* تعريف التمائم: هي جمع تميمة، وهي كلُّ ما عُلِّق من أجْلِ دفع شرّ متوقَّع حصولُه من مرض، أو عين، و رفع شرّ وقع فِعْلا، سواءٌ كان المعلَّق خرزاتٍ، [ما يسمّى عندنا بالعُقّاش]، أو أخشابًا، أو خيوطاً، أو أوراقًا، أو غير ذلك.
- * تعليق التّمائم من أمر الجاهلية:
فقد كان المذهب السّائد عند أهل الجاهليّة أنّ تعليق التّمائم يدفعُ عنهم شرّ الأقدار، ويحميهم ممّا يتوقّعونه من أخطار، فكانوا يعلّقونها لحماية أنفسهم ودوابّهم من الأمراض، وللتغلّب على الأرواح الشّريرة – بزعمهم – واتّقاء الإصابة بالعين، وغير ذلك من الأضرار.
فلمّا كان ذلك هو اعتقاد الجاهليّين في تعليق التّمائم، كان حكم الشّريعة الإسلاميّة على هذا الاعتقاد أنّه جهل وضلال، وإشراك بالله الكبير المتعال، إذ لا مانع ولا دافع غير الله، قال تعالى:{ وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } [ الأنعام:17 ].
وهذه بعض الأحاديث الثّابتة في المنع من هذا الأمر:
1-عَنْ قَيْسِ بْنِ السَّكَنِ الأَسَدِيِّ قَالَ: دَخَلَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْعُودٍ رضي الله عنه عَلَى امْرَأَةٍ، فَرَأَى عَلَيْهَا خَرَزًا مِنَ الحُمْرَةِ، فَقَطَعَهُ قَطْعًا عَنِيفًا، ثُمَّ قَالَ: إِنَّ آلَ عَبْدِ اللهِ عَنِ الشِّرْكِ أَغْنِيَاءُ، كَانَ مِمَّا حَفِظْنَا عَنِ النَّبِيِّ صلّى الله عليه وسلّم: (( إِنَّ الرُّقَى وَالتَّمَائِمَ وَالتِّوَلَةَ شِرْكٌ ))[1].
و( الرُّقَى ) جمع رُقْيَة، وإنّما تكون شركا إذا كانت بغير ما ورد به الشّرع، كالاستعاذة بالجنّ، أو كانت ممّا لا يُفهم معناها، أمّا ما ورد به الشّرع فليست من الشّرك.
و( التّمائم ) سبق تعريفها، ويدخل في التّمائم تعليق بعضهم الحديدة الّتي توضع في حافر الفرس (والمعروفة عندنا بالصّفيحة)، فترى بعضهم يعلّقها على باب داره، أو في صدر المكان. ومثله تعليق بعض السّائقين نَعْلاً في مقدّمة السّيارة أو مؤخّرتها، أو الخرز الأزرق على مرآة السّيارة الّتي تكون أمام السّائق من الدّاخل، كلّ ذلك من أجل دفع العين – زعموا –.
وغير ذلك ممّا عمَّ وطمَّ بسبب الجهل بالتّوحيد، وما ينافيه من الشّركيّات والوثنيّات الّتي ما بُعثَ الرّسل ولا أنزلت الكتب إلاّ من أجل إبطالها، والقضاء عليها، فنسأل الله تعالى أن يردّ المسلمين إلى دينهم ردّا جميلا.
ويلحق بذلك من يجعل على داره نباتا معيّنا ذا أشواك، وأجهل منه من يضع عجلات السّيارات أمام باب داره ..
( والتِّوَلَة ): شيء يعلّقونه على الزّوج، فيزعمون أنّه يحبّب الزّوجة إلى زوجها، والزّوج إلى امرأته !
