1- المبحث الأوّل: أدلّة ثبوت هذا الاسم.
قال الله تعالى:{قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنَا رَبُّنَا ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَهُوَ الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ} [سـبأ:26].
وقد عدّه جمهور العلماء من الأسماء الحسنى، كابن منده، والحليميّ، والبيهقيّ، وابن حزم، وابن العربيّ، والقرطبيّ، وابن القيّم، وابن الوزير، وابن حجر، والشّيخ السّعدي، والشّيخ ابن عثيمين رحمهم الله أجمعين.
وممّن لم يذكره الخطّابي، والأصبهانيّ.
ومنه ثبتت صفة الفتح في الكتاب والسنّة، أمّا الكتاب فكما في قوله تعالى:{قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنَا رَبُّنَا ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ} [سـبأ:26]، وقوله:{مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ} [فاطر: من الآية2]، وقوله:{رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ} [الأعراف: من الآية89].
وأمّا في السنّة، فالأحاديث كثيرة جدّا، يذكر فيها فتح الله على نبيّه صلّى الله عليه وسلّم.
2- المبحث الثّاني: المعنى اللّغوي.
ملخّص ما جاء في "لسان العرب"، و"النّهاية" (3/406-407)، و"تفسير الأسماء" للزجّاج (ص 39) أنّ الفتح له معان ثلاث:
أ) نقيض الإغلاق والإمساك: وهو أعرف معانيه وأشهرها، كقوله تعالى:{مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [فاطر:2]، وقوله تعالى:{وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْض} [الأعراف: من الآية96].
ب) بمعنى النّصر، كقوله تعالى:{إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمُ الْفَتْحُ} [الأنفال: من الآية19]. أي: إن تستنصروا فقد جاءكم النّصر.
ج) القضاء والحكم، قال الأزهريّ رحمه الله:" الفتح: أن تحكم بين قوم يختصمون إليك، كما قال سبحانه مخبِرا عن شعيب:{رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ} [الأعراف: من الآية89] أي: اقضِ بيننا "اهـ.
ويمكن أن يقال إنّ المعاني متقاربة قد تجتمع في أغلب الأحيان:
- فالفتح هو النّصر مع فتح البلدان، فيرجع إلى المعنى الأوّل.
- وعليه جرى استعمال هذه اللّفظة، كما في الحديث الّذي رواه البخاري ومسلم عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رضي الله عنه أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صلّى الله عليه وسلّم يَقُولُ يَوْمَ خَيْبَرَ: (( لَأُعْطِيَنَّ الرَّايَةَ رَجُلًا يَفْتَحُ اللَّهُ عَلَى يَدَيْهِ )).
ومثله ما رواه البخاري ومسلم أيضا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم في قصّة يوشع عليه السّلام: ((..اللَّهُمَّ احْبِسْهَا عَلَيْنَا - يعني الشّمس - فَحُبِسَتْ حَتَّى فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ )).
- وقد يكون النّصر دون فتح، لذلك غاير الله بينهما في قوله:{إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} [النصر:1].
- والنّصر هو حكم الله تعالى لأوليائه، فيرجع إلى المعنى الثّالث.
( تنبيه ): من النّصوص السّابقة نرى أنّ فتح يتعدّى بحرف الجرّ (على) في مقام الخير، فلا وجه لمن زعم أنّه في مقام الخير يتعدّى بـ"إلى"، وفي مقام الشرّ بـ"على".
ومن خصّ هذا بالأسلوب الإنشائي - وهو الدّعاء - دون الأسلوب الخبري فقد غلط أيضا، وذلك أنّ الخبر يأتي موافقا للدّعاء، فقوله تعالى:{فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ} استجابة لمن دعا بالفتح، والله أعلم.
3- المبحث الثّالث: معنى ( الفتح ) اسما وصفةً لله عزّ وجلّ.
(الفتّاح): صيغة مبالغة من الفتح، وهو في حقّ الله يوافق المعاني اللّغويّة السّابق بيانها:
1- فهو بمعنى: الحاكم القاضي بين العباد في الدّنيا والآخرة، روى ابن جرير عن قتادة بسند صحيح في تفسير قوله تعالى:{رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ} [الأعراف: من الآية89] قال:" اقضِ بيننا وبين قومنا بالحقّ ".
وقال ابن جرير:" وأنت خير الفاتحين: يعني خير الحاكمين ".
وقال في آية "سبأ":"{وَهُوَ الفَتَّاحُ العَلِيمُ}: القاضي العليم بالقضاء بين خلقه، لأنّه لا تخفى عنه خافية، ولا يحتاج إلى شهود تُعرِّفه المحقّ من المبطل "اهـ.
2- وهو بمعنى الفتّاح بمعنى الفتح الّذي هو ضدّ الإغلاق، قال الخطّابي رحمه الله في "شأن الدّعاء" (ص56):
" الفتّاح هو الحاكم بين عباده، وقد يكون معنى "الفتّاح" أيضا الّذي يفتح أبوب الرّزق والرّحمة لعباده، وينفتح المنغلِق عليهم من أمورهم وأسبابهم، ويفتح قلوبهم، وعيون بصائرهم، ليبصروا الحقّ "اهـ.
3-ويكون بمعنى النّاصر، قال الخطّابي في المرجع السّابق ذكره:
" ويكون الفاتح أيضا بمعنى النّاصر كقوله سبحانه:{إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمْ الفَتْحُ} ". وبمثل هذا قال البيهقيّ في "الاعتقاد" (ص57)، والحليميّ في "المنهاج" (1/202).
4- المبحث الرّابع: أنـواع الفتـح.
الفتح نوعان: فتح شرعيّ، وفتح قدري.
أ) أمّا الشّرعيّ: فهو حكمه الدّينيّ والجزائيّ.
ففتحه الدّينيّ هو: شرعه، وفتحه الجزائيّ: هو فتحه على أوليائه بإكرامهم وإعزازهم، وفتحه على أعدائه بإهانتهم وإذلالهم، ومن أمثلة هذا ما جاء في دعاء شعيب عليه السّلام.
ب) وأمّا فتحه القدريّ: فهو ما يقدّره سبحانه على عباده من خير أو شرّ، ونفع أو ضرّ، وهذا المراد في قوله تعالى:{مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [فاطر:2].
وفي كلا النّوعين يتّصف المولى تبارك وتعالى بالحكمة البالغة، والعدل التامّ، والفضل الكامل.
قال ابن القيّم رحمه الله في "النّونية" (2/100):
وكذلك الفـتّـاح من أسـمـائـه *** والفتـح فـي أوصـافـه أمـران
فتـحٌ بحكـم وهـو شـرع إلَاهِـنا *** والفـتـح بالأقـدار فـتـحٌ ثـان
والربّ فـتّـاح بـذيـن كليـهـما *** عـدلا وإحـسـانا مـن الرّحـمن
( يتبع إن شاء الله )