( من لم يكفّر الكافر فهو كافر ) شعارُهم، و( من لم يقُل بقولنا فليس منّا ) دِثارهم ..
إذا سمعوا آيات القتال والجهاد، أنزلوها على حُكام البلاد !
فإذا ذكّرتهم، وبيّنت لهم ونصحتهم: كيف تنزلون هذه الآيات، والنّصوص البيّنات، في غير أهلها، وعلى طائفَةٍ خُولِفتُم في كفرها، وتغفلون عن أهل الكفر البواح، والإلحاد الصّراح ؟!
قالوا: قتال المرتدّين أولى من قتال الكفّار الأصليّين !
- والخوارج على العلماء وغلاة التّبديع، تراهم رفعوا لواء الردّ والتّشنيع، على العلماء والدّعاة، والصّالحين والتّقاة، فاستباحوا أعراضهم ولحومهم، ونفثوا فيهم سمومهم.
( من لم يبدّع المبتدع فهو مبتدع ) نشيدُهم ... و( من لم يقُل بقولنا فليس منّا ) قصيدُهم ..
يقرؤون أقوال الأئمّة العلماء، في أهل البدع وأرباب الأهواء، فينزلونها على إخوانهم في السنّة الغرّاء، ومن يسيرون معهم على المحجّة البيضاء !
وإذا جئت لتذكّرهم، وتنبّههم وتنصحهم: كيف تنزلون كلام السّلف في الرّوافض والجهميّة، وفي المعتزلة والباطنيّة، وتتأوّلونه فيمن يسلك الطّريق السّلفيّة، وخالفكم في مسائل فرعيّة اجتهاديّة !
إذا سألتهم: من يصدّ زحف العلمانيّة ؟ ويُلجم الدّعوات الهدّامة الكفريّة ؟ ويدكّ صروح الحملات التّنصيريّة ؟
قالوا: أهل البدع والأهواء أخطر وشرٌّ من اليهود والنّصارى ! فخطرُ هؤلاء لا يغفل عنه إلاّ غبيّ، وأمّا أهل الأهواء فشرّهم أكبر وخفيّ !
شاهِدٌ من التّاريخ:
- إلى غلاة التّكفير: حادثة ذكرها ابن كثير رحمه الله في "البداية والنّهاية" (7/318) عن الخوارج، فقال:
" ... وكان من جملة من قتلوه: عبد الله بن خبّابٍ صاحب رسولِ الله صلّى الله عليه وسلّم، أسَرُوه، وامرأتُه معه وهي حامل، فقالوا: من أنت ؟ قال: أنا عبدُ الله بنُ خبّاب صاحب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وإنّكم قد روّعتمُوني. فقالوا: لا بأس عليك، حدِّثنا ما سمعت من أبيك فقال: سمعت أبي يقول: سمعت رسولَ الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: (( سَتَكُونُ فِتْنَةٌ: القَاعِدُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ القَائِمِ، وَالقَائِمُ خَيْرٌ مِنَ المَاشِي، وَالمَاشِي خَيْرٌ مِنَ السَّاعِي )). فاقتادوه بيده.
فبينما هو يسير معهم، إذ لقي بعضُهم خنزيرا لبعض أهل الذمّة، فضربه بعضُهم فشقّ جلدَه، فقال له آخر: لم فعلت هذا وهو لذمّي ؟ فذهب إلى ذلك الذمِّي فاستحلّه وأرضاه ! ... ومع هذا قدّموا عبدَ الله بن خبّاب فذبحوه، وجاءوا إلى امرأته فقالت: إنّي امرأة حُبلى، ألا تتّقون الله ؟! فذبحوها وبقروا بطنَها عن ولدها "اهـ.
(( يقتلُون أَهْلَ الْإِسْلَامِ وَيَدَعُونَ أَهْلَ الْأَوْثَانِ )).
- إلى غلاة الهجر والتّبديع: حادثة ذكرها أيضا الإمام ابن كثير رحمه الله في " البداية والنّهاية " (10/334) في أحداث 231 هـ، فقال:
" وفيها كان مقتل أحمد بن نصر الخزاعي رحمه الله وأكرم مثواه ...
وكان أحمد بن نصر من أهل العلم والديانة والعمل الصالح والاجتهاد في الخير، وكان من أئمة السنة الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر، وكان ممن يدعو إلى القول بأن القرآن كلام الله منزل غير مخلوق، وكان الواثق [الخليفة العبّاسي] من أشدّ النّاس في القول بخلق القرآن، يدعو إليه ليلا ونهارا، سرا وجهارا، من غير دليل ولا برهان، ولا حجة ولا بيان، ولا سنة ولا قرآن ...
وأُحضِر أحمدُ بنُ نصر، فلمّا أُوقِفَ بين يدي الواثق، قال له: ما تقول في القرآن ؟ فقال: هو كلام الله.
قال: أمخلوق هو ؟ قال: هو كلام الله ...
فقال له: فما تقول في ربّك، أتراه يوم القيامة ؟ فقال: يا أمير المؤمنين قد جاء القرآن والأخبار بذلك ... فنحن على الخبر.
فقال الواثق لمن حوله: ما تقولون في هذا الرجل ؟ فأكثروا القول فيه.
فقال عبد الرحمن بن إسحاق - وكان قاضيا -: يا أمير المؤمنين، هو حلال الدم !
وقال أبو عبد الله الأرمني صاحب أحمد بن أبي دؤاد: اسقني دمه يا أمير المؤمنين !
وقال ابن أبي دؤاد: هو كافر يستتاب، لعلّ به عاهةً أو نقصَ عقل !
فقال الواثق: إذا رأيتموني قمتُ إليه فلا يقومنّ أحدٌ معي؛ فإنّي أحتسب خطاي.
ثمّ نهض إليه بالصّمصامة - وكانت سيفاً في أسفلها مسامير - فلمّا انتهى إليه ضربه بها على عاتقه وهو مربوط بحبلٍ ... ثم ضربه أخرى على رأسه، ثمّ طعنه بالصمصامة في بطنه، فسقط صريعا رحمه الله، فإنّا لله وإنّا إليه راجعون " [انتهى بتصرّف].
فهذا شأن الغلاة، سواء كان معتزليا، أو يدّعي الطّريق السّلفيّة.
(( يقتلُون أَهْلَ الْإِسْلَامِ وَيَدَعُونَ أَهْلَ الْأَوْثَانِ )).
والقتل أنواع: بالسّيف والسّنان .. أو بالقلم واللّسان .. وأقبحه ما حمل في طيّاته الكذب والبهتان !
وما أعظم ما رواه البيهقيّ في " شعب الإيمان " أنّ سفيان بن حسين رحمه الله قال:
ذكرتُ رجلاً بسوء عند إياس بن معاوية، فنظر في وجهي وقال: أغزوت الرّومَ ؟! قلت: لا، قال: أغزوت السّندَ والهندَ والتّرك ؟ قلت: لا، قال: أفسَلِمَ منك الرّوم والهند والسند والترك ولم يسْلَمْ منك أخوك المسلم ؟! فلم أعُد بعدها أبدا.
فلا تعُد - أخي الكريم - إلى مثل ذلك أبدا.