ومثل ذلك ( الدّبلة ) وهي خاتم خاصّ يُشترى عند الزّواج يوضع في يد الزّوج، وإذا ألقاه الزّوج قالت المرأة: إنّه لا يحبّها، فهم يعتقدون فيه النّفع والضّر، ويقولون: إنّه ما دام في يد الزّوج فإنّه يعني أنّ العلاقة بينهما ثابتة، والعكس بالعكس، فإذا وجدت هذه النيّة، فإنّه من الشّرك، وإن لم توجد هذه النيّة ففيه تشبّه بالنّصارى فإنّها عادة مأخوذة عنهم [انظر " آداب الزّفاف " للشّيخ الألباني].
2-ما رواه الإمام أحمد عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ الْجُهَنِيِّ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم أَقْبَلَ إِلَيْهِ رَهْطٌ، فَبَايَعَ تِسْعَةً، وَأَمْسَكَ عَنْ وَاحِدٍ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ ! بَايَعْتَ تِسْعَةً وَتَرَكْتَ هَذَا ؟ قَالَ صلّى الله عليه وسلّم : (( إِنَّ عَلَيْهِ تَمِيمَةً )) فَأَدْخَلَ يَدَهُ فَقَطَعَهَا، فَبَايَعَهُ، وَقَالَ: (( مَنْ عَلَّقَ تَمِيمَةً فَقَدْ أَشْرَكَ ))[2].
- * متى تكون التمائم شركا أكبر ومتى تكون شركا أصغر ؟
التّمائم الشّركية تختلف حسب الأحوال، وحسب المعلِّق لها، فقد تكون شركا أكبر، وقد تكون شركا أصغر:
- فالّذي يعلّق شيئا ويعتقد فيه النّفع والضرّ لذاته، وأنّه حافظ من دون الله، فهذا شرك أكبر.
- أمّا إذا اعتقد أنّه سبب للسّلامة من العين، وأنّ الحافظ هو الله، فهذا من الشّرك الأصغر، ويحرم فعله لأنّه حينئذ ذريعة إلى الشّرك الأكبر، ولأنّه اعتبر ما ليس سببا من الأسباب الّتي شرعها الله تعالى.
- * حكم التمائم من القرآن:
التّمائم الّتي تُتّخذ من الآيات القرآنيّة على أشكال مختلفة:
- منها ما يكتب في أوراق ثمّ تحاط بجلد صغير، ومنها مصاحف تطبع بحجم صغير جدّا لتعلّق في الرّقبة، ومن النّاس من يحملها معه دون تعليق.
- ومنها كتابة بعض الآيات القرآنية في قطع ذهبية أو فضّية أو غيرهما، وغالبا ما تُعلّق في أعناق الصّبيان، وعلى السيّارات، كآية الكرسيّ مثلا، وغير ذلك من الصّور المختلفة.
وهذا النوع من التمائم التي ليس فيها إلاّ قرآن قد اختلف العلماء في تعليقه فمنهم من منعه ومنهم من أجازه، وإليك أقوالَهم:
القول الأوّل: تحريم تعليقها، واستدلّوا بما يلي:
1- عموم النّهي الوارد في تحريم التّمائم، ولم يأتِ ما يخصّص هذا العموم. والقاعدة الأصوليّة تقول: إنّ العامّ يبقى على عمومه، حتّى يرد دليل بالتّخصيص.
فالأحاديث السّابقة دلّت بعمومها على منع التّعليق مطلقا، ولم يرِد ما يخصّص التّمائم الّتي من القرآن أو غيره.
2- لو كان هذا العمل مشروعا لبيّنه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لأمّته، إذ لا يؤخّر البيان عن وقت الحاجة، والمتتبّع للسنّة يرى أنّ جميع الأحاديث الواردة في الأذكار والدّعوات وردت بلفظ: ( من قال كذا ) أو ( من قرأ كذا )، ولم يرد في حديثٍ واحد أنّه قال: ( من كتب كذا ) أو ( علّق كذا ).
وفي ذلك قال ابن العربيّ المالكيّ رحمه الله:" وتعليق القرآن ليس من السنّة، وإنّما السنّة فيه الذّكر دون التّعليق ".
