الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أمّا بعد: وعليكم السّلام ورحمة الله وبركاته.
أوّلا: فقد شاع لدى الحجّامين، ولدى عوامّ المسلمين، أنّ أحسن أوقات الحجامة هو اليوم السّابع عشر، والتّاسع عشر، والحادي والعشرون، والصّواب هو التّفصيل:
أ) فإن استحسنوا ذلك من جهة الطبّ، فأهل الخبرة هم المرجع في ذلك بلا ريب.
وينبغي أن نعلم أنّ الحجامة نوعان:
حجامة وقائيّة: وهي الّتي تكون من غير علّة أو مرض.
وحجامة علاجيّة: وهي الّتي تكون من أجل تخفيف الألم ودفعه.
فاستحسان الأطبّاء لهذه الأيّام إنّما هو خاصّ بالحجامة الوقائيّة، لا الحجامة العلاجيّة.
ب) أمّا إن استحسنوا ذلك من جهة الشّرع، فاعلم أنّه لم يثبت في هذا الباب شيء عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، وإليك كلام إمامين من أئمّة الحديث:
- قال العقيلي رحمه الله في" الضّعفاء "(1/150):" وليس في هذا الباب في اختيار يوم للحجامة شيء يثبت " اهـ.
- ونقل عمر الموصلي رحمه الله في " المغني عن الحفظ والكتاب " (ص 517 مع جنّة المرتاب) عن العقيليّ رحمه الله الكلام السّابق وأضاف قائلا:" وقال عبد الرّحمن بن مهدي: ما صحّ عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فيها شيء، إلاّ أنّه أمر بها " اهـ.
وكفى بهذين الإمامين حجّة.
ثانيا: أمّا الاحتجام داخل المسجد، فإنّ الأصل أنّ المساجد وُضعت وبُنِيت لأجل العبادة، لما رواه مسلم عن بريدةَ رضي الله عنه أَنَّ رَجُلًا نَشَدَ فِي الْمَسْجِدِ، فَقَالَ: مَنْ دَعَا إِلَى الْجَمَلِ الْأَحْمَرِ ؟ فَقَالَ النَّبِيّ صلّى الله عليه وسلّم: (( لَا وَجَدْتَ ! إِنَّمَا بُنِيَتْ الْمَسَاجِدُ لِمَا بُنِيَتْ لَهُ )).
قال النّووي رحمه الله في "شرحه لصحيح مسلم ":" وقوله صلّى الله عليه وسلّم: (( إِنَّمَا بُنِيَتْ المَسَاجِدُ لِمَا بُنِيَتْ لَهُ )) معناه: لِذِكْرِ الله تعالى، والصّلاة، والعلم، والمذاكرة في الخير، ونحوها.
قال القاضي: فيه دليل على منع عمل الصّانع في المسجد كالخياطة وشبهها. قال: وقد منع بعض العلماء من تعليم الصّبيان في المسجد !
قال: قال بعض شيوخنا: إنّما يمنع في المسجد من عمل الصّنائع الّتي يختصّ بنفعها آحادُ النّاس ويكتسب به, فلا يتّخذ المسجد متجرا, فأمّا الصّنائع لّتي يشمل نفعُها المسلمين في دينهم كالمثاقفة، وإصلاح آلات الجهاد، ممّا لا امتهان للمسجد في عمله, فلا بأس به ".
فنلحظ أنّ العلماء اشترطوا شرطين اثنين:
الأوّل: أن يكون النّفع عامّا.
الثّاني: ألاّ يكون فيه امتهان للمسجد.
ولا شكّ أنّ الحجامة في المسجد قد تخلو من الشّرط الأوّل أحيانا، ومن الشّرط الثّاني دائما؛ إذ أنّ نزع الدمّ في المسجد يصاحبه وقوع قطرات الدمّ أو نحو ذلك من الأوساخ، وهذا محرّم.
انظر كلام الزّركشيّ في "أحكام المساجد" (ص 235)، والنّووي في "شرح المهذّب" (2/180)، وابن مفلح في "الفروع" (4/633)، وغيرهم.
لكنْ، إن كان هناك مكان في المسجد لا يُصلّي النّاس فيه، كالمواضع الّتي تُجعل لوضع الأغراض فيها فجائز بشرط ألاّ تكون مقابل أجرة على ذلك، وإلاّ كان قد اتّخذ المسجد متجرا.
والله تعالى أعلم، وأعزّ وأكرم.