الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أمّا بعد: وعليكم السّلام ورحمة الله وبركاته
فاعلم - أخي الكريم - أنّ الرّبا ثلاثة أنواع: ربا النّسيئة، وربا الفضل، وربا اليد.
1- أمّا ربا النّسيئة فهو: قرض إلى أجل مع زيادة، أو بيع إلى أجل مع زيادة عند تعذّر السّداد.
وهذا يسمّى الرّبا الجليّ الواضح، وهو المعروف بربا الجاهليّة.
وهو المحرّم لذاته لما فيه من الظّلم والضّرر، وهو الّذي شنّ الله تعالى الحرب عليه وعلى متعاطيه، فقال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (278) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ (279)} [البقرة].
ذلك؛ لأنّه منافٍ للإحسان الّذي جاء الدّين لتحقيقه ونشره، وكثيرا ما يذكّرنا الله سبحانه بالإحسان بالصّدقات بعد النّهي عن الرّبا:
فقال تعالى:{يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ} [البقرة:276].
وقال سبحانه:{وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِباً لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ} [الروم:39].
وقال جلّ جلاله:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا الرِّبا أَضْعَافاً مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ...} حتّى قال:{الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [آل عمران].
2- وربا الفضل: بيع صنف ربويّ بمثله متفاضلا.
3- وربا اليد: بيع صنف ربويّ بمثله مؤجّلا.
وهذان النّوعان من الرّبا الخفيّ، وهذا الرّبا محرّم لغيره؛ لأنّه ذريعة إلى ربا النّسيئة.
فالنّوع الأوّل حُرِّم قصدا، وهذان حُرِّما وسيلةً.
روى مسلم عنْ عُبَادَةَ بنِ الصَّامِتِ رضي الله عنه قال: قالَ رَسُولُ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم:
(( الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ، وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ، وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ، وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ، وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ، وَالْمِلْحُ بِالْمِلْحِ، مِثْلًا بِمِثْلٍ، سَوَاءً بِسَوَاءٍ، يَدًا بِيَدٍ، فَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الْأَصْنَافُ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ إِذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ )).
فإن قيل: كيف يُفضِي ربا الفضل واليد إلى ربا النّسيئة ؟
فالجواب أن يقال: إنّ الّذي يبيع صنفاً ربويّا بصنفٍ ربويّ، فإنّه لا يفعل ذلك إلاّ للتّفاوت الّذي بينهما في الجودة، فإن جوّزنا التّفاضل بين ربويّين من أجل الجودة، فلْيَجُز إذن التّفاضل لأجل المدّة، فسدّ الله هذا الباب، وإنّ في ذلك لعبرة لأولي الألباب.
وهذه العلّة منصوص عليها فيما رواه الإمام أحمد عنْ نَافِعٍ قالَ: قالَ عُمَرُ رضي الله عنه:
( لَا تَبِيعُوا الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ، وَالْوَرِقَ بِالْوَرِقِ، إِلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ، وَلَا تُشِفُّوا بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ، وَلَا تَبِيعُوا شَيْئًا غَائِبًا مِنْهَا بِنَاجِزٍ، فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ الرَّمَاءَ ) وَالرَّمَاءُ: الرِّبَا.
وظاهر هذه الرّواية أنّ الحديث موقوف على عمر رضي الله عنه، ولكنّه مرفوع إلى النبيّ صلّى الله عليه وسلّم؛ فإنّه لما بلغ هذا الحديثُ أبا سعيد الخدريَّ رضي الله عنه قال:
" بَصُرَ عَيْنِي وَسَمِعَ أُذُنِي، سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم يقولُ: ... "، فذكره.
والله تعالى أعلم.