والوشم من الكبائر بإجماع أهل العلم؛ لما رواه البخاري ومسلم عن عبدِ الله بنِ مسعودٍ رضي الله عنه قال: (( لَعَنَ اللَّهُ الْوَاشِمَاتِ وَالْمُسْتَوْشِمَاتِ، وَالْمُتَنَمِّصَاتِ، وَالْمُتَفَلِّجَاتِ لِلْحُسْنِ الْمُغَيِّرَاتِ خَلْقَ اللَّهِ )).
ويلحق بذلك استخدام بعض المواد الكيميائية، والأعشاب الطبيعية التي تغيِّر من لون البشرة، حيث تصبح البشرة السّمراء بعد استعمال تلك المواد بيضاء.
بل ذلك أشدُّ تغييراً لخلق الله تعالى من الوشم.[انظر:" مجموع فتاوى الشّيخ ابن عثيمين رحمه الله "(17/ جواب السؤال رقم 4)].
ب) أمّا النّقش والرّسم بالحنّاء أو بما يُسمّى بالحرقوس – وهو مادّة تصنع من البخور والعفس والجاوي وأشياء أخرى تخلط وتمتزج وتستعمل للنقش والزينة كالحنّاء – فلا يُعدّ وَشْمًا، لأنّه مجرّد رسم على الجسم.
وقد ظهر هذا العصر أيضا ما يُسمّى بـ" الوشم اللاّصق "، وهي تسمية تشبيهيّة فحسب، وليست حقيقيّة.
- الفرق الثّاني: أنّ هناك فرقا بين الزّينة الدّائمة والمؤقّتة.
فالزّينة الثّابتة الدّائمة هي التي تغيِّر لون وشكل العضو، وهي محرّمة؛ لأنّها من تغيير خلق الله عزّ وجلّ.
والزّينة المؤقّتة ليس فيها ذلك، فهي مباحة لا تختلف عن أحمر الشّفاه ونحوه من أداوت الزّينة.
فالنّقش والرّسم بالحناء – وما يشبهه – زينة مؤقّتة، وليس تغييراً للون الجلد، وإنّما هو رسم ونقش يزول بعد مدّة، فيلحق بالخضاب لا بالوشم.
- حكم النّقش بالحِنّاء على الجسم:
فإذا علمنا الفرق بين الوشم والنّقش بالحِنّاء، أدركنا أنّه لا يلحق به في الحكم.
ولكن قد كره بعض أهل العلم النّقش بالحِنّاء على الجسم؛ فقد سئل الإمام أحمد رحمه الله عن ذلك فقال:" لِتَغْمِسْ يَدَهَا غَمْسًا "، أي: لتُخضِب يدها كاملة، وتجتنب خضْب بعض يدها. وبعضهم أجازه للزّوج فحسب.
[" الإنصاف " للمرداوي (1/99)، و" الفروع " لابن مفلح (1/161)].
ولعلّ أسباب الكراهة لذلك:
أ) أنّ في ذلك تشبّها بزينة محرّمة، فمثل ذلك كمثل من باع العصير في قارورات الخمر !
ب) وقد يُطعَن في دين المرأة من أجل ذلك، لتوهّم استعمالها للوشم !
ت) ثمّ إنّ الجاهلة بحقيقة النّقش بالحِنّاء قد تظنّه وشما، وتظنّ جوازه، خاصّة إذا رأته على ذوات الدّين والصّلاح.
لذلك من أجازه من أهل العلم اشترط شروطا مهمّة:
1- أن يُوضع في مواضع الزّينة كالأطراف، لا في مواضع العورة، كالظّهر والبطن، وغير ذلك، كما يفعله الجاهلات. فإنّ المرأة لا يحلّ لها أن تنظر إلى أكثر من مواضع زينة أختها المرأة.
2- أن يكون الرّسم مؤقّتاً ويُزال، وليس ثابتاً ودائماً كما سبق بيانه.
3- أن تجتنب الأصباغ الّتي تشبه الوشم، فتستعمل لون الحِنّاء ونحوها، لا لون الوشم، حتّى لا يلتبس المباح بالحرام.
4- ألاّ يكون في ذلك تشبّه بالفاسقات أو الكافرات.
5- ألاّ تضع رسوما لذوات الأرواح، ولا شعارات الكفر والفسوق.
6- ألاّ تُظهِر هذه الزّينة لرجل أجنبي عنها.
7- أن لا يكون في تلك الألوان والأصباغ ضرر على جلدها .
تنبيه مهمّ: إنّ ما يُسمّى بـ" الوشم اللاّصق " الاصطناعيّ، محرّم لا من أجل كونه وشما، ولكن من أجل ضرره على الجسم:
فقد جاء في جريدة " اليوم " السّعودية (العدد 11159) عام 1424 هـ/2004 م ما يلي:
" ... حذّر الدّكتور أسامة بغدادي - اختصاصي الأمراض الجلديّة - من الانجراف خلف هذه الملصقات، الّتي تؤدّي إلى تشويه الجسد في المقام الأوّل، وتقود إلى الأمراض الجلديّة، نسبةً لدرجات الصّمغ الموجود خلفها، الّذي يتسرّب عبر مسام الجلد إلى داخل الجسم، ويختلط بالدورة الدموية، كما أنّ المواد الكيميائية الملوّنة بالملصق لها آثار سلبيّة على الصحّة العامّة " اهـ.
ومن قواعد الشّريعة العامّة قوله صلّى الله عليه وسلّم: (( لاَ ضَرَرَ وَلاَ ضِرَارَ )).
والله تعالى وأعلم، وأعزّ وأكرم، وهو الهادي للّتي هي أقوم.