ففي الصّحيحين عنْ ابنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهما عن النّبِيِّ صلّى الله عليه وسلّم قال: (( مَنْ تَحَلَّمَ بِحُلْمٍ لَمْ يَرَهُ كُلِّفَ أَنْ يَعْقِدَ بَيْنَ شَعِيرَتَيْنِ وَلَنْ يَفْعَلَ، وَمَنْ اسْتَمَعَ إِلَى حَدِيثِ قَوْمٍ وَهُمْ لَهُ كَارِهُونَ أَوْ يَفِرُّونَ مِنْهُ صُبَّ فِي أُذُنِهِ الْآنُكُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ صَوَّرَ صُورَةً عُذِّبَ وَكُلِّفَ أَنْ يَنْفُخَ فِيهَا وَلَيْسَ بِنَافِخٍ )).
وهو من صور التجسّس المنهيّ عنه في قوله عزّ وجلّ:{وَلا تَجَسَّسُوا} [الحجرات:12].
وفي مسند الإمام أحمد عن سعيدٍ المَقْبُرِيِّ قال: جَلَسْتُ إِلَى ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنه وَمَعَهُ رَجُلٌ يُحَدِّثُهُ، فَدَخَلْتُ مَعَهُمَا، فَضَرَبَ بِيَدِهِ صَدْرِي، وَقَالَ: أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم قَالَ: (( إِذَا تَنَاجَى اثْنَانِ فَلَا تَجْلِسْ إِلَيْهِمَا حَتَّى تَسْتَأْذِنَهُمَا )).
- نظر الرّجل إلى متاع غيره دون إذنه أو رضاه:
وهذا الخطأ دركات:
أ) فمنه ما ظاهره خراب، وباطنه يَباب، كمن يتعمّد فتح غرض أخيه للاطّلاع على ما فيه ! ويحيط بالظّرف وما يعيه ! وهو عين الفضول، منافٍ لشيَمِ الصّالحين والفحول.
ومن طريف ما ذكره ابن عبد البرّ رحمه الله في " بهجة المجالس " أنّه: قيل لِمَزِيدٍ رحمه الله - وهو يحمل شيئاً تحت إبطه -: يا مزيدُ ! ما هذا الّذي تحت حضنك ؟ قال: يا أحمقُ ! ولِمَ خبّأته ؟
ب) وهناك من الأخطاء ما هو دون ذلك، كمن يفتح كتابَ غيره بنيّة المطالعة دون إذنه !
وهذا لا شكّ أنّه غلط؛ فقد يضع المرءُ ما هو من أسراره في كتابه، فمن الواجب الاستئذان قبل الاطّلاع عليه.
قال أبو بكر بن عسكر رحمه الله: كنت عند أبي عبد الله، وعنده الهيثم بن خارجة، فذهبت أنظرُ في كتاب أبي عبد الله، فكره أبو عبد الله أن أنظر في كتابه.
وروى ابن أبي شيبة في " مصنّفه " في باب " الرّجُلِ يَجِدُ الكِتَابَ يَقْرَأُهُ أَمْ لَا ؟" قال: عن ابنِ سِيرِينَ قال: قلتُ لِعَبِيدَةَ: وَجَدْت كِتَابًا أَقْرَؤُهُ ؟ قَالَ: لَا.
واطّلع عبد الرّحمن بن مهدي في كتاب أبي عوانة بغير أمره، فاستغفر الله مرّتين.
والله تعالى الموفّق لا ربّ سواه.