- شرح الحديث:
- قوله: ( وَلْيُحَدِّثْ بِمَا رَأَى ): بالقيد المذكور في الأحاديث السّابق ذكرها، وهو ألاّ يُحدّثَ بها إلاّ عالماً ناصحاً.
- قوله: ( وَلَا يَذْكُرْهَا لِأَحَدٍ ): هذا الحديث فيه ذكر:
الأدب الرّابع: وهو ألاّ يقصّ ما يًكره من الرُّؤَى على أحد أيّاً كان.
فلربّما أُوِّلت، و(( الرُّؤْيَا عَلَى رِجْلِ طَائِرٍ )) كما قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم.
ومن أمثلة الرّؤيا الّتي لا ينبغي التّحديث بها: ما رواه مسلم عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه عَنْ أَنَّ أَعْرَابِيًّا جَاءَ فَقَالَ: إِنِّي حَلَمْتُ أَنَّ رَأْسِي قُطِعَ، فَأَنَا أَتَّبِعُهُ ؟! فَزَجَرَهُ النَّبِيُّ صلّى الله عليه وسلّم وَقَالَ: (( لَا تُخْبِرْ بِتَلَعُّبِ الشَّيْطَانِ بِكَ فِي الْمَنَامِ )).
فالنبيّ صلّى الله عليه وسلّم علِمَ أنّ هذا من تخويف الشّيطان إمّا بدلالة من الرّؤيا، أو من الوحي، أو أراد أن لا يبْنِيَ الأعرابيّ على ما رآه شيئا؛ فإنّ المعبّرين يؤوّلون ذلك بزوال الملك وذهاب الجاه، إلاّ في حقّ العبد، فإنّه دالّ على العتق.
- قوله:" رواه التّرمذي، وقال: حديث حسن صحيح": قال الشّيخ الألبانيّ رحمه الله: " قلت: رواه البخاري أيضا، والنّسائي في "اليوم واللّيلة" (505-506) وانظر التّعليق على " صحيح الجامع " (1/210) ".
- الحديث الثّالث:
وَعَنْ أَبِي قَتَادَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلّى الله عليه وسلّم:
(( الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ مِنْ اللهِ، وَالْحُلْمُ مِنْ الشَّيْطَانِ، فَمَنْ رَأَى شَيْئًا يَكْرَهُهُ فَلْيَنْفُثْ عَنْ شِمَالِهِ ثَلَاثًا، وَلْيَتَعَوَّذْ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ، فَإِنَّهَا لَا تَضُرُّهُ )).
[رواه البخاري، ومسلم، والتّرمذي، والنّسائي، وابن ماجه]. وفي رواية للبخاري ومسلم:
((... وَإِذَا رَأَى مَا يَكْرَهُ، فَلْيَتَعَوَّذْ بِاللَّهِ مِنْ شَرِّهَا وَشَرِّ الشَّيْطَانِ، وَلْيَتْفُلْ عَنْ يَسَارِهِ ثَلَاثًا، وَلَا يُحَدِّثْ بِهَا أَحَدًا، فَإِنَّهَا لَنْ تَضُرَّهُ )).
- شرح الحديث:
- قوله: (الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ مِنْ اللَّهِ ): قال النّووي رحمه الله في " شرح مسلم ":
" أضاف الرّؤيا المحبوبة إلى الله تعالى إضافة تشريف، بخلاف المكروهة، وإن كانتا جميعا من خلق الله تعالى وتدبيره وبإرادته، ولا فعل للشّيطان فيهما، لكنّه يحضر المكروهة ويرتضيها، ويُسَرّ بها ".
- ( والحُلْمُ من الشّيطان ): قال المصنّف رحمه الله:" ( الحُلُم )- بضمّ الحاء وسكون اللاّم، وبضمّها -: هو الرّؤيا، وبالضمّ والسّكون فقط هو رؤية الجماع في النّوم، وهو المراد هنا ".
- ( فَلْيَتْفُلْ ): قال المصنّف رحمه الله:" - بضمّ الفاء وكسرها - أي: فليبزق. وقيل: التّفل أقلّ من البزق، والنّفث أقلّ من التّفل ".
- الحديث الرّابع:
وروياه أيضا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه وَفِيهِ:
((... فَمَنْ رَأَى شَيْئًا يَكْرَهُهُ، فَلَا يَقُصُّهُ عَلَى أَحَدٍ، وَلْيَقُمْ فَلْيُصَلِّ )).
- شرح الحديث: هذا الحديث فيه ذكر:
الأدب الخامس: وهو الصّلاة.
فهذا أصل مطّرد في الشّرع، قال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} [البقرة:153].
وفي سنن أبي داود ومسند أحمد عَنْ حُذَيْفَةَ رضي الله عنه قَالَ: ( كَانَ النَّبِيُّ صلّى الله عليه وسلّم إِذَا حَزَبَهُ أَمْرٌ صَلَّى ).
ولأجل ذلك شرعت الاستخارة، وصلاة الخسوف والكسوف، وصلاة الحاجة، وغير ذلك.
والله تعالى الموفّق لا ربّ سواه.