الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وعليكم السّلام ورحمة الله وبركاته.
أمّا الجواب عن السّؤال الأوّل:
فمن المشهور أنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم كان يحرص على الاسم الحسن، وينهى عن الاسم القبيح، ولكنّه صلّى الله عليه وسلّم قيّد ذلك الحُسنَ، وضبطه حتّى لا يُؤدّي بالمرء إلى الوقوع في محظور.
فلا يزال أهل العلم ينصّون على كراهة التسمّي بكلّ اسمٍ يشتمل على تزكية ومدح، ولكن:
ما ضابط التّزكية والمدح ؟
أليس أغلب الأسماء المشروعة والمباحة تدلّ على المدح ؟
ألم يستحبّ الشّرع التسمّي بما فيه شرف ومدح وتزكية مثل: محمّد، ومحمود، وصالح، والحسن، وغيرها ممّا لا يُحصى !
فكان لا بدّ من بيان معنى المدح والتّزكية المنهيّ عنهما في باب الأسماء، فأقول وبالله أستعين:
- نصوص النّهي: كانت زينب بنت جحش وجويرية بنت الحارث زوجتا النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، وزينب بنت أبي سلمة تسمَّيْنَ بـ( بَرَّة )، وقصّة زَيْنَب بِنْت جحش أخرجها مسلم وأبو داود، وقصّة جويرية أخرجها مسلم أيضا.
أمّا قصّة زينب بنت أبي سلمة ففي الصّحيحين بلفظ: أَنَّ زَيْنَبَ بِنْتَ أَبِي سَلَمَةَ كَانَ اسْمُهَا بَرَّةَ، فَقِيلَ: تُزَكِّي نَفْسَهَا، فَسَمَّاهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم زَيْنَبَ.
وفي صحيح مسلم قالت: سُمِّيتُ ( بَرَّةَ )، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: (( لاَ تًُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ، اللهُ أَعْلَمُ بِأَهْلِ البِرِّ مِنْكُمْ )). فَقَالُوا: بِمَ نُسَمِّيهَا ؟ فَقَالَ: (( سَمُّوهَا زَيْنَبَ )).
- ومعنى ( برّة ): البِرُّ، وهو علم جنس، كما سمّوا الفجور ( فَجَارِ ).
قال ابن مالك رحمه الله:
وَوضعوا لبعضِ الأجناس عَلَمْ *** كعَلَمِ الأشخاص وهو عَمْ
من ذاك ( أمّ عِريَطٍ ) للعقرب *** وهكذا ( ثُعَـالَة ) للثّعلب
ومثـلـه ( بَـرَّة ) للمبـرّة *** كذا ( فَجَارِ ) عَلَمٌ للفَجْرَةِ
- علّة النّهي: إنّما نهى صلّى الله عليه وسلّم عن هذا الاسم لعلّتين دلّ عليهما الأثر، وعلّة ثالثة يدلّ عليها النّظر:
العلّة الأولى: من أجل التّزكية الدّينية، لا مطلق التّزكية.
فقد قال صلّى الله عليه وسلّم: (( لاَ تًُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ، اللهُ أَعْلَمُ بِأَهْلِ البِرِّ مِنْكُمْ )).
فالبرّ من شعارات هذا الدّين، ومثله: الخير، والتّقوى، والإيمان، ونحو ذلك.
قال أهل العلم: تكره التسمية بكلّ اسمٍ مضاف إلى لفظ ( الدين) ولفظ ( الإسلام ) مثل: نور الدين، ضياء الدين، سيف الإسلام، نور الإسلام ... وذلك لعظيم منزلة هذين اللفظين ( الدين ) و ( الإسلام ).
[انظر:" تحفة المودود " ( ص 136)، "السّلسلة الصّحيحة" (رقم 216)، " تغريب الألقاب العلمية "].
وكان النّووي رحمه الله يكره تلقيبه بمحيي الدين، وكان شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يكره تلقيبه بتقي الدين، ويقول " لكنّ أهلي لقّبوني بذلك فاشتهر ".
