الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أمّا بعد: وعليكم السّلام ورحمة الله وبركاته.
فإنّ ثمّة أمورا يشترك فيها النّاس جميعُهم على اختلاف أديانهم وأجناسهم، كارتداء الملابس القطنيّة الدّاخليّة، والثّياب الّتي لها نفعٌ في أبدانهم، أو تُناسِب مهنتهم، فهذه لا حرج في ارتدائها وإن تلقّيناها من غيرنا، لأنّ وضعها وصنعَها كان للحاجة.
ولكنّ ثمّة أمورا تختصّ بالكافرين أو الفاسقين، فتكون كالشّعار لهم، فهذا ما نهى الله تعالى عنه، وحرّمه، وسدّ الأبواب إليه.
والأدلّة على تحريم ألبسة الكفّار نوعان:
- أدلّة عامّة: وهي أصل تنبني عليه كثير من الأحكام الشّرعيّة، وهو: النّهي عن مشابهة الكافرين في مظاهر دينهم، وعاداتهم، وتقاليدهم، وأعيادهم، وما يختصّون به من الألبسة ونحو ذلك.
قال العلماء: وليس ثمّة نصوص بعد نصوص التّوحيد أكثر من النّصوص النّاهية عن مشابهة الكافرين وولائهم.
ومع ذلك، فقد وقعت الأمّة في مشابهة الكافرين في كثير من نواحي حياتهم، وأسباب ذلك كثيرة:
أ) أعظمها: جهلُهم بفضل الإسلام والمسلمين، وخصائص هذه الأمّة.
ب) وجهلهم بنصوص الولاء والبراء.
ت) وحبّ الشّهوات.
ث) والشّعور بالانهزاميّة والهوان، وقد قال العلاّمة ابن خلدون:" وجرت سنّة الله أنّ المغلوب مولعٌ بتقليد الغالب ".
ج) وغفلتهم عمّا وصف الله تعالى به الكافرين، فقال:{وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ}، ووصفهم بأنّهم شرّ البريّة.
- أمّا الأدلّة الخاصّة باللّباس والزّينة فكثيرة منها:
أ) ما رواه مسلم عن عبد الله بنِ عمْرِو بنِ العاص رضي الله عنه قال: رَأَى رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم عَلَيَّ ثَوْبَيْنِ مُعَصْفَرَيْنِ، فَقَالَ: (( إِنَّ هَذِهِ مِنْ ثِيَابِ الْكُفَّارِ؛ فَلَا تَلْبَسْهَا )).
ب) وفي صحيح مسلم عن أبي عثمانَ النّهدي قال: كَتَبَ إِلَيْنَا عُمَرُ رضي الله عنه وَنَحْنُ بِأَذْرَبِيجَانَ: يَا عُتْبَةُ بْنَ فَرْقَدٍ، إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ كَدِّكَ وَلَا مِنْ كَدِّ أَبِيكَ وَلَا مِنْ كَدِّ أُمِّكَ، فَأَشْبِعْ الْمُسْلِمِينَ فِي رِحَالِهِمْ مِمَّا تَشْبَعُ مِنْهُ فِي رَحْلِكَ، وَإِيَّاكُمْ وَالتَّنَعُّمَ وَزِيَّ أَهْلِ الشِّرْكِ.
وذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أنّ التشبّه بالكفّار لا يلزم من فعله أن يكون قَصْدُ اللاّبس أن يتشبّه بهم، ولكن مجرّد الوقوع فيه كافٍ في إلحاق الوعيد ما دام عالما بأنّ هذا من فعل الكافرين.
والحاصل: أنّه لم يرِد لباسٌ مخصوص أو زيّ خاص بالمسلمين، وفي خير القرون دخل النّاس في دين الله أفواجا، ولم يؤمروا بتغيير ثيابهم أو ارتداء زيّ معيّن، وأنّ العبرة في التّحريم إمّا:
1- بالشّرع: كتحريم لباس الحرير، والذّهب، والمعصفر والمزعفر للرّجال، وكتحريم الطّيلسان - وهي قطعة من القماش يتغطّى بها اليهود في صلاتهم -، ونحو ذلك.
2- أو العرف الصّحيح، كأن يكون ذلك اللّباس شعارا للكفّار، حيث إذا رأيته حسِبته منهم، كالقبّعة والبُرنيطة ( beret )، وربطة العنق، ودبلة الخطوبة، والبنطلون الضيّق، وغير ذلك.
أمّا من قال: إذا شاع لباس الكفّار بين المسلمين صار جائزا، فهذا ليس على إطلاقه، بل هو خاصّ باللّباس الّذي لا بدّ منه، وتقتضيه الحاجة، كالبنطال – بشرط أن يكون فضفاضا -، وما يُتّقى به البردّ كالجاكيت والمعاطف، ونحو ذلك.
وعليه، فإنّ فستان العروس الأبيض من شعارات الكافرات، وليس ثمّة حاجة إلى لبسه.
والله تبارك وتعالى أعلم، وأعزّ وأكرم.