الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وعليكم السّلام ورحمة الله وبركاته، أمّا بعد:
أوّلاً: فإنّ ما ستقوم به جدّتك – حفظها الله وأطال عمرها في طاعته – يعدُّ هِبةً، لأنّها عطيّةٌ حال الحياة.
وضابط الهبة: ما يُعطيه المسلم غيرَه ما زاد على النّفقة الواجبة حال الحياة.
بخلاف ما لو أوصَتْ بالعطيّة بعد وفاتها، فإنّها حينئذٍ تُعدّ وصيّةً، وهي لا تُشرع للورثة؛ قال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: (( إ ِنَّ اللهَ تبارك وتعالى قَدْ أَعْطَى لِكُلِّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ، فَلاَ وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ )) [رواه التّرمذي وأبو داود].
ثانياً: قد اتّفق الفقهاء على أنّه يجب العدل في الهبة بين الأولاد؛ لقوله صلّى الله عليه وسلّم لبشير بْنِ سَعْدٍ رضي الله عنه: (( أَعْطَيْتَ سَائِرَ وَلَدِكَ مِثْلَ هَذَا ؟)) قَالَ: لَا. قَالَ: (( فَاتَّقُوا اللهَ، وَاعْدِلُوا بَيْنَ أَوْلَادِكُمْ )) [رواه البخاري ومسلم].
فلا يحلّ لها أن تعطِي البناتِ - مثلاً - دون الأبناء، إلاّ برضى الأبناء، أو تُعطِيَ بعضاً دون بعض؛ لأنّ ذلك ممّا يجلب العداوة والبغضاء، والحسد والشّحناء بين الأولاد.
ثالثًا: الصّحيح من أقوال أهل العلم - إن شاء الله - أنّ العدلَ المأمورَ به في الهبة هو العدل المأمور به في الميراث نفسُه، بمعنى: أنّها تُعطِي الذّكرَ مثلَ حظّ الأُنثيين.
وبهذا قضى شريح، وإسحاق، ومحمّد بن الحسن، وبه قال الحنابلة، ورجّحه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمهم الله؛ وذلك لما يلي:
أ) أنّ الله تعالى قسم المواريث للذّكر مثلُ حظّ الأنثيين لزيادة حاجته؛ إذ أنّ المهر، والنّفقات إنّما تجب على الذّكر، وهذه الحكمة ظاهرة في الهبة أيضا.
ب) قوله صلّى الله عليه وسلّم: (( أَعْطَيْتَ سَائِرَ وَلَدِكَ مِثْلَ هَذَا )) موافقّ لما ذكرناه، لأنّ ( المِثْلَ ) في الحديث يفسّر بالمثل في قوله تعالى:{لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْن}.
ج) قال عطاء رحمه الله:" ما كانوا يقسمون إلاّ على كتاب الله ". أي: للذّكر مثل حظّ الأنثيين.
والله تعالى أعلم.