الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أمّا بعد:
فاعلم أنّ مقدار الأيّام المذكورة في الآيتين نوعان:
النّوع الأوّل: مقدار اليوم من أيّام الدّنيا عند الله جلّ جلاله.
النّوع الثّاني: مقدار اليوم الواحد من أيّام الآخرة.
- فلو تأمّلنا الآيات الّتي يذكر الله سبحانه فيها أنّ مقدار اليوم كألف سنة ممّا يعدّه الخلق، لوجدناه يتحدّث عن أيّام الدّنيا الّتي يقوم الله سبحانه فيها بالخلق والتّدبير.
فتأمّل سياق آية السّجدة:{ اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ مَا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا شَفِيعٍ أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ (4) يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ (5)}.
ومثل ذلك: قوله تعالى في سورة الحجّ:{وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ (47)}.
- ثمّ تأمّل سياق آية المعارج، فإنّك تراه يتحدّث عن يوم القيامة، وأنّ مقدراه خمسون ألف سنة.
قال تعالى:{سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ (1) لِلْكَافِرِينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ (2) مِنَ اللَّهِ ذِي الْمَعَارِجِ (3) تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ (4) فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلًا (5) إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا (6) وَنَرَاهُ قَرِيبًا (7)}.
فالمولى سبحانه يتحدّث في هذه الآيات عن يوم القيامة وأهواله.
روى الطّبريّ رحمه الله في " تفسيره " عن ابنِ عبَّاس رضي الله عنهما:" هَذا يوم القيامة، جعله الله تعالى على الكافرين مقدار خمسين ألف سنة ".
ومثل هذه الآية ما رواه مسلم عن أبي هريرَةَ رضي الله عنه قال: قال رسولُ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم:
(( مَا مِنْ صَاحِبِ ذَهَبٍ وَلَا فِضَّةٍ لَا يُؤَدِّي مِنْهَا حَقَّهَا إِلَّا إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ صُفِّحَتْ لَهُ صَفَائِحُ مِنْ نَارٍ، فَأُحْمِيَ عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ، فَيُكْوَى بِهَا جَنْبُهُ وَجَبِينُهُ وَظَهْرُهُ، كُلَّمَا بَرَدَتْ أُعِيدَتْ لَهُ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ، حَتَّى يُقْضَى بَيْنَ الْعِبَادِ ...)) الحديث.
الحاصل:
إنّ مقدار اليوم الواحد من أيّام الدّنيا عند الله تعالى كألف سنة عند الخلق، أمّا يوم القيامة عند الله فهو كخمسين ألف سنة عند الخلق؛ لذلك يستقصر الظّالمون مدّة لبثهم في الدّنيا، كما أخبر المولى سبحانه قائلا:{قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ (112) قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَاسْأَلِ الْعَادِّينَ (113) قَالَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (114)} [المؤمنون].
قال ابن حزم رحمه الله في " الفصل " (3/77):
" ... عالم الحساب، ومقداره خمسون ألف سنة ..."، ثمّ ساق الآيات فقال:" فصحّ أنه يوم القيامة، وبهذا أيضاً جاءت الأخبار الثّابتة عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وأمّا الأيّام الّتي قال الله تعالى فيها إنّ اليوم منها ألف سنة فهي أيّام أُخَرُ بنصّ القرآن، ولا يحلّ إحالة نصّ عن ظاهره بغير نصّ آخر، أو إجماع بيقين "اهـ بتصرّف.
والله تعالى أعلم.