" إنّ كثيرا من نزاع النّاس سببه ألفاظٌ مجملة مبتدعة، ومعانٍ مشتبهة "
- قال رابو برت:" ولا يخفى ما في تحديد معاني الألفاظ من الفائدة، فكثيرا ما يثور الخلاف بيننا في مسألة، ويشتدّ الجدال في موضوع، ويظهر أنّ المتجادلين على خلاف بينهم، وهم في الواقع على اتّفاق، ولو حُدِّدت ألفاظهم لتجلّى لهم أنّهم على رأي واحد ".
["مبادئ الفلسفة " (39)].
- " لقد أصبحت المصطلحات أدوات في الصّراع الحضاري والفكريّ بين الأمم، وفي داخل الأمّة الواحدة ... وإنّما كان المصطلح أداةً في الصّراع؛ لأنّه الوعاء المعبّر عن العقيدة، أو الفكر، أو الرّأي، ولذلك فإنّ كسر ذلك الوعاء غرضٌ رئيس للمُعادين، يمثّل خطورة كبيرةً على العقائد ...".
* الغرب يصنع الأفكار والمعاني، ويُنزل على المسلمين المصطلحات والمباني:
- يقول جيلز كبيل بعد عرض مصطلح ( الأصوليّة ) في اللّغتين الفرنسيّة والإنجليزيّة:
" هذان المصطلحان ينقلان إلى العالَم المسلمَ أدواتٍ فكريّة، صاغت تفسيرا للحظات خاصّة في تاريخ الكاثوليكيّة والبروتستانتيّة على التّوالي، ولا نجد سبباً مُقنِعاً لمثل هذا النّقل " ["النبيّ والفرعون" (231-232)].
قال المؤلّف حفظه الله:
" إنّ الخلفيّة التّاريخيّة الموجودة في أذهان الغربيّين، تجعلهم إذا سمعوا عن الأصوليّة (Fundamentalism) تمتلئ أذهانهم رُعباً ونُفرةً بسبب المعاملات الهمجيّة الّتي اقترفها إخوانهم النّصارى باسم الدّين، حيث حُورِبت الإنسانيّة والتقدّم العلميّ والتطوّر، فاختيار هذا المصطلح وإسقاطه على المسلمين أو على طائفة منهم لا يخلو من غرض ".
- فإذا كان معنى الأصوليّة هو الرّجوعَ إلى الإنجيل المحرّف، فهو أمر مذموم، وإن كان المقصود بها الرّجوع إلى الوحي من كتاب الله تعالى وهدي النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فهو أمرٌ محمود.
* حقيقة القرون الوُسطى:
" إنّ عصور الظّلام الأوروبي الّتي أُطلِق عليها وصف ( القرون الوُسطى ) هي زمنيّا العصور نفسُها الّتي كانت أنوار الحضارة الإسلاميّة فيها تُشرِق على العالمين " ["دفاعا عن ثقافتنا" (29) لجمال سلطان].
قال ابن القيّم رحمه الله في "أعلام الموقعين" (3/130):
" ولو أوجب تبديل الأسماء والصّور تبدُّلَ الأحكام والحقائق لفسَدت الدّيانات، وبُدِّلت الشّرائع، واضمحلّ الإسلام، وأيّ شيءٍ نفعَ المشركينَ تسميتُهم أصنامهم آلهةً وليس فيها شيء من صفات الإلهيّة وحقيقتها ".
* أين دور المجامع اللّغويّة والعلميّة في ترجمة المصطلحات ؟
- قال حفظه الله (ص 103):
" إنّ التّرجمة والتّعريب لهذه المصطلحات الدّينيّة والسّياسيّة المتعلّقة بأمورٍ عظيمة ورئيسة في حياة الأمّة، تنشأ بطريقة غير علميّة، فليس منها مصطلح - إلاّ القليل - يمرّ عبر المجامع اللّغويّة والفقهيّة والعلميّة ".
ومن أمثلة ذلك ترجمتهم لفكرة فصل الدّين عن الحياة (Secularism) إلى (العلمانيّة) ! بدلا من ترجمتها إلى ( اللاّدينيّة )، وذلك فرارا ممّا يوحيه اللّفظ الثّاني، وطمعا فيما يوحيه اللّفظ الأوّل.
* ومن الأمثلة أيضا مصطلح " الإرهاب ":
- فلم يكُن اختيارهم لترجمة كلمة (Terrorism) إلى " الإرهاب " دقيقا.
- وبيّن حفظه الله أنّه من المهمّ عند ترجمة مصطلحٍ ما: الرّجوع إلى الأصول الدّينيّة والفكريّة لمعرفة معنى المصطلح ... فمادّة ( رهب ) في القرآن والسنّة استُعمِلت في مقام المدح، كالرّهبة من الله تعالى، وإرهاب العدّوّ، في حين أنّها صارت تطلق ولا يُراد منها إلاّ الإجرام والعنف ومعاداة السّلام !
- كلّ هذا بغضّ النّظر عن: أنّ إطلاق وصف ( الإرهاب ) يختلف باختلاف نظرة من يُطلقه، فربّ إجرامٍ تقوم به بعض الدّول وتسمّيه دفاعا عن الحقوق ! وربّ جهادٍ شرعيّ أو دفعٍ للصّائل يسمّونه إرهابا !
ومن المقرّر أنّ الواجب في المصطلحات أن تكون محدّدة دقيقة ليست بنسبيّة ولا مجملة.
* البديل:
عقد المؤلّف حفظه الله من ص 112 إلى ص 119 مبحثاً لبيان المصطلحات الشّرعيّة الّتي ينبغي استعمالها وإطلاقها على من حمل السّلاح على المسلمين، واستباح دماءهم وأعراضهم، من ذلك: البغي، والخروج، والغلوّ، والحرابة.
- وختم هذا المبحث ببيان معنى كلمة " الجهاد "، ومحاولةَ الغربيّين تشويهَها، وإطلاقَ لفظ الإرهاب بدلها !
* الخاتمة:
وختم الكتاب بمبحثٍ بيّن فيه واجبَ العلماء والدّعاة وطلبة العلم نحو الألفاظ والمصطلحات الشّرعيّة:
قال ابن أبي العزّ الحنفيّ رحمه الله:" والتّعبير عن الحقّ بالألفاظ الشّرعيّة النّبويّة الإلهيّة هو سبيل أهل السنّة والجماعة " [" شرح العقيدة الطّحاويّة " (11/70)].
ويقول ابن القيّم رحمه الله في "أعلام الموقّعين" (4/170-172):
" ينبغي للمفتي أن يفتي بلفظ النص مهما أمكنه؛ فإنه يتضمن الحكم والدليل مع البيان التام ... فألفاظ النصوص عصمة وحجة بريئة من الخطأ والتناقض والتعقيد والاضطراب ... والمقصود أن العصمة مضمونة في ألفاظ النصوص ومعانيها في أتم بيان وأحسن تفسير، ومن رام إدراك الهدى، ودين الحق من غير مشكاتها فهو عليه عسير غير يسير ".
والحمد لله ربّ العالمين.