المدينة، وجميع تفاصيلها إلى آخر المعركة.
· قضيّة الغنائم.
· قضيّة الأسرى.
· وتغيّر مواقف اللّئام من ظهور الإسلام: فظهر النّفاق.
· وهيجان الأعراب فكانت غزوة بني سليم، في شوّال.
· ورغبة المشركين في الانتقام، فكانت غزوة السّويق.
· وظهر حقد اليهود فتعدّوا على الحرمات فكانت غزوة بني قينقاع.
· وتجاوز طواغيتهم حدودهم فكان مقتل كعب بن الأشرف.
· وكتب النبيّ صلّى الله عليه وسلّم بينه وبين اليهود كتاب موادعة.
· وظهر كيد اليهود فعزموا على أن يفرّقوا صفوف المسلمين.
· وخُتمت هذه السّنة بزفاف فاطمة من عليّ رضي الله عنهما.
[1]/ ( الشّرُف ): جمع شارف، وهي النّاقة المسنّة، و( النِّواء ) جمع ناوية وهي السّمينة. وتتمّة هذه الأبيات ما ذكره الحافظ رحمه الله في "الفتح":
ألا يا حَمْزُ للشُّـرُف النّـواءِ *** وهـنّ مُعْقَـلاَتٌ بالفِنـاءِ
ضعِ السّكينَ في اللِّبَـات منها *** وضرِّجهُـنّ حمزةُ بالدّمـاء
وعجّل من أطايِبـها لشُرب *** قديداً من طبـيخ أو شـواءِ
[2]/ ( الحطمية ) - بضمّ الحاء المهملة وفتح الطّاء المهملة -: منسوبة إلى الحطم، سمّيت بذلك لأنهّا تحطم السّيوف، وقيل: منسوبة إلى بطن من عبد القيس يقال له حطمة بن محارب، كانوا يعملون الدّروع، كذا في "النّهاية".