الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أمّا بعد:
وعليكم السّلام ورحمة الله وبركاته.
فإنّ الحرف ( أنْ ) يرد في كلام العرب على أربعة أوجه:
1- ( أن المصدريّة ) وهي الّتي تنصب الفعل المضارع، نحو قوله تعالى:{وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ}.
2- ( أنْ المخفّفة من الثّقيلة )، وأصلُها ( أنَّ ) المشدّدة النّاصبة للمبتدأ، نحو قوله تعالى:{عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى}، والتّقدير: علم أنّه سيكون منكم مرضى. فالهاء ضمير الشّأن اسم ( أنّ المخفّفة )، أي: عَلِمَ أنّ الشّأن والحال سيكون منكم مرضى.
3- ( أنْ التّفسيريّة ): وضابطها أنّها تأتي بعد ما له معنى القول، وتليها جملة، نحو قوله تعالى:{وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ}، فـ(أنْ) في هذا المثال فسّرت لنا النّداء، وهو في معنى القول.
4- ( أنْ الزّائدة للتّوكيد ): وضابطها الاستغناء عنها وتقع غالبا بعد ( لمّا )، نحو قوله تعالى:{فَلَمَّا أَنْ جَاءَ الْبَشِيرُ أَلْقَاهُ عَلَى وَجْهِهِ}.
والإشكال الّذي طرحته إنّما يرِد غالبا في الوجهين الأوّلين، فيقال:
- إن دخلت (أنْ) النّاصبة للمضارع على (لا) النّافية، فإنّه ليس هناك فاصلٌ مقدّر بينها وبين (لا)، فالأحسنُ حينها كتابتها متّصلةً بها، كما في قوله تعالى:{وَحَسِبُوا أَلَّا تَكُونَ فِتْنَةٌ}.
- أمّا (أنْ) المخفّفة إذا دخلت على (لا) النّافية، فنحن نعلم أنّ ثمّة فاصلاً بينها وبين (لا)، وهو ضمير الشأن اسمُها، فالأحسن حينها كتابتُها منفصلةً، إشعارا بوجود الفاصل الّذي هو اسم (أنْ) المخفّفة. وقد قُرِئ:{وَحَسِبُوا أَنْ لاَ تَكُونُ فِتْنَةٌْ} برفع ( تكونُ )، والتّقدير: أنّه لا تكون.
ومثل ذلك كلمة التّوحيد: أشهد أنْ لا إله إلاّ الله.
وإنّما قلت:" الأحسن "، ولم أقل:" يجب "؛ لأنّ القول بإيجاب أحد الوجهين يحتاج إلى تتبّع واستقراء، فالأمر واسعٌ إن شاء الله.
والله تعالى أعلم.