3- سدّ الذّرائع، وهذا أمر عظيمٌ في الشّريعة، ومعلوم أنّنا إذا قلنا بجواز تعليق التّمائم الّتي من الآيات القرآنيّة، والدّعوات النبويّة، فُتِح بابٌ من الشّرك لن يُغلق أبدا، واشتبهت التّميمة الجائزة بالممنوعة، وتعذّر التّمييز بينهما إلاّ بمشقّة عظيمة، وعندئذ يستغلّ هذا البابَ دعاةُ الضّلال والخرافات.
وأيضا فإنّ هذه التّمائم تُعَرِّض القرآن للنّجاسات والأماكن الّتي يجب أن يُنزَّه القرآن عنها، ومن علّقه يتعذّر عليه المحافظةُ على ذلك، خاصّة عندما يعلَّقُ على الأطفال.
القول الثاني: جواز تعليق التّمائم من القرآن، واستدلّوا بما يلي:
1- ما رواه أحمد والتّرمذي وغيرهما عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُكَيْمٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم: (( مَنْ تَعَلَّقَ شَيْئًا وُكِلَ إِلَيْهِ ))[3].
ووجه الدّلالة: أنّ من علّق التّمائم الشّركيّة وُكِلَ إليها، ومن علّق القرآنَ تولاّه الله، ولا يكله إلى غيره، لأنّه تعالى هو المرغوب إليه، والمتوكَّل عليه في الاستشفاء بالقرآن.
وأجيب عن ذلك، بأنّ هذا الكلام حقّ، فالمرغوب إليه، والمتوكَّل عليه في الاستشفاء بالقرآن هو الله عزّ وجلّ، ولكنْ يكون ذلك حسَب ما ورد في الشّرع، والّذي ورد هو الاستشفاء به عن طريق الرُّقَى، لا التّعليق له، وتعليق ورقه وجلده.
ولو كان من تعلّق القرآنَ وُكِل إليه، لكفانا إذاً أن نتعلّق بالقرآن، وما جاء من أذكار الصّباح والمساء، ولا داعي لقراءتِه وقراءةَ تلك الأذكار، وفي ذلك تعطيلٌ لما ثبت في السنّة من الرُّقى ثبوتا صحيحا بشيءٍ لم يثبت أصلا.
ونجد أنّ من تعلّق القرآن طالما التفت قلبُه عن الله، فلو نُزِعت تلك التّميمة الّتي عليه لتغيّر وخاف من حصول المكاره والأخطار، فلو كان قلبُه متعلِّقا بالله، لكان واثقا بالله تمام الثّقة، ولم يلجأ إلى شيء لم ترد السنّة به، فهو لم يتعلّق بالقرآن حقيقةً، وإنّما تعلّق بتلك الأوراق، وما عليها من الجلود.
2- كما استدلّوا: بأثر عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه، وأنّه كان يعلّق ألواحا من القرآن على أولاده.
وهذا لو صحّ عنه لحُمِل على أنّه علّقه عليهم ليحفظوه هم، لا لتحفظهم الألواح، ومع ذلك فإنّ الأثر لم يصحّ عنه رضي الله عنه.
* التّرجيح:
وبعد عرض الأدلّة لكل من القولين، يتبيّن لنا أنّ الرّاجح هو القول بعدم جواز تعليق التّمائم من القرآن فضلا عن غيره، وذلك لقوّة أدلّتهم من الأثر والنّظر، ولما فيه من حماية جناب التوحيد من أي شائبة تشوبه وهذا هو المقصد والغاية.
هذا والله نسأل أن يوفّقنا لما يحبّه ويرضاه.
[1]/ رواه الحاكم وقال: " صحيح الإسناد "، ووافقه الذّهبي والألبانيّ في " الصّحيحة " (برقم 331).
[2]/ انظر " السّلسة الصّحيحة " حديث (492)،وحديث (331).
[3]/ " غاية المرام " حديث (297).