الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أمّا بعد:
أمّا الزّواج من القريبات، فهو جائز بإجماع المسلمين، ولا أدلّ على ذلك من زواج عليّ رضي الله عنه من فاطمة بنت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.
إلاّ أنّ الفقهاء قالوا: إنّ الأولى اجتنابُه، ويقصدون بالقرابة: القرابة الوثيقة، لا البعيدة.
وكرهوا ذلك لمفسدتين:
الأولى: اجتماعيّة.
لأنّه لقلّة وعي النّاس، وبعدِهم عن أحكام الشّريعة، أصبح كثيرون بسبب ما يحدث من تنافرٍ بين الزّوجين أو بسبب الطّلاق، يؤدّي ذلك التّنافر إلى أن يتّسع الخلاف والشّقاق فينتقل إلى الأسرتين بكاملهما !
مع أنّ النّكاح ما شُرع إلاّ للمقاربة بين النّاس كما في قوله تعالى:{وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيراً} [الفرقان:54].
الثّانية: صحّية.
لأنّ التّقارب الشّديد قد يؤدّي إلى ظهور إعاقة في الذّرّية، وقد أكّدت الأبحاث العلميّة أنّ ذلك يحدث في كلّ ثلاث حالات.
أمّا العلّة الأولى فلا يمكن تفاديها إلاّ بتقوى الله ذي الجلال، ووعي العقلاء من الرّجال.
أمّا العلّة الثّانية فيمكن تفاديها بإجراء فحص طبّي، يُعلم منه أنّ ذلك لا يضرّ.
تنبيه:
أمّا ما ينتشر على ألسنة العوامّ من أحاديث في هذا الباب، فلا تصحّ عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، من ذلك:
( تخيّروا لنطفكم، فإن العرق دساس )، و( اغتربوا لا تضووا )، أي: تزوجوا الأغراب، حتّى لا تضعف الذرية.
وهذان الحديثان لا أصل لهما كما في " تذكرة الموضوعات " (1/127)، و" تخريج أحاديث الإحياء "، إلاّ جملة: (( تَخَيَّرُوا لِنُطَفِكُمْ )) فهي صحيحة، كما في " السّلسلة الصّحيحة " (1067).
والله تعالى الموفّق لا ربّ سواه.