وعنه رضي الله عنه أيضا أنّه سئل: من أكرم النّاس عليك ؟ قال: جليسي.
وقال معاوية رضي الله عنه لعرابة الأوسيّ: بأيّ شيء استحققت أن يقول فيك الشمّاخ:
رَأَيْتُ عِرَابَةَ الَأَوْسِيَّ يَسْمُـو *** إِلَى الخَيْرَاتِ مُنْقَطِعَ القَرِيـنِ
إِذَا مَا رَايَـةٌ رُفِعَتْ لِمَجْـدٍ *** تَلَقَّـاهَا عِـرَابَـةُ بِاليَمِيـنِ
فقال عرابة: هذا من غيري أولى بك وبي يا أمير المؤمنين. فقال: عزمت عليك لتخبرنّي ! فقال: بإكرامي جليسي، ومحاماتي عن صديقي. فقال معاوية رضي الله عنه: إذن استحققت.
وقال عليّ بن الحسين: ما جلس إليّ أحد قط إلاّ عرفت له فضله حتّى يقوم.
ولكن لا بدّ أيضا من الصّبر على المقصّر في القيام بها، وكما قال عبد الله بن يزيد رحمه الله:" وطّن نفسك على الجليس السّوء، فإنّه لا يكاد يخطئك ".
وروي هذا من كلام أبي حازم رحمه الله أيضا.
وسنتكلّم عن آداب المجلس والحديث، من خلال بيان الأخطاء التي نقع فيها، وقد قال الحكماء: الخطأ جنديّ من جنود الصّواب.
فمن الأخطاء في المجالس:
1- انتشار المنكر من الكلام:
وقد نهانا الله تعالى في كتابه عن شهود مجالس اللّغو فقال:{وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [الأنعام:68]، وأكّده في سورة النّساء فقال عزّ وجلّ:{وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً} [النساء:140].
ولاحظ ختام الآية، ففيها بيان: أنّ الذي يوالي النّاس في مجالسهم، فقد والاهم في حالهم ومقالهم !
وقد مدح الله في المقابل عباد الرّحمن بقوله سبحانه:{وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَاماً} [الفرقان:72]، وكأنّ الذي يجالس النّاس حال معصيتهم، فقد شهد لهم بالخير، فكان بذلك شاهدا للزّور.
فعلى المسلم أن يجتنب المجالس التي يلقح فيها مثل هذا، فإنّها مئنّة لمولود شؤم.
أمّا من أصاخ السّمع، وأصغى الفؤاد، لمن يغتاب أو ينمّ فهو مشارك له في الإثم، وصدق من قال:
وسَمْعَك صُـنْ عن سماع القبيـح *** كصون اللّسـان عن النّـطق بـه
فإنّـك عنـد استمـاع القبيـح *** شريــكٌ لقائلـه فانـتـبــه
وخاصّة أنّ النّفوس قد مرضت، والقلوب قد صدئت، فإذا استسلمت للأخبار الكاذبة، أو الصّادقة التي تزرع الشّحناء والبغضاء، فلا ريب أنّه لا يبقى له وليّ ولا حميم، كما قال الأعشى:
ومن يُطِـع الواشـين لا يتركوا لـه *** صديقـا، ولو كان الحبيب المقرّبـا
ومنكرات المجالس كثيرة، ولكن حسبنا أن نضع أيدينا على أفظع ما أضحى يملأ مجالسنا:
- نقل الأخبار دون تثبّت، ولا تريّث: وهذا نلمسه في خواصّ الملتزمين بتعاليم ربّ العالمين ! إذا سمع أحدهم خبرا طار به كلّ مطار، وسعى في بثّه ونشره حتّى يبلغ الأقطار، غافلا عن قول الواحد القهّار:{إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ} [النور:15]، وعن قول النبيّ المختار صلّى الله عليه وسلّم: (( كَفَى بِالْمَرْءِ كَذِبًا أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ )) [رواه مسلم في "مقدّمة صحيحه" مرفوعا، ورواه موقوفا على عمر وابن مسعود رضي الله عنه].
