والصّواب أنّ الجمع ( دوْرات )- بتسكين الواو -، ولا يجوز فتحها؛ لأنّ من شروط فتح عين جمع المؤنّث السّالم أن يكون الحرف صحيحا، فتقول في جمع ( سجْدة ) و( ركْعة ) سجَدات وركَعات.
قال ابن مالك رحمه الله في " الخلاصة ":
والسّالِمَ العين الثلاثي اسما أنل *** إتبـاعَ عينٍ فاءه بما شُكِل
إن ساكنُ العين مؤنّـثا بـدا *** مختتما بالتّـاء أو مـجرّدا
ومقصود كلامه رحمه الله: أنّه يجوز إتباعُ حركة الحرف الثّاني من الكلمة ( وهو عينها ) حركة الحرف الأوّل منها (وهو فاؤها)، سواء كانت الفاء مفتوحة أو مضمومة أو مكسورة، فتقول: سجْدة سجَدَات- كما مرّ -، وظُلْمة ظُلُمات، وكسْرة كسِرات. ولكن لذلك شروط:
1- أن تكون الكلمة اسما، لا وصفا، فلا تقول في جمع ( ضخْم ) ضخَمات، وإنّما يقال: ضخْمات.
2- أن تكون الكلمة مؤنّثة في المعنى، مختومة بالتّاء أو مجرّدة، فتقول في جمع ( ضرْبَة ) و( هنْد ) ضرَبات وهنِدات، ولا تقول في جمع (طلْحة) طلَحات، وإنّما تقول: طلْحات، لأنّه مذكّر في المعنى.
3- أن تكون الكلمة ثلاثيّة، فتقول في جمع ( مكْتبة ) مكْتبات ليس غير.
4- أن تكون الكلمة صحيحة العين - وهذا هو الشّاهد -، فلا تقول في جمع ( بيْضة ) و( جوْزة ) بيَضات وجوَزات، وإنّما تقول: بيْضات، وجوْزات، وكذلك دوْرة دوْرات.
وهناك تفصيل آخر فيما لو كانت الكلمة مكسورة الفاء ولامها معتلّة، وليس هذا موضع بسطه.
ومن هنا نستفيد أمرا مهمّا، وهو: أنّ قول النّحويّين في تعريف جمع المؤنّث السّالم:" هو ما دلّ على أكثر من اثنتين ولم تتغيّر صيغة مفرده " إنّما هو على الغالب.
وفرارا من ذلك يسمّيه كثير من المحقّقين: ( ما جمع بألف وتاء مزيدتين )، قال ابن هشام رحمه الله في " قطر النّدى ":
" لا فرق بين أن يكون قد سلمت بنية واحده كـ( ضخمة وضخمات )، أو تغيّرت كـ( سجْدة وسجَدات ) و( حبلى وحبليات ) و(صحراء وصحراوت)، ألا ترى أنّ الأوّل محرّك وسطُه، والثّاني قلبت ألفه ياء، والثالث قلبت همزته واوا ؟ ولذلك عدلْت عن قول أكثرهم: جمع المؤنّث السّالم، إلى أن قلت: الجمع بالألف والتّاء، لأعمّ جمع المؤنّث وجمع المذكّر، وما سلم فيه المفرد وما تغيّر ".
تنبيه:
قد يقول قائل: لماذا لا يحمل قولُهم ( دوَِرات ) – بفتح الواو – على لغة هذيل، فقد قالوا في جمع جوْزة جوَزات، وبيْضة: بيَضات ؟ وقد قال ابن مالك رحمه الله في " الخلاصة ":
ونادرٌ، أو ذو اضطرار غيرُ ما *** قدّمتـه، أو لأنـاسٍ انتمى
فالجواب: ينسُب أهل العلم هذه اللّغة إلى هذيل، وينسبها الفرّاء إلى قيس – كما في " إعراب القرآن " للنحّاس-، ونقل ابن خالويه رحمه الله في كتاب " شواذ القراءات " أنّ كلاًّ من ابن أبي إسحاق والأعمش قرأ:{ثَلاَثَ عوَرَاتٍ} – بفتح العين –.
ولا يردُ ذلك على ما ذكرناه لأمرين اثنين:
1- على كثرة ما ورد من أشعار الهُذليّين، وما ثبت من نثرهم، فإنّه لم يُعثرْ على غير هاتين الكلمتين ( جوزات، وبيضات)، والكلمة الثّالثة عن غيرهم ( عوَرات ).
فهو ليس قاعدةً عامّة لديهم، وإنّما خرجوا عن القياس في هذه الكلمات الثّلاث فحسْب، وما خالف القياس فعليه لا يُقاس، والشاذّ يُحفَظ ولا يُقاس عليه.
2- لو ثبت أنّهم طردوا ذلك في كلّ معتلّ العين، لكان لغة قومٍ بأعيانهم، ولا يُتابَعُون على ذلك، وإلاّ لاتّبعنا بني هذيل في رفع الاسم الموصول بالواو فنقول: ( اللّذون )، وجررنا الاسم بـ( متى )، وقلبنا ألف المقصور ياء عند إضافته إلى ياء المتكلّم، فنقول: (هذه عَصَيَّ)، ولنطقنا حتّى: عتّى، وغير ذلك.
وإنّما يتكلّم العربيّ بالمشهور من كلام العرب، لا بما ندر.
والله أعلم وأعزّ وأكرم.