- ص 144-145: قوله تعالى:{ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا لِيَمْكُرُوا فِيهَا } [الأنعام من: 123] قال رحمه الله:
"... يكونُ أكابرُها المجرمون ماكرين فيها بالرّسل في عهدِهم، وبسائرِ المصلحين من بعدهم ... يمكرون بالنّاس من أفرادِ أمّتِهم وجماعاتِها؛ ليحفظوا رياستَهم ويعزِّزوا كبرياءَهم ويُثَمّروا مطامعَهم فيه ... وقد عظُمَ هذا المكرُ في هذا العصر، فصار قطبَ رحى السّياسة في الدّول، وعَظُم الإفك بعِظَمِه لأنّه أعظم أركانه ".
- وفي تفسير قوله تعالى:{ إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلاَّ الْمُتَّقُونَ } [الأنفال من: 34] ردّ على الصّوفية قائلا:
" هذا، وإنّ جماهير المسلمين في أكثرِ بلادهم صاروا في هذا العصر أجهلَ من مشركي قريشٍ في ذلك العصر بمعنى ولاية الله وأوليائه ... وجهلهم بهذه أعمّ وأعمق، فالولاية عندهم تشمل المجانين والمجاذيب الّذين ترتع الحشرات في أجسادهم النّجسة، وثيابِهم القذرة، ويسيل اللّعاب من أشداقهم الشّرِهَة، وتشمل أصحابَ الدَّجَل والخرافات، والدّعاوى الباطلة للكرامات، والشّرك بالله بدعاء الأموات، ومن أدلّتهم عليها ما يتخيّلون من رُؤَى الأنبياء والأقطاب في المنام، وما يزعمون من تلقّيهم عنهم ما تنبُذُه شريعةُ المصطفى عليه السّلام، حتّى صار ما هم عليه دينَ شركٍ منافيا لدين الإسلام ".
- ص 147-148: لكثرة تنزيلات رشيد رضا الاجتماعية عُدّ رائد مدرسة التّفسير الاجتماعي.
- في تفسير المنار (2/199) ذكر قولين في تفسير قوله تعالى:{ وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا ...}:" والقول الآخر: أنّ المراد بـ (تولّى) صار واليا [1] له حكم ينفذ وعمل يستبدّ به ".
ثمّ قال:" وإفسادُه حينئذٍ يكون بالظّلم مخرّبِ العمران وآفةِ البلاد والعباد، وإهلاكُه الحرثَ والنّسلَ يكون إمّا بسفك الدّماء والمصادرةِ في الأموال، وإمّا بقطع آمال العاملين من ثمرات أعمالهم وفوائد مكاسبهم، ومن انقطع أملُه انقطع عملُه ... فقرأنا وشاهدنا أنّ البلاد الّتِي يفشو فيها الظلم تهلِك زراعتُها، وتتبعها ماشيتُها، وتقلّ ذرّيتُها ... ويفشو فيها الجهلُ، وتفسد الأخلاقُ، وتسوء الأعمالُ حتّى لا يثِقُ الأخُ بأخيه، ولا يثِقُ الابن بأبيه، فيكون بأسُ الأمّة بينها شديدا، ولكنّها تذِل وتخنع للمستعبدين لها ".
- وفي "تفسير المنار" (6/325): وهو يفسر قوله تعالى:{ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ } قال:
" فإنّ كثيرا ممن يعُدُّهم المسلمون من أحبارهم ورؤساءِ الدّين فيهم، وكثيرا من حكّامهم الشّرعيين والسّياسيّين يكذبون كثيرا، ويقبَلون الكذب، ويأكلون السحت، حتى إنهم يأخذون الرشوة من طلبة العلم؛ ليشهدوا لهم زورا بأنّهم صاروا من العلماء الأعلام، ويعطونهم ما يسمّونه " شهادة العالمية "، كما يمنحهم حكامهم الرتب العلمية، وقد تجرأ بعض طلبة الأزهر مرة على شيخنا الإمام، فعرض عليه ثلاثين جنيها؛ ليساعده في امتحان شهادة العالمية ... فلم يملك الأستاذ نفسه من الانفعال أن ضربه ضربا موجعا، وقال: أتطلب مني في هذه السن أن أغش المسلمين بك لتفسد عليهم دينهم بجهلك، بهذه الجنيهات الحقيرة في نظري العظيمة في نظرك، وأنا الذي لم أتدنس في عمري، حتى ولا بقبول الهدية ممن أنقذتهم من الموت ؟! ولو كنت ممن يتساهل في هذا لكنت من أوسع الناس ثروة. أو ما هذا مؤداه ".
- وفي (6/349) في تفسير قوله تعالى:{ أَفَحُكْمَ الجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ } قال:
" يوجد بين المسلمين الجغرافيّين [2] في هذا العصر من هم أشدّ فسادا في دينهم وأخلاقهم من أولئِك الّذين نزلت فيهم هذه الآيات، ومن ذلك أنهم يرغبون عن حكم الله إلى حكم غيره، ويرون أن استقلال البشر بوضع الشرائع خير من شرع الله تعالى، على أنهم لا يعرفون أصول شرع الله ولا قواعده، بل يظنون أنه محصور في هذه الكتب الفقهية التي أكثر ما فيها من آراء أفراد من المجتهدين والمقلدين ...".
