فيقول البوصيري في قصيدته:
1- ( يَا أَكرَمَ الخَلْقِ مَا لِي مَنْ أَلُوذُ بِهِ * * * سِوَاكَ عِنْدَ حُلُولِ الحَادِثِ العِمَمِ )
فيستغيث الشّاعر – عفا الله عنه – بالرّسول صلّى الله عليه وسلّم، ويقول له: لا أجد من ألتجئ إليه عند نزول الشّدائد العامّة إلاّ أنت ! وهذا من الشّرك الأكبر – عياذا بالله –، لقوله تعالى:{لاَ تَدْعُ مِنْ دُونِ اللهِ مَا لاَ يَنْفَـعُكَ وَلاَ يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ} [يونس:106] أي المشركين لأنّ:{الشِّرْكَ ظُلْمٌ عَظِيمٌ}، وقوله صلّى الله عليه وسلّم: (( مَنْ مَاتَ وَهُوَ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللهِ نِدّاً دَخَلَ النَّارَ )) [رواه البخاري].
2- ( فَإِنّ مِنْ جُودِكَ الدُّنْيَا وَضَرَّتَهَا * * * وَمِنْ عُلُومِكَ عِلْمُ اللَّوْحِ وَالقَلَمِ )
وهذا تكذيبٌ للقرآن الّذي يقول الله فيه:{وَإِنَّ لَنَا لَلْآخِرَةَ وَالأُولَى}، فالدّنيا والآخرة هي من الله ومن خلْقِهِ، وليست من جود الرّسول صلّى الله عليه وسلّم وخلقه.
والرّسول صلّى الله عليه وسلّم لا يعلم ما في اللّوح المحفوظ، إذ لا يعلم ما فيه إلاّ الله وحده.
فهذا إطراء ومبالغة في مدح الرّسول صلّى الله عليه وسلّم حتّى جعل الدّنيا والآخرة من جود الرّسول صلّى الله عليه وسلّم، وأنّه يعلم الغيب الّذي في اللّوح المحفوظ، بل جعل ما في اللّوح بعضٌ من علمه !
وقد نهانا الرّسول صلّى الله عليه وسلّم عن الإطراء فقال: ((لاَ تَطْرُونِي كَمَا أَطْرَتِ النَّصَارَى ابْنَ مَرْيَمَ، فَإِنَّمَا أَنَا عَبْدٌ، فَقُولُوا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ )) [رواه البخاري].
وفي صحيح البخاري أيضا أنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم سمع جواريَ يضربن بالدفِّ يندُبْنَ من قُتِل من آبائهن يوم بدر، حتَّى قالت جارية: (وَفِينَا نَبِيٌّ يَعْلَمُ مَا فِي غَدِ )! فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: (( لاَ تَقُولِي هَكَذَا ! وَقُولِي مَا كُنْتِ تَقُولِينَ )).
3- ( مَا سَامَنِي الدَّهْرُ ضَيْماً وَاسْتَجَرْتُ بِهِ * * * إِلاَّ وَنِلْتُ جِوَاراً مِنْهُ لَمْ يُضَمِ )
يقول: ما أصابني مرض أو همٌّ وطلبت منه الشّفاء، أو تفريج الهمّ، إلاّ شفاني وفرَّج همّي !
والقرآن يحكي عن إبراهيم عليه السّلام قولَه عن الله عزّ وجلّ:{وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ} [الشعراء80].
والله تعالى يقول:{وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُو} [الأنعام 17]، والرّسول صلّى الله عليه وسلّم يقول: (( إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلِ اللهَ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللهِ )) [رواه الترمذي، وقال: حسن صحيح].
4- (فَإِنَّ لِي مِنْهُ ذِمَّـةً بِتَسمِيَتِي * * * مُحَمَّداً وَهُوَ أَوْفَى الخَلْقِ بِالذِّمَمِ )
يقول الشّاعر: إنّ لي عهداً عند الرّسول صلّى الله عليه وسلّم أن يدخلني الجنّة، لأنّ اسمي محمّد، ومن أين له هذا العهد ؟ ونحن نعلم أنّ كثيراً من الفاسقين والشّيوعيين اسمه محمّد، فهل التّسمية بمحمّد مُبرّر لدخولهم الجنّة ؟
والرّسول صلّى الله عليه وسلّم قال لابنته فاطمة رضي الله عنها: (( سَلِينِي مِنْ مَالِي مَا شِئْتِ، لاَ أُغْنِي عَنْكِ مِنَ اللهِ شَيْئاً )).
