- الاسم: غزوة السّويق. والسّويق هو الدّقيق من القمح أو الشّعير يقلى ويخلط باللّبن أو العسل، أو بالماء.
- · زمانها: كانت في شهر ذي الحجّة من العام الثّاني، كما جزم به ابن هشام رحمه الله، وابن القيّم رحمه الله في " زاد المعاد " (2/90 و91).
- · مكانها: قَرقَرة الكدر.
- · سببها: أغار أبو سفيان على ناحية من المدينة يقال لها " العُريض "، فقطعوا وحرّقوا أسوارا من النّخل، ووجدوا رجلا من الأنصار وحليفا له في حرث لهما، فقتلوهما، وفرّوا راجعين إلى مكّة.
- · المُستخلف على المدينة: أبو لبابة بن عبد المنذر رضي الله عنه.
- · حامل اللّواء: لم تذكره المصادر.
- · قائد العدوّ: أبو سفيان بن حرب.
- · قوّات المسلمين: مائتا مقاتل.
- · قوّات الكافرين: مائتا مقاتل أيضا.
- · مدّة مكث النبيّ صلّى الله عليه وسلّم خارج المدينة: ظلّ خارج المدينة خمسة عشر يوما.
- · تصنيف الغزوة: مطاردة.
- · نتائجها: فلمّا طاردهم النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، بالغوا في السّرعة في الهروب، حتّى طرحوا طعامهم في الطّريق، وكان غالب طعامهم السّويق، وبذلك سمّيت.
من مكايد اليهود ..
ازداد حنق المشركين لما حدث، ممّا جعلهم يعزمون على توحيد صفوف مشركي العرب لضرب دولة الإسلام.
وازداد حنق اليهود والمنافقين أكثر ممّا كان عليه.. فصاروا يكيدون للمؤمنين بشيء لا يأتي على أمّة إلاّ وأذهب ريحها، وسارع بفشلها:
إنّهم يحاولون اليومَ تفريقَ صفوف المؤمنين .. في الوقت الّذي يجمع فيه أبو سفيان كلمة المشركين من العرب.
لقد علم اليهود أنّ الله تعالى قد قوّى قلوب المؤمنين، وشدّ سواعدهم بصرح عظيم، وحصن حصين بناه الإسلام، وهو: الأخوّة ..
{وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ (62) وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (63)}..
وسمعوا النبيّ صلّى الله عليه وسلّم يقُول مرارا: (( وَأَنَا آمُرُكُمْ بِخَمْسٍ اللَّهُ أَمَرَنِي بِهِنَّ: السَّمْعُ وَالطَّاعَةُ، وَالْجِهَادُ، وَالْهِجْرَةُ، وَالْجَمَاعَةُ، فَإِنَّهُ مَنْ فَارَقَ الْجَمَاعَةَ قِيدَ شِبْرٍ فَقَدْ خَلَعَ رِبْقَةَ الْإِسْلَامِ مِنْ عُنُقِهِ إِلَّا أَنْ يَرْجِعَ، وَمَنْ ادَّعَى دَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ فَإِنَّهُ مِنْ جُثَا[1] جَهَنَّمَ !)).
فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللهِ، وَإِنْ صَلَّى وَصَامَ ؟! قالَ:
(( وَإِنْ صَلَّى وَصَامَ، فَادْعُوا بِدَعْوَى اللهِ الَّذِي سَمَّاكُمْ الْمُسْلِمِينَ الْمُؤْمِنِينَ عِبَادَ اللهِ )) [رواه التّرمذي وأحمد عن الحارث الأشعريّ رضي الله عنه].
وسمعوه صلّى الله عليه وسلّم يقول: (( إِنَّ اللهَ يَرْضَى لَكُمْ ثَلَاثًا، وَيَكْرَهُ لَكُمْ ثَلَاثًا، فَيَرْضَى لَكُمْ: أَنْ تَعْبُدُوهُ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَأَنْ تُنَاصِحُوا مَنْ وَلَّاهُ اللَّهُ أَمْرَكُمْ، وَأَنْ تَعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا، وَيَكْرَهُ لَكُمْ: قِيلَ وَقَالَ، وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ، وَإِضَاعَةِ الْمَالِ )) [رواه مسلم وأحمد - واللّفظ له - عن أبي هريرة رضي الله عنه].