- وفي (9/448) عند تفسير قوله تعالى:{ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ } بيّن شرّ بعض الصحفييّن المرتزقة، وأنّهم شر من سفهاء الشعراء القدامى.
- وفي (9/96) وهو يفسّر قولَه تعالى عن بني إسرائيل:{ اِجْعَلْ لَنَا إِلَهاً كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ }، قال:
" والعبرة في هذا أن للمسلمين الآن ذوات أنواط في بلاد كثيرة ... يعكفون عليها، ويطوفون حولها، ويقبلونها ويتمرغون بأعتابها، ويتمسحون بها خاضعين ضارعين، خاشعين داعين راجين شفاء الأدواء، والانتقام من الأعداء، والغنى والثراء، وحَبَلَ العقيم، وردَّ الضالّة، وغيرَ ذلك من النّفع وكشف الضرّ، خلافٌ لنصوص كتاب الله عزّ وجلّ، ولكنّهم لا يعلمون أنّها تسمى في اللّغة العربية آلهة، وأنّ جُلّ ما يأتونه عندها يسمّى عبادة، وأنّه شركٌ جلِيٌّ لا يُغفَر، ولا فرق بينه وبين شرك عرب الجاهلية وأمثالهم إلاّ الاختلاف في التّسمية، فأولئك كانوا يسمّون الأشياء بأسمائها؛ لأنّهم أهل اللّغة، وهؤلاء تحاموا إطلاق لفظ الإله والمعبود والعبادة في هذا المقام، واستباحوا غيرها من الألفاظ كالأولياء والشفعاء والوسيلة والتوسل ".
- تكلّم رحمه الله عن البدعِ المنتشرة في تلكم المحافل الّتي يُقرأ فيها القرآن دون إنصات أو تدبّر، تكلّم عن ذلك في تفسير قوله تعالى:{ وَإِذَا قُرِئَ القُرْآنُ ...}، وفي (9/523) عند تفسير قوله تعالى:{ وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ (21) إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ (22)} [الأنفال] فقال:
" وأمّا المسلمون في هذه البلاد فأكثرُهم اليومَ يسمعون القارئَ يتلو القرآن فلا يستمعون له، ولا يشعرون بأنّهم في حاجة إلى سماعه، وأكثرُ الّذين يستمعون له وينصتون يقصدون بذلك التلذّذ بتجويده، وتوقيع التلاوة على قواعد النغمات، ومنهم من يقصد بسماعه التبرك فقط ... وإذا سمعت بعض السامعين للتلاوة يقول: الله الله، أو غير ذلك من كلمة مفردة أو مركبة أو صوت لا معنى له فإنما ينطق به إعجابا بنغمة التالي، حتى إنهم لينطقون عند سماعه ببعض الأصوات التي تخرج من أفواههم عند سماع الغناء ".
- وفي (8/8) عند تفسير قوله تعالى:{ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا } قال:
" والتغرير بزخرف القول قد ارتقى عند شياطين هذا الزمان ولا سيما شياطين السياسة ارتقاء عجيبا، فإنهم يخدعون الأحزاب منهم والأمم والشعوب من غيرهم فيصورون لها الاستعباد حرية، والشقاوة سعادة، بتغيير الأسماء وتزيين أقبح المنكرات، وإن من الشعوب غرارا كالأفراد، تلدغ من الجحر الواحد مرتين بل عدة مرار، فاعتبروا يا أولي الأبصار ".
- وفي (2/284) تحدّث عن نكاح الكتابية فقال:" وقد حدث بعد ذلك أن فُتِن كثير من الشبّان المصريّين بنساء الإفرنج فتزوّجوا بهنّ، فأفسدْن عليهم أمورهم الدينية والوطنيّة ".
- وفي (1/299) عند قوله تعالى:{فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا} قال:
" قال الأستاذ الإمام: من شاء أن يرى نسخة مما كان عليه أولئك اليهود، فلينظر فيما بين يديه، فإنه يراها واضحة جلية، يرى كتبا ألفت في عقائد الدّين وأحكامه حرّفوا فيها مقاصده وحوّلوها إلى ما يغرّ النّاسَ ويُمنّيهم ويُفْسِد عليهم دينهم، ويقولون: هي من عند الله وما هي من عند الله، وإنما هي صادة عن النظر في كتاب الله والاهتداء به ".
[يتبع إن شاء الله تعالى]
[1] وهو قول مجاهد والضحاك كما في "زاد المسير" (1/171)، وفي "تفسير ابن أبي حاتم" (2/366) سئل مجاهد: كيف توليه فيها ؟ قال: يلي في الأرض، فيعمل فيها بالعدوان والظلم.
[2] مثل هذه العبارات قد يتّخذها بعض من ابتُلِي بتكفير عامّة النّاس مطيّة لمذهبه، فالأولى اجتنابها، فالمسلم الموحّد مهما بلغ به الفسوق فإنّه يبقى مسلما، وتنفعه كلمة التّوحيد يوماً من دهره، كما قال حذيفة رضي الله عنه لصِلة:" تُنجِيهم من النّار، تُنجِيهم من النّار، تُنجِيهم من النّار ". والشّيخ محمّد رشيد رضا لا يقصد بكلامه إلاّ من اعتقد أفضليّة شرع البشر على شرع الله تعالى، بقرينة كلامه بعد.