ولا يخلُو الخبر من أحد صورتين:
أ) أن يكون كذبا، فيدخل ناقله في الوعيد الشّديد، وهو قول النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: (( رَأَيْتُ اللَّيْلَةَ رَجُلَيْنِ أَتَيَانِي فَأَخَذَا بِيَدِي فَأَخْرَجَانِي إِلَى الْأَرْضِ الْمُقَدَّسَةِ، فَإِذَا رَجُلٌ جَالِسٌ وَرَجُلٌ قَائِمٌ بِيَدِهِ كَلُّوبٌ مِنْ حَدِيدٍ، يُدْخِلُ ذَلِكَ الْكَلُّوبَ فِي شِدْقِهِ حَتَّى يَبْلُغَ قَفَاهُ، ثُمَّ يَفْعَلُ بِشِدْقِهِ الْآخَرِ مِثْلَ ذَلِكَ، وَيَلْتَئِمُ شِدْقُهُ هَذَا فَيَعُودُ، فَيَصْنَعُ مِثْلَهُ. قُلْتُ: مَا هَذَا ؟ قَالَا:... أَمَّا الَّذِي رَأَيْتَهُ يُشَقُّ شِدْقُهُ، فَكَذَّابٌ يُحَدِّثُ بِالْكَذْبَةِ فَتُحْمَلُ عَنْهُ، حَتَّى تَبْلُغَ الْآفَاقَ، فَيُصْنَعُ بِهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ )) [رواه البخاري].
هذا قاله صلّى الله عليه وسلّم في زمنه، فلا تتحدّث عن زمن الشّبكة العنكبوتيّة، الّتي ينتشر الخبر عن طريقها بسرعة البرق !
ب) وإن كان الخبر صدقا، فما معنى النمّام ؟! وأين السِّتر الذي أمر به ربّنا العلاّم، والمصطفى عليه الصّلاة والسّلام ؟!
فاحذر النّميمة ! قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (( لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ قَتَّاتٌ )) وفي لفظ: (( نمّام )) [متّفق عليه].
والزم السّتر على المسلم ؟ (( مَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا، سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ )) [متّفق عليه].
وقديما قيل: ( إنّ معاصي اللّسان فاكهة الإنسان )، كالنّميمة، والكذب، والمراء، والغيبة، والثّناء على النّفس، وغير ذلك.
فعلى المسلم أن يجتنب الخوض في المهالك في مجالسه، وذلك لعظم شأن اللّسان، وإنّما كان الصّبر عليه من أعظم أنواع الصّبر لسببين اثنين: الأوّل: قوّة الدّاعي إلى الكلام. والثّاني: سهولة حركته.
فإذا اجتمع هذان الأمران ضعف الصّبر، فما بالك إذا كان الجليس ممّن يعين على ذلك ؟! فلا ريب أنّه هالك.
ومن الواجب أن نبيّن الطّرق المعينة لحفظ الألسنة، وهي خمسة طرق:
1-الطّريق الأوّل: التفكّر فيما يقوله العبد:
فيقول رسولُ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم: (( مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا، أَوْ لِيَصْمُتْ )). وذلك بأن ينظر إلى المصلحة من كلامه، فإن كان خيرا تكلّم به، وإلاّ رجع، فقد كان السّلف لا يندمون على شيء ندمهم على الكلمة:
قال الفضيل بن عياض رحمه الله:" لا الحجّ ولا الجهاد ولا الرّباط أشدّ من حبس اللّسان ".
وعن صالح بن أبي الأخضر قال: قلت لأيّوب أوصني، قال: أقلل من الكلام.
وقيل لأحد العلماء: إنّك تطيل السّكوت ؟ قال: رأيت لساني سَبُعاً عقورا، أخاف إن أطلقته أن يعقِرني.
وكان رجل يجلس إلى الشّعبي رحمه الله تعالى فيُطيل السّكوت، فقيل له: ما يمنعك من الكلام ؟ قال:أسكت فأسلم، وأسمع فأعلم.
ومرّ رجل بلقمان الحكيم وعنده ناس يجلسون إليه، فقال: ألست فلان بن فلان ؟ قال: بلى. قال: الّذي كان يرعى عند جبل كذا ؟ قال: نعم. قال: فما الذي بلّغ بك ما أرى ؟! قال:صِدق الحديث، والسّكوت عمّا لا يعنيني.
