نصّ الجواب:
الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أمّا بعد:
أوّلا: فاعلم أخي الكريم أنّ هناك مدارسَ متعدّدة في تأليف المعاجم، وأهمّها وأشهرها باختصار شديد ثلاث:
* المدرسة الأولى: وهي مدرسة التّقليبات الصّوتية والاشتقاق الكبير.
ولها خطوتان:
أ) الخطوة الأولى: يرتّب المؤلّف الكلمات حسب مخارج الحروف، لا على نظام الحروف الأبجديّة المعروف.
وكان الأصل أن يبدؤوا بالحروف الجوفيّة، ولكنّها حروف علّة تتعرّض للقلب والإبدال.
ولم يبدؤوا بالهمزة لأنّها تُبدَل هي الأخرى، ولا بالهاء لأنّها حرف مهموس.
فاختاروا البدء بحرف العين، ومن أجل ذلك سمّى الخليل رحمه الله كتابه بـ( العين ).
فكان كتابه مرتّبا على هذا النّحو: ع ح ه خ غ، ق ك، ج ش ض، ص س ز، ط د ت، ظ ث ذ، ر ل ن، ف ب م، و ا ي همزة.
فإذا طلبت كلمة ( أكل ) مثلا، فإنّك لن تجدها في أوّل الكتاب، ولكنّك تجدها في آخره.
ب) الخطوة الثّانية: ثمّ يذكر الكلمات متّبعاً في ذلك نظام ( الاشتقاق الكبير )، فيذكر الكلمة ومقلوباتها في موضع واحد.
فيقول مثلا: (ك ل و)، ثمّ (ك و ل)، ثمّ (و ك ل)، ثمّ ( ل و ك)، ثمّ (ك ل ي)، ثمّ (ك ي ل)، ثمّ (ك ل ا)، ثمّ (ل ك ي)، ثمّ (ك ل ء)، ثمّ (ك ء ل)، ثمّ (ل ك ء)، ثمّ (ء ك ل)، ثمّ (ء ل ك).
وظاهرٌ لكلّ أحدٍ أنّ هذا النّظام صعب اعتماده، قليل روّادُه.
وعلى رأس هذه المدرسة:
- الخليل بن أحمد رحمه الله في كتابه "العين" (تـ175).
- القالي رحمه الله في كتابه "البارع" (356).
- الأزهري رحمه الله في كتابه "تهذيب اللّغة" (تـ370هـ).
- الصّاحب بن عبّاد رحمه الله في "المحيط في اللّغة" (385).
- ابن سيده رحمه الله في "المحكم" (458هـ).
وهناك من اعتمد نظام ( الاشتقاق الكبير ) ولكنّه رتّب كتابه على حروف الهجاء، وعلى رأسها:
- كتاب " الجمهرة " لابن دريد رحمه الله (321هـ) فكان البحث في هذا النّوع أسهل.
* المدرسة الثّانية: وهي مدرسة أواخر الأصول ( طريقة الباب والفصل ).
ولها خطوتان أيضا:
أ) الخطوة الأولى: طريقة هذه المدرسة اتّباع نظام الحروف الهجائيّة، ولكن ليس على الطّريقة المعروفة لدينا، وإنّما يتمّ ترتيب الكلمات حسَب أواخر الكلمات. فالباب الأوّل لما آخره همزة، والباب الثّاني لما آخره باء، والباب الثّالث لما آخره تاء ... الخ.
ب) الخطوة الثّانية: جعلوا تحت كلّ باب ثمانية وعشرين فصلا، والفصل الأوّل هو الهمزة، ثمّ الباء، ثمّ التّاء ... الخ.
فإذا بحثت عن كلمة ( كتب ) تجدها في ( باب الباء فصل الكاف )، وكلمة ( أكل ) تجدها في ( باب اللاّم فصل الهمزة )، وهكذا.
وهذه المدرسة أسهل بكثير من مدرسة ( الاشتقاق الكبير ) كما لا يخفَى.
وعلى رأس هذه المدرسة:
- الجوهريّ رحمه الله (400 هـ) في " الصّحاح ".
- الصغّاني رحمه الله (650 هـ) في " العباب ".
- ابن منظور رحمه الله (712 هـ) في " لسان العرب ".
- الفيروز آبادي رحمه الله (816 أو 817 هـ) في " القاموس المحيط ".
- المرتضى الزّبيدي رحمه الله (1205هـ) في " تاج العروس ".
* المدرسة الثّالثة: وهي مدرسة أوائل الأصول، أو الأبجديّة العادية.
وهي الطّريقة المعتمدة لدينا اليوم، بل لدى الأمم جميعها؛ لسهولتها وانضباطها.
وعلى رأسها:
- " أساس البلاغة " للزّمخشري رحمه الله (538).
- " المعجم الوسيط "، وهو من إصدار " مجمع اللّغة العربية بالقاهرة ".
وغيرها من المعاجم الحديثة.
ثانيا: أمّا فيما يخصّ سؤالك الثّاني عن أنفع المعاجم، فإنّ ذلك يختلف باختلاف الطّالب:
- فإن كان ذا نفَسٍ في البحث، فعليه بـ" لسان العرب "، أو " القاموس المحيط ".
- وإن كان لا يريد التّدقيق، ولكنّه يبغي الاختصار مع التّحقيق، فعليه بـ" المعجم الوسيط "، فإنّه نافع جدّا.
والله الموفّق لا ربّ سواه.