فمن كان موسِراً، فلا يزهدَنّ في هذا الخير العظيم، وليبادر إلى أن يكون من المستجيبين لقول النبيّ الكريم صلّى الله عليه وسلّم: (( منْ كَانَ لَهُ سَعَةٌ وَلَمْ يُضَحِّ فَلاَ يَقْرَبَنَّ مُصَلاَّنَا )).
2- تحقيق التّوحيد، وحمل النّفس على الإخلاص لربّ العبيد.
قال الله تعالى:{قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِين * لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} [الأنعام:162-163]، وقال سبحانه:{فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} [الكوثر:2]، وقال جلّ شأنه:{لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ} [الحج:37].
فاليوم قيام صرح التّوحيد، الّذي هو حقّ الله على العبيد؛ ذلك لأنّ كثيرا من النّاس الّذين تنكّبوا الصّراط السويّ، تراهم خلال السّنة يذبحون لغير الله !
ولكنّك اليوم تراه يحمِل مُدْيَتَه، ولسانه يفيض بكلمات التّوحيد وعبارات الإخلاص للعليّ المجيد، قائلا: بسم الله، والله أكبر، اللّهم إنّ هذا منك ولك، اللّهم تقبّل منّي !
وفي كلّ عام يُراقب العبدُ نفسه لتكون أضحيته لله تعالى، لا أن يكون همّه إرضاء الأولاد، والفخر بين العباد، فقد قال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: (( إِنَّ اللهَ لاَ يَقْبَلُ مِنَ العَمَلِ إِلاَّ مَا كَانَ خَالِصًا وَابْتُغِيَ بِهِ وَجْهُهُ )) [رواه أبو داود عن أبي أمامة رضي الله عنه].
3- تعويد النّفس على شكر المنعم سبحانه.
يقول الله تعالى:{وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ} [إبراهيم:34].
فترى العبدَ في هذا اليوم يفيض فؤاده بشكر الله، ويلهج لسانه بحمد مولاه:" اللّهم إنّ هذا منك ولك ". إنّها عبارات تتضمّن الاعتراف بأنّ هذه البهيمة التي بين يديك إنّما هي هبة من الله تعالى.
وَاللهِ لَوْلاَ اللهُ مَا اهْتَدَيْنَا *** وَلاَ تَصَدَّقْنَا وَلاَ صَلَّيْنَا
ولو استحضر العباد شكر الله تعالى، لوجَدَت هذه النِّعم طريقَها إلى التّقييد، واستوجبوا وعد الله بالمزيد:{وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ} [إبراهيم:7].
ولكنّك تسمع الكثيرين من غلاء الأضاحي يشكون، {وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ}.
4- تطهير النّفس من الشّح والبخل، والثّقة بالخلف من الله تعالى.
قال عزّ وجلّ:{وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} [سـبأ: من الآية39].
فإن كانت النيّة صادقةً، فلا أجمل من أن يُقدِمَ العبدُ على ماله فيقتطع منه جزءا يتقرّب به إلى الله تعالى، ثمّ لا يزال يتقلّب في جنبات العبوديّة، حتّى يقتطع من الأضحية جزءاً يُكرم به الجيران والأقربين، ويسدّ به خلّة الفقراء والمساكين.
وما أجمل كلمة شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله حين قال عند تفسير قوله تعالى:{فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ}:
" أمره الله تعالى أن يجمع بين هاتين العبادتين العظيمتين، وهما الصّلاة والنّسك، الدّالتان على القرب والتّواضع، والافتقار وحسن الظنّ، وقوّة اليقين، وطمأنينة القلب إلى الله، وإلى عِدَتِه وأمره، وفضله وخلفه.
وعكس حال أهل الكبر والنّفرة، وأهل الغنى عن الله، الّذين لا حاجة في صلاتهم إلى ربّهم يسألونه إيّاها، والّذين لا ينحرون له خوفا من الفقر، وتركا لإعانة الفقراء وإعطائهم، وسوء الظنّ منهم بربهّم، ولهذا جمع الله بينهما في قوله تعالى:{قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}.
والنّسك: هي الذّبيحة ابتغاء وجه؛ فإنّ الصّلاة والنّحر محفوفان بإنعام قبلهما، وإنعام بعدهما، وأجلّ العبادات المالية النّحر، وأجلّ العبادات البدنية الصّلاة، وما يجتمع للعبد في الصّلاة لا يجتمع له في غيرها من سائر العبادات ... وما يجتمع له في نحره من إيثار الله، وحسن الظنّ به، وقوّة اليقين، والوثوق بما في يد الله، أمر عجيب، إذا قارن ذلك الإيمان والإخلاص، وقد امتثل النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أمر ربّه؛ فكان كثيرَ الصّلاة لربّه كثيرَ النّحر، حتّى نحر بيده في حجّة الوداع ثلاثا وستّين بدنة، وكان ينحر في الأعياد وغيرها " اهـ.
والله الموفّق لا ربّ سواه.