ورحم الله ابنَ المبارك حين قال:
اغتنـم ركعتين إلى الله زُلـفـى *** إذا كنـت فـارغـا مستريحـا
وإذا هممت بالنّطـق البـاطـل *** فاجـعـل مكـانـه تسبيحـا
فاغتنام السّكـوت أفضل مـن *** خوضٍ وإن كنت بالكلام فصيحا
وممّا يدلّ على وجوب التّريّث الحديث السّابق ذكره: (( كَفَى بِالْمَرْءِ كَذِبًا أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ )).
وانظر إلى وصف القرآن الكريم لآفة نقل الأخبار دون تثبّت:{إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ} [النور:15].
فقال ( إذ تلقّونه بألسنتكم )، مع أنّ المرء يتلقّى الخبر بأذنيه، وذلك كناية عن السّرعة في نقل الخبر، وكأنّه لم يمرّ على الأذن.
2- الطّريق الثّاني: أن يتذكّر أنّ اللّسان من أجلّ نعم الله على الإنسان:
هذه النّعمة التي فرّق الله بها بينه وبين البهائم، لأنّه على قدر النّعمة وجلالتها وعظمتها، يعظم شكرها، كما يعظم عقاب من يكفرها.
ولقد بيّن الله تعالى لنا في كتابه العظيم كيف يستفيد المسلم من نعمة اللّسان، فقال:{لاَ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً} [النساء:114]، وكأنّ الألسنة ما خلقت إلاّ لأجل هذا، فانظر إلى حكمة الله وأمره، ثمّ انظر أنّى يُصرفون ؟!
لذلك تعجب من كثرة النّصوص الآمرة بذكر الله تعالى، وتعجب أكثر من كثرة الأوراد والأذكار الثّابتة، تملأ عليك ليلك ونهارك، كما أنّه يَعْظُم عقابُ من يكفرها. وهو الطّريق:
3-الطّريق الثّالث:أن يتذكّر العبد جاء من الوعيد في آفات اللّسان:
- فقد روى الّترمذي وغيره أنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم أَخَذَ بِلِسَانِهِ، وقَالَ – لمعاذ بن جبل -: (( كُفَّ عَلَيْكَ هَذَا )) ! فَقُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللهِ، وَإِنَّا لَمُؤَاخَذُونَ بِمَا نَتَكَلَّمُ بِهِ ؟! فَقَالَ: (( ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا مُعَاذُ ! وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ-أَوْ عَلَى مَنَاخِرِهِمْ- إِلَّا حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ ؟!)).
- وقال صلّى الله عليه وسلّم: (( إِذَا أَصْبَحَ ابْنُ آدَمَ، فَإِنَّ الْأَعْضَاءَ كُلَّهَا تُكَفِّرُ اللِّسَانَ، فَتَقُولُ: اتَّقِ اللَّهَ فِينَا ! فَإِنَّمَا نَحْنُ بِكَ، فَإِنْ اسْتَقَمْتَ اسْتَقَمْنَا، وَإِنْ اعْوَجَجْتَ اعْوَجَجْنَا )) [رواه أبو داود والتّرمذي].
[تكفّر: تتذلّل، قال ابن الأثير: التّكفير أن ينحني للعبد على هيئة تشبه الرّكوع].
- وروى أبو داود والتّرمذي عن عائشةَ رضي الله عنها قالت: قُلْتُ لِلنَّبِيِّ صلّى الله عليه وسلّم: حَسْبُكَ مِنْ صَفِيَّةَ كَذَا وَكَذَا !-تَعْنِي قَصِيرَةً- فَقَالَ صلّى الله عليه وسلّم: (( لَقَدْ قُلْتِ كَلِمَةً لَوْ مُزِجَتْ بِمَاءِ الْبَحْرِ لَمَزَجَتْهُ )).
وصدق الله تعالى القائل:{وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ} [النور: من الآية15] ! فكم من كلمة أورثت مقاطعة إلى الأبد، وكم من كلمة أسقطت شرفاء من شرفات المجد، وقد قال بعض السّلف: إنّ بعض الكلام ليصنع ما لا يصنعه السّاحر في سنة !
وصدق النبيّ صلّى الله عليه وسلّم القائل: (( إِنَّ الرَّجُلَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مَا يَرَى أَنْ تَبْلُغَ حَيْثُ بَلَغَتْ يَهْوِي بِهَا فِي النَّارِ سَبْعِينَ خَرِيفًا )) [رواه أحمد والشّيخان واللّفظ لأحمد].