5- ( لَعَلَّ رَحْمَةَ رَبِِّـي حِينَ يَقْسِمُهَا * * * تَأْتِي عَلَى حَسَبِ العِصْيَانِ فِي القَسَمِ )
وهذا غير صحيح، فلو كانت الرّحمة تأتي قسمتها على قدر المعاصي كما قال الشّاعر، لكان على المسلم أن يزيد في المعاصي، حتّى يأخذ من الرّحمة أكثر، وهذا لا يقوله مسلم ولا عاقل؛ ولأنّه مخالف لقول الله تعالى:{إِنَّ رَحْمَتَ اللهِ قَرِيبٌ مِنَ المُحْسِنِينَ} [الأعراف:56]، والله تعالى يقول:{وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ} [الأعراف:156].
6- ( وَكَيْفَ تَدْعُو إِلَى الدُّنْيَا ضَرُورَةٌ مَنْ * * * لَوْلاَهُ لَمْ تَخْرُجْ الدُّنْيَا مِنَ العَدَمِ )
الشّاعر يقول: لولا محمّد صلّى الله عليه وسلّم ما خُلِقَت الدّنيا ! والله يُكَذّبه ويقول:{وَمَا خَلَقْتُ الجِنَّ وَالإِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ}.
وحتّى محمّد صلّى الله عليه وسلّم خُلق للعبادة، وللدّعوة إليها، يقول الله تعالى:{وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ اليَقِينُ} [الحجر:99].
7- ( أَقْسَمْتُ بِالقَمَرِ المُنْشَقِّ إِنَّ لَهُ * * * مِنْ قَلْبِهِ نِسْبَةً مَبْرُورَةَ القَسَمِ )
الشّاعر يُقسم ويحلف بالقمر، والرّسول صلّى الله عليه وسلّم يقول: (( مَنْ حَلَفَ بِغَيْرِ اللهِ فَقَدْ أَشْرَكَ )) [رواه أحمد].
8- ( لَوْ نَاسَبَتْ قَدْرَهُ آياتُهُ عِظَماَ * * * أَحْيَا اسْمُهُ حِينَ يُدْعَى دَارِسَ الرِّمَمِ )
ومعناه: لو ناسبتْ معجزاتُ الرّسول صلّى الله عليه وسلّم قدرَه في العِظَم، لكان الميْت الّذي أصبح بالياً حيّا، وينهض بذكر اسمِ الرّسول صلّى الله عليه وسلّم !
وبما أنّه لم يَحْدُث هذا فالله لم يُعطِ الرَّسولَ صلّى الله عليه وسلّم حقّه من المعجزات ! فكأنّه اعتراضٌ على الله حيث لم يعطِ رسولَ الله !.. وهذا كذب وافتراءٌ على الله ! فالله تعالى أعطى كلّ نبيٍّ المعجزاتِ المناسبة له، فمثلاً: أعطى عيسى عليه السّلام معجزةَ إبراءِ الأعمى والأبرص وإحياء الموتى، وأعطى سيّدنا محمدا صلّى الله عليه وسلّم معجزة القرآن الكريم، وتكثير الماء والطّعام، وانشِقاق القمر وغيرها.
ومن العجيب أنّ بعض النّاس يقولون: إنّ هذه القصيدة تسمّى بالبردة وبالبُرأة، لأنّ صاحبها – كما يزعمون – مرض فرأى الرّسول صلّى الله عليه وسلّم، فأعطاه جبّته، فلبِسها، فبرئ من مرضه !
وهذا كذب وافتراء ليرفعوا من شأن هذه القصيدة، إذ كيف يرضى الرّسول صلّى الله عليه وسلّم بهذا الكلام المخالف للقرآن ! ولهديه صلّى الله عليه وسلّم ! وفيه شرك صريح ؟!
فاحذر – يا أخي المسلم – من قراءة هذه القصيدة وأمثالها المخالفة للقرآن، وهدي النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، والعجيب أنّ في بعض بلاد المسلمين من يُشَيِّع بها موتاهم إلى القبور ! فيضمّون إلى هذه الضّلالات بدعةً أخرى، حيث أمر النبيّ صلّى الله عليه وسلّم بالصّمت عند تشييع الجنائز، ولا حول ولا قوّة إلاّ بالله العليّ العظيم.