أمام هذه التّعاليم والمبادئ، صمد المسلمون أمام ضربات اليهود والمنافقين .. صمدوا أمام رياح عاتية:
روى ابن اسحاق أنّ شاس بن قيس - وكان شيخا قد عسا عظيم الكفر، شديد الضغن على المسلمين، شديد الحسد لهم - على نفر من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من الأوس والخرزج في مجلس قد جمعهم يتحدّثون فيه، فغاظه ما رأى من ألفتهم، وجماعتهم، وصلاح ذات بينهم على الإسلام، بعد الّذي كان بينهم من العداوة في الجاهليّة، فقال:
قد اجتمع ملأ بني قيلة بهذه البلاد، لا والله ! ما لنا معهم إذا اجتمع ملؤهم بها من قرار ! فأمر فتًى شابًّا من يهود كان معهم، فقال:
اعمد إليهم، فاجلس معهم ثمّ اذكر يوم بعاث، وما كان قبله، وأنشدهم بعض ما كانوا تقاولوا فيه الأشعار يوم بعاث، وكان يوم بعاث يوما اقتتلت فيه الأوس والخزرج، وكان الظّفر فيه يومئذ للأوس على الخزرج، ففعل.
فتكلّم القوم عند ذلك، وتنازعوا، وتفاخروا، حتّى تواثب رجلان من الحيّين على الرّكب: أوس بن قيظي أحد من بني حارثة بن الحارث من الأوس، وجبار بن صخر أحد بني سلمة من الخزرج، فتقاولا، ثمّ قال أحدهما لصاحبه: إن شئتم رددناها الآن جذعة ! فغضب الفريقان جميعا، وقالوا: قد فعلنا، موعدُكم الظّاهرة - والظّاهرة الحرّة -، السّلاح ! السّلاح ! فخرجوا إليها.
فبلغ ذلك رسولَ الله صلّى الله عليه وسلّم فخرج إليهم فيمن معه من أصحابه المهاجرين، حتّى جاءهم، فقال:
(( يَا مَعْشَرَ المُسْلِمِينَ، اللهَ ! الله ! أَبِدَعْوَى الجَاهِلِيَّةِ وَأَنَا بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ بَعْدَ أَنْ هَدَاكُمْ اللهُ لِلإِسْلاَمِ وَأَكْرَمَكُمْ بِهِ وَقَطَعَ بِهِ عَنْكُمْ أَمْرَ الجَاهِلِيَّةِ وَاسْتَنْقَذَكُمْ بِهِ مِنَ الكُفْرِ وَألَّفَ بِهِ مِنْ قُلُوبِكُمْ ؟! )).
فعرف القوم أنّها نزغة من الشّيطان وكيد من عدوّهم ...".
نعم .. إنّها نزغة شيطان .. مهما حاولوا تسميتها بشيء آخر ..
إنّها كيد عدوّ .. مهما ألبسوها من ثياب، وأسبغوا عليها من ألقاب ..
قال:" فبكَوْا، وعانق الرّجال من الأوس والخزرج بعضُهم بعضًا، ثمّ انصرفوا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم سامعين مطيعين، قد أطفأ الله عنهم كيد عدوّ الله شاس بن قيس ".
فأنزل الله تعالى في أهل الكتاب:{قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ تَبْغُونَهَا عِوَجاً وَأَنْتُمْ شُهَدَاءُ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (99) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقاً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ (100)} [آل عمران].
وقال في المسلمين:{وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (101) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (102) وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (103)} [آل عمران].
ما أعظمها من فرحة تغمر القلوب وتشرح الصّدور ..
وكان أشدّهم فرحة وسرورا، فتى الإسلام، والمقاتل الضّرغام، فإنّه على موعد بعروسه .. على موعد بأن تُزفّ إليه ابنة خير الخلق صلّى الله عليه وسلّم .. إنّ حديثنا لاحقاً سيكون عن:
زفاف عليّ رضي الله عنه.
[1] ( فَإِنَّهُ ) أي: الدّاعي ( مِنْ جُثَى جَهَنَّمَ ) أي: من جماعاتها، جمع جَثوة بالحركات الثلاث، وهي الحجارة المجموعة، وروى من جُثِيِّ - بتشديد الياء وضمّ الجيم - جمع جاثٍ من: جثَى على ركبتيه يجثو ويجثي، وكسر الجيم جائز؛ وقرئ بهما في قوله تعالى:{وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا}.