وقال سفيانُ بنُ عبد الله الثّقفيّ رضي الله عنه: قلت: يَا رَسُولَ اللهِ، حَدِّثْنِي بِأَمْرٍ أَعْتَصِمُ بِهِ، قَالَ: (( قُلْ رَبِّيَ اللَّهُ، ثُمَّ اسْتَقِمْ )) قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ! مَا أَخْوَفُ مَا تَخَافُ عَلَيَّ ؟ فَأَخَذَ بِلِسَانِ نَفْسِهِ، ثُمَّ قَالَ: (( هَذَا )).
4-الطّريق الرّبع: الاشتغال بعيوب النّفس:
فإن رغبت نفسك في الحديث عن شخص، فتذكّر ما في نفسك من عيوب، وما يرتكبه القلب والعين والأذن من ذنوب، وإلاّ كنت قد جمعت بين شرّين: الجهل بعيوب نفسك، والخوض في عيوب غيرك:
لا تعصِ ربَّك قائلا أو فاعلا *** فكلاهما في الصّحْف مكتوبان
جمِّل زمانك بالسّكوت؛ فإنّه *** زَيْنٌ الحليم وسُتـرة الحـيران
لا تشغلنّ بعيب غيرك غافلا *** عن عيب نفسك؛ إنّه عيبـان
وقد قال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: (( أَمْسِكْ عَلَيْكَ لِسَانَكَ، وَلْيَسَعْكَ بَيْتُكَ، وَابْكِ عَلَى خَطِيئَتِكَ )) [رواه التّرمذي].
ورحم الله امرءًا عرف قدر نفسه، فوقف عند حدّه، وقد تسابّ رجلان فقال أحدهما: حلمت عنك بما أعرفه من نفسي.
5- الطّريق الخامس: تذكّر حرمة المسلم.
وذلك في وصيّة نبويّة جمعة في آخر حياته: (( إِنَّ دِمَاءَكُمْ، وَأَمْوَالَكُمْ، وَأَعْرَاضَكُمْ، بَيْنَكُمْ حَرَامٌ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا )) [متّفق عليه].
وقال صلّى الله عليه وسلّم: (( كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ: دَمُهُ، وَمَالُهُ، وَعِرْضُهُ )) [رواه مسلم].
وصعد صلّى الله عليه وسلّم المنبر، فنادى بصوت رفيع، فقال: (( يَا مَعْشَرَ مَنْ أَسْلَمَ بِلِسَانِهِ وَلَمْ يُفْضِ الْإِيمَانُ إِلَى قَلْبِهِ ! لَا تُؤْذُوا الْمُسْلِمِينَ وَلَا تُعَيِّرُوهُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا عَوْرَاتِهِمْ، فَإِنَّهُ مَنْ تَتَبَّعَ عَوْرَةَ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ تَتَبَّعَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ، وَمَنْ تَتَبَّعَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ يَفْضَحْهُ وَلَوْ فِي جَوْفِ رَحْلِهِ )).
قال نافع رحمه الله: نَظَرَ ابْنُ عُمَرَ يَوْمًا إِلَى الْكَعْبَةِ فقال: ( مَا أَعْظَمَكِ وَأَعْظَمَ حُرْمَتَكِ ! وَالْمُؤْمِنُ أَعْظَمُ حُرْمَةً عِنْدَ اللَّهِ مِنْكِ ).
فيجب على المؤمن أن يملأ مجالسه بذكر الله عزّ وجلّ، وليتذكّر قول النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: (( مَا مِنْ قَوْمٍ جَلَسُوا مَجْلِسًا لَمْ يَذْكُرُوا اللَّهَ فِيهِ إِلَّا رَأَوْهُ حَسْرَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ )).
وفي رواية: (( مَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فَتَفَرَّقُوا عَنْ غَيْرِ ذِكْرِ اللهِ إِلَّا كَأَنَّمَا تَفَرَّقُوا عَنْ جِيفَةِ حِمَارٍ، وَكَانَ ذَلِكَ الْمَجْلِسُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً )).
الشّاهـد: أنّ الواجب على المؤمن أن ينْتَقِيَ من المجالس أنفعَها، وهو أوّل واجب من واجبات آداب المجالس، والتّهاون في انتقائها من أعظم أخطاء المجالس.