وإنّما قيّدت التّزكية بالدّين؛ لأنّه تواتر عنه صلّى الله عليه وسلّم وعن صحابته رضي الله عنهم أنّهم سمّوا بما يدلّ على صفات المدح، بل هو المطلوب، كمحمّد، وصالح، والحسين، وجميل، وغير ذلك.
العلّة الثّانية: مخافة الوقوع في التطيّر.
ويدلّ على ذلك ما رواه مسلم عن ابنِ عبّاسٍ رضي الله عنهما قال: كَانَتْ جُوَيْرِيَةُ اسْمُهَا بَرَّةُ، فَحَوَّلَ رَسُولُ الله صلّى الله عليه وسلّم اسْمَهَا جُوَيْرِيَةَ، قَالَ: وَكَانَ يَكْرَهُ أَنْ يُقَالَ خَرَجَ مِنْ عِنْدَ بَرَّةَ.
العلّة الثّالثة: وهي تعظيم حرمات الله تعالى، وخشية الوقوع في امتهانها، فلعلّ أحداً يسبّ ويلعن من تسمّى بما هو من شعارات هذا الدّين.
أمّا الجواب عن السّؤال الثّاني:
فقد روى أصحاب السّنن الأربعة عن سَمُرَةَ رضي الله عنه قالَ: قالَ رسولُ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم: (( الْغُلَامُ مُرْتَهَنٌ بِعَقِيقَتِهِ، يُذْبَحُ عَنْهُ يَوْمَ السَّابِعِ، وَيُسَمَّى، وَيُحْلَقُ رَأْسُهُ )).
وروى التّرمذي عن عبْدِ اللهِ بنِ عَمْرِو رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ صلّى الله عليه وسلّم ( أَمَرَ بِتَسْمِيَةِ الْمَوْلُودِ يَوْمَ سَابِعِهِ وَوَضْعِ الْأَذَى عَنْهُ وَالْعَقِّ ).
وهذا الأمر للنّدب، والصّارف عن الوجوب أحاديث منها:
1- ما رواه البخاري ومسلم عن أبِي مُوسَى رضي الله عنه قالَ: وُلِدَ لِي غُلَامٌ، فَأَتَيْتُ بِهِ النَّبِيَّ صلّى الله عليه وسلّم، فَسَمَّاهُ إِبْرَاهِيمَ، فَحَنَّكَهُ بِتَمْرَةٍ، وَدَعَا لَهُ بِالْبَرَكَةِ، وَدَفَعَهُ إِلَيَّ، وَكَانَ أَكْبَرَ وَلَدِ أَبِي مُوسَى.
2- ورويا أيضا عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قال - بعد ذكر قصّة أمّ سليم وزوجها أبي طلحة -: فَوَلَدَتْ غُلَامًا، قَالَ لِي أَبُو طَلْحَةَ: احْفَظْهُ حَتَّى تَأْتِيَ بِهِ النَّبِيَّ صلّى الله عليه وسلّم، فَأَتَى بِهِ النَّبِيَّ صلّى الله عليه وسلّم، وَأَرْسَلَتْ مَعَهُ بِتَمَرَاتٍ، فَأَخَذَهُ النَّبِيُّ صلّى الله عليه وسلّم، فقالَ: (( أَمَعَهُ شَيْءٌ ؟)) قَالُوا: نَعَمْ، تَمَرَاتٌ، فَأَخَذَهَا النَّبِيُّ صلّى الله عليه وسلّم فَمَضَغَهَا، ثُمَّ أَخَذَ مِنْ فِيهِ فَجَعَلَهَا فِي فِي الصَّبِيِّ، وَحَنَّكَهُ بِهِ، وَسَمَّاهُ عَبْدَ اللهِ.
فظاهر هذين الحديثين أنّه سمّاهما في يومهما الأوّل، وأصرح من ذلك:
3- ما رواه مسلم عنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قالَ: قالَ رَسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: (( وُلِدَ لِي اللَّيْلَةَ غُلَامٌ؛ فَسَمَّيْتُهُ بِاسْمِ أَبِي إِبْرَاهِيمَ )).
والله تعالى الموفّق لا ربّ سواه.